صفة الفتوى الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى (مفرغة).

صفة الفتوى الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى (مفرغة).

مادة (ف ت ی) تدور في اللغة حول أصلين :

أحدهما : يدل على طراوة وجدّة.

والأخر: یدل علی تبیین حکم .

والأصل الثاني هو المقصود هنا، يقال: أفتى الفقيه في المسألة: إذا بين حكمها، واستفتيت: إذا سألت عن الحكم، قال الله تبارك وتعالى : "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ" [سورة النساء: ۱۷۹]، ویقال منه : فتوی وفتیا(1).

قال الراغب الاصفهانی رحمه الله (ت 502 ه): 

"الفتیا والفتوی : الجواب عما یشکل من الاحکام" اه(2).

وحاصل ما تقدم أن الفتيا في اللغة لا بدّ فيها مما يلي :

- أن تقع جواباً عن سؤال.
- أن یکون فیها تبیین حکم .
ـ أن يكون فيها جواب عما يشكل من الأحكام.

وجاءت هذه المادة في نصوص الشرع بالمعنى اللغوي نفسه، غير أنها جاءت أخص منه في جهات .

فالفتوى في الشرع : إخبار العالم عن حكم الله تعالى في الوقائع عند السؤال بالدليل(3).

والمفتي : هو المجتهد العالم بنصوص القرآن العظيم والسنة النبوية.

والاستفتاء : طلب العلم عن الواقعة بالسؤال .

و بیان ذلک :

أن الإخبار بحكم الله تعالى : إما أن يكون من عالم متأهل، وإما من غيره .

فإخبار غير المتأهل بحكم الله تعالى ؛ بمعنى : تصديه لذلك : إثم منه ؛ لقصوره بجهله، و سؤال مثله عن حکم الله تعالی لا یصح (4).

وإخبار العالم المتأهل عن حكم الله : إما أن يقع جواباً على سؤال، وإما لا.

فالثانی : هو الإرشاد والتعلیم .

وإخبار العالم المتأهل بالجواب على سؤال : إما أن يقع عن واقعة نازلة، وإما عن واقعة مفترضة.

فالثاني تعليم وإرشاد أيضاً.

والأول هو الفتوى.

والسؤال إمّا أن يكون من متعلم لمثله، أو من عالم لمتعلم، أو من متعلم لعالم .

والفتوى هي جواب العالم لسؤال المتعلم أو من في حكمه.

وممّا تقدم تعلم أن السؤال والجواب أعم من الفتوى ؛ فكل فتوى سؤال وجواب ، ولیس کل سؤال و جواب فتوی.

وبالنظر في المعنى اللغوي والمعنى الشرعي نجد أن العلاقة عموم وخصوص:

- فکل جواب وقع لسؤال یشکل، یسمی فتوی فی اللغة .

- وکل جواب صدر من عالم یبین حکم الشرع في واقعة سئل عنها یسمی فتوی فی الشرع .

فالفتوى في اللغة أعم من الفتوى في الشرع، فكل فتوى في لسان الشرع هي فتوی فی اللغة، ولا عکس .

ویلاحظ مایلی :

1 - أن الاخبار بحکم الله تعالى : تارة يكون على الإطلاق، وتارة مقيداً بالواقعة المسؤول عنها ؛ فالثاني فتوى، والأول إخبار بالحكم .

2 - أن إخبار العالم عن حكم الله تعالى في واقعة معينة حدثت، ولو لم يسأل مباشرة منه، يسمى فتوى أيضاً، وكان الملحوظ في الفتوى كونها مقيدة بواقعة معينة وملابساتها .

قال الشاطبى رحمه الله (ت 790هـ) : 

( إِنَّ السُّؤَالَ إِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْ عَالِمٍ أَوْ غَيْرِ عَالِمٍ ، وَأَعْنِي بِالْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ ، وَغَيْرِ الْعَالِمِ الْمُقَلِّدِ ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَالِمًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ

الْأَوَّلُ : سُؤَالُ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ ، وَذَلِكَ فِي الْمَشْرُوعِ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ ، كَتَحْقِيقِ مَا حَصَلَ ، أَوْ رَفْعِ إِشْكَالٍ عَنَّ لَهُ ، وَتَذَكُّرِ مَا خَشِيَ عَلَيْهِ النِّسْيَانَ ، أَوْ تَنْبِيهِ الْمَسْئُولِ عَلَى خَطَأٍ يُورِدُهُ مَوْرِدَ الِاسْتِفَادَةِ ، أَوْ نِيَابَةٍ مِنْهُ عَنِ الْحَاضِرِينَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ ، أَوْ تَحْصِيلِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فَاتَهُ مِنَ الْعِلْمِ . 

