من أحيا عقيدة الخوارج للعلامة أحمد ابن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
لقد أرسل الله عز وجل نبيه محمدا على حين فترة من الرسل وانطماس(1)من السبل , ففتح الله به أعينا عميا وآذانا صما , وقلوبا غُلْفا(2), هدى الله به من الضلالة , وعلم به من الجهالة وأغنى به بعد العَيْلَة(3), و أعزَّ به بعد الذِّلة ,
حول الله به رعاة الإبل والغنم إلى قادة أمم , بسبب اعتناقهم لدينه واتباعهم لهذا الرسول النبي الأمي ؛ فنصرهم الله في كل موطن , على اعداء الله - سبحانه وتعالى - , فما حاربوا قوما إلا هزموهم , حتى ابتزوا الممالك ودخل الناس في دين الله أفواجا وامتدت مملكة الإسلام ما بين المحيط الأطلسي إلى حدود الصين ,
وخرج ابن كسرى الذي مزق كتاب رسول الله تكبرا , فدعا عليه رسول الله بأن يمزق الله ملكه فخرج في آخر خلافة عثمان من آخر مملكته , وانحسرت دولة الروم في شمال بلادها ؛ ففي آخر عهد معاوية غزا جيش كان فيهم أبو أيوب القسطنطينية , حتى أن أبا أيوب توفاه الله في ذلك المكان ,
والمهم أن هذا النصر بماذا كان ؟ بأي شيء ؟ إنه باتباع كتاب الله , و اتباع سنة رسول الله , هذا هو الذي كتب الله به النصر لأوليائه وكَبَتَ(4)بهم أعداءه ,
وتحقق وعد الله عز وجل في قوله أن الله سيورث الأرض عباده الصالحون , أولئك القوم الذين كانوا يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم , يكونون مع الحق , ويتبعون توجيهات الرسول الكريم , صلوات الله وسلامه عليه , يمتثلون ما أمر و ويجتنبون ما نهى , ونحن الآن في حاجة إلى أن نكون كما كانوا , فإذا كنا كما كانوا نصرنا الله كما نصرهم .
فيا عباد الله ! الذي أُلْفت نظركم إليه وأنصح به إخواني المسلمين في كل مكان متابعة الحق وإن خالفه الناس وترك البدع والمبتدعين الذين يخلطون الحق بالباطل , ويجعلون مع السنة ضلالة ؛ هذه الضلالة أو الضلالات يدخلونها في الناس بالظواهر المتعبدة , فيرى الناس عبادتهم فيظنون أنهم على حق ! وفي ذلك ,
في هذا الكلام وبهذا الكلام لست أُقَلِّلُ من شأن العبادة , لا! ولكن الخوارج الذين حذر منهم رسول الله أخبر أصحابه بأنهم يحقرون صلاتهم عند صلاة أولئك المبتدعة وأنهم يحقرون صيامهم عند صيام أولئك المبتدعة وأنهم يحقرون قراءتهم عند قراءة أولئك المبتدعة ,
ولكن قال عندما ذكر هذا : { تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم وقراءتكم عند قراءتهم و يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية } مع كونه بين صلوات الله وسلامه عليه أنهم أصحاب عبادة , مع هذا بين بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية , قال : { ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم } هذا إخبار ممن لا ينطق عن الهوى { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (النجم : 4 ) ؛
أخبر أن المتعمقين فيهم قَلَّ أن يرجعوا , وإن أظهروا الرجوع والتوبة لكنهم يريدون بهذا غرضا دنيويا فقط , أما دينهم وعقيدتهم التي هم عليها فإنها مستقرة في قلوبهم والعياذ بالله ,
ولهذا زعموا أنهم يتقربون إلى الله بقتل أفضل عباده , حصروا عثمان في بيته رضوان الله عليه , حصروا عثمان في بيته وقتلوه , وقاتلهم علي ابن أبي طالب وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم قتلوه غيلة , علي ابن أبي طالب الذي ما كان على وجه الأرض في ذلك الزمن أحد أفضل منه ,
ولهذا يقول قائلهم - عمران بن حطان مادحا لعبد الرحمان بن ملجم الخبيث , يقول :
يا ضربة من تقي ما أراد بها ********* إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
فزعموا أنهم يرضون الله عز وجل بفعلهم هذا , وقد كذبوا !
فالنبي يقول عنهم : { لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } وفي رواية{لأقتلنهم قتل ثمود} وفي رواية { فأينما لقيتموهم فاقتلوهم , فإن في قتلهم أجرا عند الله سبحانه وتعالى} وقال أيضا : { طوبى لمن قتلهم أو قتلوه } وقال أيضا : { إنهم كلاب النار } هذه كلها أوصاف أخبر بها النبي عن هؤلاء ,
وقد كانت عقيدة الخوارج اندثرت نوعا ما حتى أحياها سيد قطب في كتابه الظلال وغيره من كتبه ؛ فهو يسمي الدين الإسلامي بأنه دين انقلابي , ويقول إن أمة محمد كلها قد ارتدت عن الإسلام وخرجت منه ؛ لا يوجد الآن في أمة محمد دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم شريعة التحاكم فيه هي شريعة الله أو الشريعة الإسلامية , هكذا يقول !
