مفهوم الذكر عند الصوفية العلامة محمد أمان بن على الجامي رحمه الله تعالى.
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ذكر الله بقلبه ولسانه والمواظبة عليه مطلقاً كان أو مقيداً ، حسب ما نظمته السنة المطهرة من تهليل تسبيح واستغفار ودعاء ولقد تمكنت بدعة الصوفية من هذه العبادة العظيمة فعبثت فيها عبثاً ، وأحدثت باسم الذكر ألفاظاً ما أنزل الله بها من سلطان كما عبثت بالأذكار المأثورة فزعمت أنها تنقسم في زعمهم إلى ثلاثة أنواع :
نوع للعوام .ونوع آخر للخواص .
ونوع ثالث لخاصة الخاصة .
وتقسيم الذاكرين إلى هذه الأقسام يعد من مبتكرات مشايخ الصوفية ومبتدعتهم بل قد ألحدت الصوفية في أسماء الله تعالى حيث تكلمت فيها بغير علم فزعمت أن من الأسماء مالا يصلح إلا للعوام ،
وأما الواصلون إلى الله فلهم أسماء خاصة لا يذكر الله بها العوام ، وإليكم تفصيل ما أجملت :
أما العوام في زعم الصوفية هم من عدا الواصلين في اصطلاحهم من طبقات المسلمين من العلماء وطلاب العلم وغيرهم ، والواصلون هم أولئك الذين تمردوا على الشريعة واستخفوا بها ومرقوا عن حقيقة الإسلام والتقيد به ، فسموا الأذكار التي جاءت بها نصوص الشريعة أذكار العوام مثل :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الخ . الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام :" أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " .
هذا الذكر العظيم والتوحيد الخالص يعد عند المتصوفة من أذكار العوام .
أما الخاصة ، وخاصة الخاصة من كبار الزنادقة الذين سبق أن تحدثنا عنهم مثل ابن عربي وابن سبعين فلا يتنازلون لمثل هذا الذكر وهذه الصيغة ،
أما ذكر الخاصة - في زعمهم - فهو تكرار لفظ الجلالة مفرداً ( الله ) ، ( الله ) ،
وأما ذكر خاصة الخاصة فهو ضمير الغيبة ( هو ) (هو ) وربما اقتصر بعضهم على الآهات ( آه ، آه ) بكيفية خاصة بأن يتمايل الذاكر العابث يمنة ويسرة ،
وأما العامي منهم عندما يذكر الله بالتهليل مثلاً يكون على هيئة معينة كأن يتمايل يميناً ويساراً يبدأ بـ (لا ) يميناً ويرجع بـ (إله) فيتوسط ثم يختم بـ ( إلا الله ) على اليسار ، يبدأ التمايل في هدوء بعد الاستئذان من الشيخ أولاً ويستمد منه المدد قائلاً ( دستور ) يا أستاذ ، مددك يا سيدي ، ثم يستأذن سلسلة الطريقة التي ينتسب إليها من قادرية أو تيجانية أو رفاعية أو مرغنية فيقول : دستور يا أصحاب الطريقة والقدم .
وبعد أن يجأر بأسماءهم هكذا معتقداً أنهم يسمعونه ويأذنون له بقلوبهم وبعد أن يتلطخ هكذا يهذه الوثنية ليتقبل ذكره يبدأ في الذكر .
ومما ينبغي أن يعلمه طالب العلم من هذه الجاهلية الصوفية أن ذكر الله لا ينفع به الذاكر ولا يقبل منه ولا يقرب إلى الله في دين الصوفية إلا بإذن من شيخ الطريقة وللشيخ أن يحرم على دراويش طريقته أن يذكروا بالذكر الذي تذكر به الطريقة الأخرى وترقص به وعلى الدراويش أو المريد الصغير أن يلتزم ذلك التحريم ولا يعصي الشيخ أدنى عصيان وإلا فهو مهدد بسوء الخاتمة ، بل عليه أن يعتقد أن الشيخ جاسوس قلبه فعليه أن يراقب خطرات قلبه بدقة ومن الأمثال السائرة عند الصوفية ( إن حضرت عند نحوي احفظ لسانك وإن حضرت عند العارفين احفظ قلبك ) ،
وأما أسماء الله الحسنى فمنها ما هو صالح للعوام فقط ولا يناسب الواصلين كالعفو والغفار ولهم كلام طويل هنا يعرف بالرجوع إلى كتبهم .
ولا أحسب الدرويش أنه يؤمن بالله تعالى ويخشاه ويراقبه إيمانه بالشيخ وخشيته له ومراقبته إياه ؛ لأنه يرى حياته الاجتماعية والمادية والدينية إن كان له دين يرى أن ذلك كله مرتبط بالشيخ ،
وإذا لم يظهر للشيخ ولو تصنعاً أنه من المخلصين له ولطريقته فسوف يبقى دائماً في ذل الدروشة ولا تحصل له الترقية إلى درجة ( مريد ) ،
حيث يصبح إنساناً له نوع من الاعتبار ثم لا يتخرج خليفة له شأنه ليعين في مكان معروف بكثرة الزراعة أو بالثروة الحيوانية أو في مدينة معروفة بالتجارة والصناعة ليصبح بعد فترة قصيرة من أثرياء تلك البلدة ،
وتزداد بذلك ثروة الشيخ الكبيرة وتتضخم وبالتالي تستفيد الطريقة من وراء ذلك مادة وصيتا طويلاً وتقدم الطريقة بسخاء الهدايا الثمينة والذبائح السمينة لمشيخة الصوفية ،
إذ يتقدم الشيخ أمام تلك الهدايا في تيه وكبرياء ليعلن أنها هدايا من الطريقة التيجانية مثلاً فيرمي الشيخ من وراء ذلك أن يرشح لرياسة مشيخة الصوفية وهذا بيت القصيد من جميع تلك الحركات .
[المصدر: التصوف من صور الجاهلية العلامة محمد أمان بن على الجامي رحمه الله تعالى].