لا تسبوا أصحابي الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله.


لا تسبوا أصحابي الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد‏.‏

وبعد‏:‏

فمما لا شك فيه أن صحابة نبينا هم كل ما لقي النبى صلى الله عليه وسلم  مؤمنًا به ومات على ذلك‏.‏
ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم كلهم؛ كما وصفهم الله بذلك في قوله سبحانه‏:‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 10‏]‏‏.‏

وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏

‏(‏لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا؛ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏)‏‏.‏متفق عليه .

قال الإمام الشوكاني في تفسيره على الآية الكريمة‏:‏

‏"‏فمن لا يستغفر للصحابة، ويطلب رضوان الله عليهم؛ فقد خالف ما أمر الله به في هذه الآية‏.‏
فإن وجد في قلبه غلًا لهم؛ فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وانفتح له باب من الخِذلان ما يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والاستغاثة به بأن ينزع من قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة‏.‏

فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم؛ فقد انقاد للشيطان بزمام، ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان، وزين لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏"‏‏.‏ اهـ كلام الشوكاني‏.‏

وإنما نقلته بعد ما ذكرته في مطلع هذه الكلمة من مكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقيدة المسلمين من حبهم وإجلالهم والعمل بوصية الله ووصية رسوله باحترامهم والاستغفار لهم وتطهير القلوب الألسنة من سبهم والوقيعة فيهم وتجنيب ما دس في بعض كتب الضلالة أو الكتب غير المعتمدة من تنقصهم بالحكايات المكذوبة والأخبار الملفقة‏.‏

أقول‏:‏ إنما ذكرت ذلك ونقلت بمناسبة ما نشرته جريدة ‏"‏الشرق الأوسط‏"‏‏(‏بتاريخ 29/4/1408هـ‏)‏ في صفحة‏:‏ دين وتراث، في زاوية‏:‏ قضية ورأي، بقلم محمد حسن الريفي، تحت عنوان‏:‏
‏(‏بين معاوية والأنصار‏)‏، حيث أورد الكاتب حكاية مكذوبة، تتضمن أن بعض الأنصار رضي الله عنهم تنقصوا معاوية‏ ‏رضي الله عنه في مقابلة جرت بينهم لما قدم المدينة، حيث لمزه بعضهم كما تقول الحكاية بالحرب التي جرت في طلب أبي سفيان والد معاوية وأصحابه في بدر، وأن معاوية رضي الله عنه سكت مفحمًا، ولمزه بعضهم بأنه لم يأمنه الله ورسوله على كتابة الوحي‏.‏ 

ويعلق الكاتب بأن أبا سفيان كان مشركًا، ثم أسلم، وأصبح من المؤلفة قلوبهم، وأن معاوية كان رأس الفتنة الباغية، واتهمه في موقفه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني‏:‏ الأنصار الذين قابلوه‏!‏‏!‏

ولم يذكر الكاتب المرجع الذي استقى منه تلك القصة، ولعله فعل ذلك؛ لئلا يعرف من أين صدرت، مع أن الكتب التي تضم مثل تلك الحكاية الساقطة الحاقدة معروفة، ولو تستر عليها وتحفظ من ذكرها‏.‏

وليس العجيب من وجود مثلها في مزابل بعض الكتب المشبوهة، وإنما العجيب أن يلتقطها كاتب يحترم نفسه، وينتسب للتحقيق الصحفي، وينفخ فيها، وينشرها في جريدة عالمية هي الأخرى تحترم نفسها، ويفترض فيها أن تتحرى فيما تنشره الحقيقة البناءة لا نشر الطعن في خير رجال الأمة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هم خير القرون، والكذب على الأنصار‏.‏

ثم ماذا على أبي سفيان فيما جرى منه قبل أن يسلم وقد تاب إلى الله وأسلم، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 22‏]‏‏؟‏‏!‏

وماذا على ابنه معاوية في ذلك، حتى لو لم يسلم أبوه ويتب إلى الله تعالى، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 164‏]‏‏؟‏‏!‏

ثم من جهل واضع هذه الحكاية وجهل الكاتب الذي نقلها أنهما خالفا الحقائق التاريخية؛ فإن أبا سفيان لم يحضر قتال بدر؛ لأنه قد ذهب مع العير إلى مكة، وكتب إلى قريش يشير عليهم بالرجوع لما سلمت العير من المسلمين‏.‏

وكذلك جهلا أن معاوية رضي الله عنه من كتاب الوحي المشهورين، وقد ائتمنه الله ورسوله على ذلك، لا كما تقول الحكاية المكذوبة‏.‏

وجهلا أن رأس الفتنة هو عبد الله بن سبإ اليهودي الذي ادعى التشيع لأهل البيت كذبًا وزورًا‏.‏
ولكن يأبى الله إلا أن يفضح الكاذبين‏.‏ 

والذي نرجوه من جريدة الشرق الأوسط ألا تنشر مثل هذه الترهات والأباطيل، ولا سيما ما يجرح شعور المسلمين في سلفهم الصالح وصحابة نبيهم صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وأن تتحف قراءها فيما هو نافع ومفيد‏.‏ 

سدد الله خطى الجميع في دروب الخير والسعادة‏.‏ وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ونبيه محمد وآله وصحابته أجمعين‏.

[المصدر: البيان لأخطاء بعض الكتاب  الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله].

أحدث أقدم