غربة الإسلام للعلامة محمد خليل هراس رحمه الله

(الحلقة الأولى) غربة الإسلام للعلامة محمد خليل هراس رحمه الله (مفرغة).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد:

أيها الإخوة الكرام، إن الكلام عن غربة الإسلام في هذا العصر بين بنيه وأهله والمنسوبين زورًا إليه، يتطلب منا أولاً أن نعرف الإسلام في صورته الأولى التي نزل بها من عند الله، وأن نتبين القسمات والملامح المميزة لتلك الصورة. 

وذلك بأن نقف على جملة الحقائق الأصيلة المقومة لهذا الدين قبل أن يطرأ عليها هذا الركام الهائل من البدع والمحدثات الدخيلة، ثم نقارن بينها وبين تلك الصورة الشوهاء المخلوطة التي يحسبها كثير من المسلمين أنها هي الدين، لنرى إلى أي حد بلغ بالمسلمين الجهل بأصول دينهم وحقائقه الأولى، وإلى أي مدى وصل المسخ والتشويه لصورته الأولى التي نزل بها حتى انعدمت أو كادت الصلة بين الصورتين في نظر المقارن الحصيف.

ولابد لكي نرسم للإسلام صورة حقيقية مطابقة للأصل أو على الأقل مقاربة له، أن نرجع إلى المنبع الأصلي لهذا الدين؛ وهو الوحي السماوي الذي يتمثل في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة.

إذ إن كل فهم صحيح عن الإسلام يجب أن يقوم على الاستضاءة بهذين النورين وحدهما، والاستقاء من نبعهما الصافي، وإلا تشعبت بنا السبل والتوت عليها المسالك وضللنا في متاهات الأهواء والآراء.

ولابد كذلك لكي يكون استمدادنا من الكتاب والسنة قائما على نهج سوي، أن نعلم أن الوحي بقسميه من كتاب وسنة قد نزل بلسان عربي مبين، لا مجال فيه لتعمية أو إلغاز، ولا محل لاستعارة أو مجاز.

فيجب أن تصان نصوصه عن العبث، وأن نفسر ألفاظها بمعانيها التي تدل عليها بحسب الوضع اللغوي لها، فلا نحرف كلمها عن مواضعه، ولا نستكره ألفاظها للدلالة على معنى بعيد لم توضع في الأصل لها، لا نتكلف تأويلها بما يصرفها عن معانیها القصودة منها.

وإلا کان ذلك تلاعبا بالنصوص، و تحکیما للهوی فی دین الله، وفتحا لباب فتنة كبرى تأتي على الدين من قواعده، حيث يعمد كل مبتدع وملحد إلى كل آية أو حديث لا يوافق مذهبه وهواه فيصرفها بالتأويل إلى ما يعتقده هو.

وهذا في نظرنا أمر جوهري؛ فإنه ما فرّق الأمة في الماضي بل والحاضر وجعلها شيعا حتى بلغت نيفا وسبعين فرقة، إلا فتح باب التأويل للنصوص الصريحة الواضحة، وتفسيرها بالميول الزائفة والنحل الفاسدة

وهو في نظرنا أيضا محل الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة؛ فإن الأولين وقفوا عند حدود الوحي المنزل وفهموه كما ينبغي أن يفهم، فلم يسموه تأويلاً، ولا أوسعوه تحريفا وإبطالا.

وأما الآخرون؛ فجعلوه على ما استقر في عقولهم من معتقدات فاسدة، لما وجدوا ظواهره لا توافق هذه المعتقدات، بل زعموا وبئس ما زعموا أن ظواهر هذه النصوص محال، وحكموا بأن ظاهر القرآن والسنة ضلال

ونرجع بعد هذه المقدمة إلى ما نحن بسبيله من رسم صورة صادقة للإسلام ثم بيان ما طرأ على هذه الصورة من زيادات وإضافات وتحريف وتبديل أدى إلى مسخها و تشویهها فنقول: 

إن الدين الإسلامي الذي بعث الله به عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ليهدي به البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور بإذن ربها، يقوم أساسا على هذه القواعد الآتية:

القاعدة الأولى : التوحيد المطلق الكامل اللّه.
القاعدة الثانية : الرسول صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الثالثة : محاربة الإسلام للشر والوثنية.
القاعدة الرابعة : يسر الإسلام وسماحته.
القاعدة الخامسة : شمول الإسلام وكماله.
القاعدة السادسة : الإسلام حرر الإنسان من القيود البشرية.
القاعدة السابعة :  الإسلام دين عمل....

أيها الأخوة ، هذا هو الإسلام في إطاره الحقيقي ، وفي تياره النقي قبل أن تصب فيه تلك الروافد الآسنة التي عكرت صفوه ، وأخرجته عن بساطته ونقائه ، وغيرت في وجه سنائه.

[المصدر: غربة الإسلام للعلامة محمد خليل هراس رحمه الله].

(يتبع) بإذن الله عز في علاه.
الحلقة الثانية : القاعدة الأولى والثانية والثالثة.
الحلقة الثالثة : القاعدة الرابعة والخامسة .
الحلقة الرابعة : القاعدة السادسة والسابعة.

أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..
إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.


أحدث أقدم