وَالثَّانِي : سُؤَالُ الْمُتَعَلِّمِ لِمِثْلِهِ ، وَذَلِكَ أَيْضًا يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ ، كَمُذَاكَرَتِهِ لَهُ بِمَا سَمِعَ ، أَوْ طَلَبِهِ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِمَّا سَمِعَهُ الْمَسْئُولُ ، أَوْ تَمَرُّنِهِ مَعَهُ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَالِمِ ، أَوِ التَّهَدِّي بِعَقْلِهِ إِلَى فَهْمِ مَا أَلْقَاهُ الْعَالِمُ . 

وَالثَّالِثُ : سُؤَالُ الْعَالِمِ لِلْمُتَعَلِّمِ ، وَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ كَذَلِكَ ، كَتَنْبِيهِهِ عَلَى مَوْضِعِ إِشْكَالٍ يُطْلَبُ رَفْعُهُ ، أَوِ اخْتِبَارِ عَقْلِهِ أَيْنَ بَلَغَ ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِفَهْمِهِ إِنْ كَانَ لِفَهْمِهِ فَضْلٌ ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا عَلِمَ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ . 

وَالرَّابِعُ : وَهُوَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ ، سُؤَالُ الْمُتَعَلِّمِ لِلْعَالَمِ ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى طَلَبِ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْ . 

فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مُسْتَحَقٌّ إِنْ عَلِمَ ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عَارِضٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا وَإِلَّا فَالِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ

وَأَمَّا الرَّابِعُ ، فَلَيْسَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمُسْتَحَقٍّ بِإِطْلَاقٍ ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَيَلْزَمُ الْجَوَابُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَا سُئِلَ عَنْهُ مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِ فِي نَازِلَةٍ وَاقِعَةٍ أَوْ فِي أَمْرٍ فِيهِ نَصٌّ شَرْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ ، لَا مُطْلَقًا ، وَيَكُونُ السَّائِلُ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ عَقْلُهُ الْجَوَابَ ، وَلَا يُؤَدِّي السُّؤَالُ إِلَى تَعَمُّقٍ وَلَا تَكَلُّفٍ ، وَهُوَ مِمَّا يُبْنَى عَلَيْهِ عَمَلٌ شَرْعِيٌّ ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ فِي مَوَاضِعَ ، كَمَا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ، أَوِ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ لَا نَصَّ فِيهَا لِلشَّارِعِ ، وَقَدْ لَا يَجُوزُ ، كَمَا إِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ عَقْلُهُ الْجَوَابَ ، أَوْ كَانَ فِيهِ تَعَمُّقٌ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ السُّؤَالَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَغَالِيطِ"(5) .

قلت : والفتوی من القسم الرابع، باعتبار ما سبق، والله أعلم .

وَسُئِلَ سُحْنُونُ ، " أَيَسَعُ الْعَالِمَ أَنْ يَقُولَ : لا أَدْرِي فِيمَا يَدْرِي ؟ فَقَالَ : أَمَّا مَا فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ قَائِمٌ ، أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فَلا يَسَعُهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ هَذَا الرَّأْيِ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ لا يَدْرِي أُمُصِيبٌ هُوَ أَمْ مُخْطِئٌ " (6).

[المصدر: تغير الفتوى الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى]. 

(1) «معجم مقاییس اللغة» (/۷۳ - ۷)، و نقل ابن منظور في «لسان العرب»
(۱۸/۱۰) عن بعضهم : أن أصل الفتوی والفتیا من الفتی ، و هو الشاب الحدث! و ما ذکره ابن فارس أظهر، والله أعلم.
(2) «المفردات في غریب القرآن» (ص ۳۷۳)، و انظر: «لسان العرب»
(3) انظر: «صفة الفتوی والمفتي والمستفتي ) لابن حمدان (ص 8) ، و ( الفتيا ومناهج الإفتاء) (صں 9). 
(4) انظر: «اعلام الموقعین» (4/ 195 - 197، 217).
(5) «الموافقات» (/ ۳۱۱ - ۳۱۳) . 
(6) «سیر اعلام النبلاء» (۱۲ / ه ۹).
أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.
أحدث أقدم