وما بينه وبين السعودية هذه الدولة المباركة التي قامت من أول قيامها على التوحيد وحصل لها التعثر حتى قامت في الدور الثالث على يد الملك عبد العزيز الذي وحد الله به الجزيرة ,
وهذه الجزيرة كان سيد قطب يعرف بأنه لا يوجد فيها ضريح يعبد و لا قبر يزار زيارة شركية ولكنه والعياذ بالله مفتون ونسأل الله العفو والعافية ,
فالمهم أن هذا الرجل وأمثاله ممن تلقوا كتبه بالقبول وقرؤوها واتخذوها نبراسا(1)لهم , معظمين لصاحبها , وكانت الثورة التي حصلت في أفغانستان أولها كانت محاربة للشيوعية ومن أجل ذلك فقد شجعت من هذه الدولة ومن علماءها ومن مواطنيها ومن كل المسلمين , لكنه استولى عليها أناس لهم هوى والعياذ بالله ,
فنشروا فيمن ذهبوا إلى ذلك المكان , نشروا فيهم تعظيم سيد قطب والأخذ من كتبه , وبالأخص الظلال والذي احتوى على ضلال كثير والعياذ بالله , هذه هي الحقيقة التي أعاذت بذرة الخوارج من جديد وجددتها ,
ومن يقول أن الخوارج اكتسبوا هذا التكفير من الإمام محمد ابن عبد الوهاب أو من الدرر السنية فقد كذب وافترى ! الذي يقول هذا قد كذب وافترى ! إذ أن محمد ابن عبد الوهاب رجل مصلح ,
ومع أن الآيات القرآنية التي لا حصر لعددها تنعى على من أشرك بالله شركا أكبر أنه كافر وأن عمله حابط ولذلك يقول الله - عز وجل - لنبيه محمد : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (الزمر : 65 ) ويقول سبحانه وتعالى : { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } (الشعراء : 213 ) وآيات كثيرة وكثيرة جدا , مع أن هذه الآيات تبين أن من أشرك بالله الشرك الأكبر فإنه كافر حلال الدم والمال إلا أن الإمام محمد ابن عبد الوهاب قد توقف وجعل إقامة الحجة ! إقامة الحجة على الناس الذين ربما يكون بعضهم ملبس عليه جعلها شرطا في استحلال دماءهم وما أشبه ذلك ,
هذه هي عقيدة التوحيد التي جاء بها محمد رسول الله ( وأحياها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله وسانده في ذلك أيضا محمد ابن سعود رحمه الله , رحم الله الجميع الذين نشروا هذه الدعوة , الذين أحيوا هذه العقيدة في هذه البلاد فانتشرت فيها وفي غيرها .
نصيحتي أن هؤلاء المبتدعة ينبغي أن ينصحوا وأن يُنْبَذُوا ؛ من أصر منهم ينبغي أن يُنْبَذ(1), ومن ظُفِرَ به ينبغي أن يقام عليه أمر الله عز وجل إذا كان قد أراق دما أو استباح دماء المسلمين أو غيرهم بغير حق , هذا يقام عليه شرع الله عز وجل الذي هو النظام أو السنة المتبعة في هذه الدولة ,
نسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
(1) طمس : الطُّمُوس: الدروس والانْمِحاء. و طَمَسَ الطريقُ طمس يَطْمُسُ و يَطْمُسُ طُموساً: دَرَسَ وامَّحى أَثَرَهُ.... و انْطَمَسَ الشيءُ و تَطَمَّسَ: امَّحَى ودَرَسَ. قال شمر: طُموسُ البصر ذهاب نوره وضوئه، وكذلك طُمُسُ الكواكب ذهاب ضَوْئها( لسان العرب 6/126 )
(2) وقلب أغْلَفُ كأنما أُغشي غلافا فهو لا يعي ( مختار الصحاح 200 )
(3) العَيْلَةُ و العَالَةُ الفاقة يقال عَالَ يعِيل عَيْلَةً و عُيُولا إذا افتقر فهو عَائِلٌ ومنه قوله تعالى وإن خفتم عَيْلة ( مختار الصحاح 195 )
(4) كبت الكَبْتث الصرف والإذلال يقال كَبَتَ الله العدو أي صرفه وأذله من باب ضرب وكبته لوجهه أي صرعه( مختار الصحاح 234 ) ..
(5) والنِّبْرَاسُ المصباح ( لسان العرب 6/25 )
(6) النَّبْذُ طرحك الشيء من يدك أَمامك أَو وراءك نَبَذْتُ الشيء أَنْبِذُه نَبْذاً إِذا أَلقيته من يدك ونَبَّذته شدد للكثرة ونبذت الشيء أَيضاً إِذا رميته وأَبعدته ( لسان العرب 3/511 ) .