الترجيح في مسألة تبيت الصيام قبل الفجر الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله (مفرغة).

الترجيح في مسألة تبيت الصيام قبل الفجر الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله (مفرغة).

عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صیام له) أخرجه الترمذي.

وفي رواية للدارقطني : "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل"(1).

والحديث فيه أن قصد الدخول في صوم اليوم يكون في الليلة التي تسبقه.

وظاهر الحديث أن ذلك شرط في صحة الصوم ، سواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً

ووجه الدلالة في قوله صلى الله عليه وسلم : "صیام له" حیث نفی وجود الصيام الشرعي عمن لم يبيت النية قبل الفجر.

لأن الأصل في هذا الأسلوب هو نفي الحقيقة الشرعية لا نفي الكمال، ما لم تأت قرينة صارفة.
وقد قال بأن الصوم الشرعي في الفرض والنفل لا يصح إلا بتبيت النية : مالك(2)، وداود، واختاره المزني(3) وهو قول ابن حزم(4)، واختاره ابن الشوکاني(5) رحمهم الله .

وقد اعترض علی الاستدلال السابق ، من جهة اشتراط تبییت النية في صوم الفرض وفي صوم النفل.

أمّا صوم الفرض، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء ، يأمرهم بصيامه. 

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ : "إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلا يَأْكُلْ " .

وفي رواية: "أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من کان أکل فلیصم بقیة یومه، و من لم یکن أکل فلیصم، فإن الیوم یوم عاشوراء" أخرجه الشيخان(6).

وصوم عاشوراء کان واجباً في ذلک الوقت؛ فلو کان تبییت النیة شرطاً في صحة الصوم، لما صح صیام عاشوراء، لكن لمّا أمر به صلى الله عليه وسلم دل على صحته، ومن لازم ذلك: أن تبييت النية ليس شرطا في صحة الصوم.

وعليه ؛ فإن هذا الحديث صارف لدلالة حديث حفصة من الشرطية إلى الاستحباب، فيكون تبييت النية في صيام الفرض مستحباً لا شرطاً

وقال بهذا أبو حنيفة رحمه الله، فلم يشترط لصحة صوم رمضان تبییت النیة. واشترطها في صوم الفرض الذي لا یکون متعینا کقضاء رمضان، وصوم الكفارات(7). 

أما صوم التطوع، فقد ثبت ما يدل على من أصبح لا يريد الصوم، ولم يأكل ولم يشرب، ثم بدا له الصوم أن له ذلك.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ؛ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ. فَقَالَ: أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ"أخرجه مسلم(8).

ومحل الشاهد : في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فإني إذن صائم" أي منشيء لنية الدخول في الصوم.

ووجه الدلالة: إنه لو كان تبييت النية شرطاً لما صح صوم التطوع الذي صامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه إنما أنشأ نيته أثناء النهار، ولم يبيتها من الليل.

ولكن هذا لا يصح ؛ فدل على أنه لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع

وبهذا یکون النفي المذکور في حدیث حفصة : «لا صیام له» نفي للفضيلة والكمال ، لا نفي للحقيقة الشرعية، إذ هي غير مرادة لا في صوم الفرض ولا في صوم التطوع .

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صوم التطوع يجزىء إنشاء نيته أثناء النهار في أوّله قبل الزوال.
وهو قول : الشافعي(9) وأحمد(10) وإسحاق(11) وأبي حنيفة(12).

قلت : والذين يترجح - عندي - والعلم عند الله تعالى أن تبييت النية شرط في صحة الصوم سواء كان فرضاً أم نفلاً، وذلك لحديث حفصة: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صیام له"، وهذا للأمور التالية :

1 - لأن أسلوب الحديث يقتضى أن تبييت النية شرط لصحة الصوم. إذ كيف ينفي الشارع عملاً لانتفاء شيء من كماله المستحب؟

قال ابن تيمية رحمه الله : "الْعَمَلُ لَا يَكُونُ مَنْفِيًّا إلَّا إذَا انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِهِ . فَأَمَّا إذَا فُعِلَ كَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِانْتِفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ : إنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلْكَمَالِ .... فالجواب:  نَعَمْ هُوَ لِنَفْيِ الْكَمَالِ لَكِنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْمُسْتَحَبَّاتِ ؟ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَحَقٌّ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَبَاطِلٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ قَطُّ وَلَيْسَ بِحَقِّ .   فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا كَمُلَتْ وَاجِبَاتُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ نَفْيُهُ؟"(13)انتهى كلامه.

وقال ابن القیم رحمه الله : «لا يصلح النفي المطلق عند نفي بعض المستحبات . وإلا صح النفي عن كل عبادة ترك بعض مستحباتها ولا يصح ذلك لغة ولا عرفاً ولا شرعاً، ولا يعهد في الشريعة نفي العبادة إلا بترك واجب فيها"(14) اهـ.

قلت : فلو سلمنا وجود القرينة الصارفة من الشرطية فإنها لا تكون للاستحباب إنما تكون للوجوب، إذ أسلوب الحديث لا يصح إلا بذلك، فالحدیث لنفی الکمال الواجب في الصوم بغیر تبییت للنیة . فلا صیام لمن ترك تبييت النية عمداً، لأن تبييت النية واجب - على التقرير الآنف قريباً - بخلاف من ترکها جهلاً أو نسیاناً.

هذا لو سلمنا صحة القرينة، والذي نرجحه أنه لا توجد قرينة صحيحة الدلالة تصلح لصرف الحديث عن ظاهر أسلوبه الذي جاء به.

تنبيه : أوردت كلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله فى دلالة أسلوب الحدیث، من بحث لهما فی غیر مسألتنا.

2 - ولأن استدلالهم بحدیث صوم يوم عاشوراء ؛ فيه نظر، وذلك لأن الحال الذي ورد في الحديث إنما هو فيمن لم يعلم بوجوب صيام يوم الغد مما يجب صومه. وفرق بين المسألتين.

والقاعدة : {إن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، و بلوغها إلیه. فکما لا یترتب فی حقه قبل بلوغه هو، فکذلك لا یترتب في حقه قبل بلوغها إليه. وهذا في الحدود والمعاملات والعبادات}.(15)

وعلى هذا فليس في الحديث دلالة على أن تبييت النية في صوم الفرض لیس شرطاً.

وبناء عليه فلا يصح جعله صارفاً لدلالة حديث حفصة رضي الله عنها من الشرطية إلى الاستحباب أو الوجوب ؛ في تبييت النية في صوم الفرض .

3 - ولأن الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها في صوم التطوع فيه نظر؛ وذلك لأن ظاهر حديث عائشة المتبادر إلى الذهن - على ضوء الأحاديث الواردة في الباب -: إن الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء أتم صومه، وإن شاء أفطر، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصبح صائماً (يعني : بيّت النية لصوم التطوع من الليل)، فكان يبدو له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفطر، فيسأل أهله إن كان عندهم طعام، وإلا أتم الصوم الذي أنشأ نيته من الليل.

فيكون قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فإني إذن صائم" أي باقٍ على نية الصوم التي أصبحت فيها.
ويدل على هذا تأمل روايات الحديث، فمنها ما يلى :

 عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :" قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ !  أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ :مَا هُوَ؟ قُلْتُ: حَيْسٌ. قَالَ: هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا

قَالَ طَلْحَةُ فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا"أخرجه مسلم(16).

وفي رواية للنسائي : "فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلْتَ عَلَيَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ ثُمَّ أَكَلْتَ حَيْسًا. قَالَ : نَعَمْ يَا عَائِشَةُ إِنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا بَقِيَ فَأَمْسَكَهُ»"(17).

قلت: تأمل هذه الروايات(18) يبين أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"فإني صائم" وقوله في الروایة الأخرى : "فإني إذن صائم" معناه : فإني باق ومستمر على صومي الذي أصبحت ناوياً له.
ويدل على هذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "قد كنت أصبحت صائماً"، وفي الرواية الأخرى : "فلقد أصبحت صائماً".

4 - ولأن حاصل حديث عائشة رضى الله عنها أنه واقعة عين، ووقائع الأعيان الأصل فيها أن تحمل على القاعدة في الباب.

والقاعدة هنا : أن لا صيام لمن لم يجمع من الليل قبل الفجر.

فيحمل حديث عائشة رضي الله عنها على هذه القاعدة خاصة إذا تذکرت أن نفي العبادة يکون لترك مستحب أو فضيلة.

تنبیه : تبييت نية الصوم من الليل لا ينقض بالأكل والشرب والجماع بعدها إلی الفجر(19).

فائدة : تبييت النية يتحصل بأدنى شيء يفعله المسلم، من أجل إن الغد صیام .

والنية هي القصد، ومحله القلب ، والتلفظ بها بدعة.

قال ابن تيمية رحمه الله : "ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى والصائم لما يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصيام ولهذا يفرق بين ليلة العيد، وعشاء ليالى رمضان"(20) اهـ.

قال صديق حسن خان رحمه الله : "وأمّا أنه يجب تجديد النية لكل يوم ؛ فلا يخفى أن النية هي مجرد القصد إلى الشيء أو الإرادة له من دون اعتبار أمر آخر. ولا ريب أن من قام في وقت السحر وتناول طعامه وشرابه في ذلك الوقت من دون عادة له به في غير أيام الصوم فقد حصل له القصد المعتبر؛ لأن أفعال العقلاء لا تخلو عن ذلك. وكذلك الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الی غروب الشمس لا یکون إلا من قاصد للصوم بالضرورة إذا لم يكن ثم عذر مانع عن الأكل والشرب غير الصوم، ولا يمكن وجود مثل ذلك من غير قاصد إلا إذا كان مجنوناً أو ساهياً أو نائماً، کمن ینام یوماً کاملاً. 

وإذا تقرر هذا فمجرد القصد إلى السحور قائم مقام تبييت النية عند من اعتبر التبييت، ومجرد الإمساك عن المفطرات وكف النفس عنها في جميع النهار يقوم أيضاً مقام النية عند من لم يعتبر التبييت

ومن قال إنه يجب في النية زيادة على هذا المقدار فليأت بالبرهان ؛ فإن مفهوم النية لغة وشرعاً لا یدل علی غیر ما ذکرناه

وهکذا سائر العبادات ؛ فإن مجرد قاصدها کاف من غیر احتیاج الی زيادة على ذلك"(21) اهـ. 

(فرع) : إن صاموا اليوم الواجب بنية أثناء النهار لأنهم لم يعلموا به إلا في ذلك الوقت، فهل يلزمهم القضاء؟ 

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ : "أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: "صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ : فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ" أخرجه أَبُو دَاوُد وقَالَ :  "يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ"(22).

قلت: فهذا الحديث نص فى المسألة، لكنه ضعيف

وللعلماء فى المسألة الأقوال التالية:

قال ابن حزم رحمه الله :"اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ عَلَى أَقْوَالٍ  :

مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَنْوِي صَوْمَ يَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ(23) الَّذِي قَدَّمْنَا (یعنی : حدیث سلمة في صوم يوم عاشوراء)(24).

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَصُومُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ ، وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ قَضَاءً ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا .

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَأْكُلُ بَقِيَّتَهُ وَيَقْضِيهِ ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُمْسِكُ فِيهِ عَمَّا يُمْسِكُ الصَّائِمُ ، وَلَا يُجْزِئُهُ ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ،وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ .{وقول أحمد}(25).

وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَكَلَ خَاصَّةً ، دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ ; وَفِيمَنْ عَلِمَ الْخَبَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَطْ ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ"(26).اهـ. 

قلت: والذي يظهر لي رجحان ما قاله : عمر بن عبد العزيز وأخذ به ابن حزم واختاره ابن تيمية وقواه السعدي رحم الله الجميع . 

ومما يرجحه : أن صوم عاشوراء كان واجباً، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر المنادي أن ينادي في الناس يأمرهم بصيامه، والإمساك، فلو كان غير مجزىء لما كان هناك معنى لهذا"(27)، ولو كان القضاء واجباً، لأمرهم به، لان المقام مقام بیان، ولا یجوز تأخیر البیان عن وقت الحاجة. و الله أعلم. 

[المصدر: الترجيح في مسائل الصوم والزكاة الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله].

(1) حدیث صحیح .
أخرجه الترمذي في أبواب الصوم باب لا صیام لمن لم یعزم من اللیل حدیث رقم (730)، و أبو داود في کتاب الصوم باب النیة في الصیام حدیث رقم(2454) )، والنسائي (197-196/4) في کتاب الصوم باب النية في الصیام ،وابن ماجه في کتاب الصوم باب ماجاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم حدیث رقم (1700)، والدارقطني في سننه (2/ 172).
والحدیث صححه الألباني في الارواء (25/4) حدیث رقم (914)، و صحح اسناده محقق جامع الأصول (6/ 285).
(2) الکافی (1/ 120)، الفواکه الدوانی (1/ 303 - 304).
تنبيه: إلا إن الإمام مالك لم يستحب إلزام التبيت في كل ليلة من رمضان، وقال: یجزئه التبییت فی أول لیلة منه.
(3) حلیة العلماء (159/3).
(4) المحلی (6/ 170) المسألة رقم (730).
(5) السموط الذهبیة ص117.
(6) أخرجه البخاري في مواضع منها في كتاب الصوم باب إذا نوى بالنهار صوماً حدیث رقم (1924)، والروایة الثانیة في باب صیام یوم عاشوراء حدیث رقم (2007)، و مسلم في کتاب الصیام باب من أکل في عاشوراء فلیکف بقیة یومه حدیث رقم (1135). 
فائدة: هذا الحديث من ثلاثيات البخاري التی لیس بینه و بین الرسول پایة إلا ثلاثة رواة، وسند هذا الحديث في الموضع الأول هكذا : قال البخاري: حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع.. وذكر الحديث.
(7) مختصر الطحاوی ص 53، الاختیار (1/ 126 - 127).
(8) أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، و جواز فطر الصائم نفلاً من غیر عذر حدیث رقم ( 1154). 
وانظر جامع الاصول (9/ 286).
(9) التنبیه ص 65 - 66، نهایة المحتاج (3/159). 
(10) الانصاف (3/ 297 - 298)، الروض الندی ص 162 - 163. 
(11) سنن الترمذی (3/ 108). 
(12) مختصر الطحاوی ص 53، الاختیار (1/ 126 - 127). 
(13) مجموع الفتاوی (22/ 530). 
(14) تهذیب مختصر السنن (3/ 349).
(15)وهذا هو الصحيح من أقوال أصحاب مذهب أحمد، و اختیار شیخ الإسلام ابن تیمیة، و صححه ابن قیم الجوزية. بدائع الفوائد (168/4). 
(16) أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب جواز صوم النافلة بينة من النهار قبل الزوال و جواز فطر الصائم نفلاً من غیر عذر. حدیث رقم (1145). 
(17) أخرجه النسائي في کتاب الصوم باب النیة في الصیام (193/4 - 195).
(18) انظر جملة هذه الروایات في جامع الاصول (6/ 286 - 288)، وفیه : {الزور: الزائر والضيف. 
والحيس : دقيق وسمن وتمر مخلوط . وقيل : تمر وسمن وأقط} اهـ.
(19) الحاوی (404/3 )، حلیة العلماء (3/ 155)، الإنصاف (294/3) نهایة المحتاج (159/3).
(20)الإختيارات ص107.
(21) الروضة الندیة (1/ 226). 
(22) إسناده ضعيف .
أخرجه آبو داود في کتاب الصوم باب في فضل عاشوراء حدیث رقم (2447). 
في السند : عبد الرحمن بن مسلمة وعمه. 
قال المنذري في «مختصر السنن » (۳۲۹/۳): "أخرجه النسائي . و ذکر البیهقي عبد الرحمن هذا، فقال : وهو مجهول، ومختلف في اسم أبيه، ولا يدري من عمه ؟ هذا آخر كلامه. 
وقد قيل فيه : عبد الرحمن بن مسلمة كما ذكره أبو داود وقيل : عبد الرحمن بن سلمة. 
وقيل : ابن المنهال بن مسلمة" اهـ.
قال ابن القیم في «تهذیب مختصر السنن » (329/3): «قال عبد الحق : ولا يصح هذا الحديث في القضاء. قال: ولفظة: {اقضوه} تفرد بها أبو داود ولم یذکرها النسائي" اه. والحديث عند النسائي بدون لفظة: {واقضوه في كتاب الصوم باب إذا لم يجمع من الليل هل يصوم ذلك اليوم من التطوع (4 / 192). 
وضعف الحدیث ابن حزم في المحلی (168/9)، وأحمد شاکر في تحقیقه علی المحلی، و محقق جامع الاصول (6/ 310).
(23)وهو اختیار شیخ الاسلام ابن تیمیة کما في «الاختيارات» ص107 و قواه الشیخ السعدي في «المختارات الحلبية) ص 81 - 84. 
(24)وقد أشار في فتح الباري (142/4 -143، 249) إلى هذا الإستدلال من ابن حزم، وتعقبه بما لا يسلم . والله الموفق.
(25) زیادة ما بین المعکوفتین من عندي .. و انظر الروض الندی ص 161.
(26) المحلی (167/6). باختصار یسیر .
(27) وقد سمّى أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله هذا الإمساك في صورة المسألة صوماً شرعياً بوجوب الإمساك فيه نقله الماوردي في الحاوي 421/3.
أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..
إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.
أحدث أقدم