أسباب تفوق السابقين على أهل العصر الحاضرين الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله (مفرغة).
أيها الإخوة الكرام :
إن هذا العام قد هل علينا بالأمس، ونحن اليوم في ثاني أيامه، وما أسرع الساعات في الأيام ! وأسرع الأيام في الأعوام !
فالساعات تأكل الأيام، والأيام تأكل الأعوام، وتنقضي سريعا، فيمر العام وكأنه بالأمس بدأ، وندخل في أخيه بعده، وهكذا نقول،
وإن هذا والله لمن أعظم العبر، وإن الزمان هو الزمان، ما زاد ولا نقص، ولكن الذي فيه هو الذي تغير.
إن الزمان وما يفنى له عجب أبقى لنا ذنبا واستأصل الرأس.
فالناس يقولون تغير الزمن، لا، وإنما تغير أهل الزمن.
نعیب زماننا و العیب فینا وما لزماننا عیب سوانا
والصالحون على الذهاب تتابعوا وکأنهم عقد تناثر نظمه .
فما أكثر من ودّعناهم!! وتحت الثرى واريناهم! من علماء، وعباد، وصلحاء، وزهاد، وفقهاء،
ومحدثين نقاد، ساروا إلى الله –جل وعلا- ونحن على إثرهم سائرون، ولكن هل سألنا أنفسنا السؤال الآتي وهو:
ما الفرق بيننا وبينهما آتاهم الله عقولا وآتانا عقولا، وآتاهم فهومًا وآتانا فهومًا، وآتاهم أبصارا وأفئدة وآتانا مثلهم، إذا فما الفرق؟ .
الفرق معشر الأحبة: هو
الصدق مع الله أولا وآخرا، وظاهرًا وباطنا، إذ تعلموا العلم هذا لا لشيء إلا لينتفعوا به في أنفسهم، وينفعوا غيرهم إن احتيج إليهم، فصدقوا الله فصدقهم الله جل وعلا.
والأمر الثاني: أنهم أخذوا أنفسهم بالجد والاجتهاد، فحرصوا على أوقاتهم غاية الحرص.
وللوقت أنفس ماغنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع .
فلما حرصوا على أوقاتهم استفادوا من أيامهم، ولياليهم، ودقائقهم، وساعاتهم، فما ترى الوقت عندهم إلا في تحصيل فائدة وتقييدها، أو استزادة من متون وتفهم فيها، أو بحث عن كتب نافعة سمعوا بها حتى حصلوا عليها فطالعوها وتفقهوا فيها إن لم يكونوا قد حفظوها.
وثالثا: زهدوا في الدنیا، فیا کان همهم ولا شغلهم الدنیا، فکان القلیل یکفیهم، فقنعت أنفسهم به، فبورك لهم في الوقت، إذ لم يقطعوه في الاشتغال بالدنيا، وإنما يحرصون على البُلغة التي تعينهم على ما هم فيه، فحصلوا ووصلوا، فلما وصلوا نحن رأيناهم وعرفناهم بعدما وصلوا، وجهلنا كيف وصلوا، وقد أشار إليه شيخ شيوخنا رحمه الله فيما تحفظونه فيما أظن جميعا، وهو قوله:
فإن أردت رقیا نحو رتبتهم وأردت اجرا رفیعا مثل مجدهم
فاعمر إلى سلم التقوى الذي نصبوا واصعد بجد وعزم مثل عزمهم .
وهناك يقول:
واقصد بعزم قوي لا انثناء له لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم.
وصحيح، هذا الذي به وصلوا، وغاب عن كثير منا.
والأمر الرابع، كانوا مرتبين، وهذا من أهم الفوارق بيننا وبينهم، تعلّمهم مرتب، وأما تعلّم كثير منا في زماننا فمشوش ؛ من هنا نتفة، ومن هنا نتفة، ومن هنا قطرة، ومن هنا نقطة، ويريد أن يُرقع الأسود مع الأبيض، والأحمر مع الأسود، وهذا لا يجتمع أبدًا، فعلمهم مرتب، أخذوه مرتبا، مافاتهم في الفن حاولوا بكل ما يستطيعون استكماله،
فالكتب أخذت عندهم مرتبة، مختصرة، متوسطة، منتهية، في جميع الفنون، فلذلك تجده يأتيك بالمتن مختصرا، والتعليق عليه من حاشية ما أو شرح متوسطة، افتحه بعد ذلك في المطول وإذا به يحكي لك الخلاف والراجح فيه، وإن أراد أن يختصر عليك قال في الصحيح من قولي العلماء، أو من أقوال أهل العلم ليبين لك أن هذه هي الخلاصة وترى ما تركتُ ذلك جهلا، وما ضربتُ عنه صفحاً جهلا، وإنما اختصارًا وتيسيرا عليك،
فكانت هذه النتيجة التي نحن نعيش ونقتطف من ثمارها، إما مطبوعا لهؤلاء الكرام الأبرار، وإما مسموعا زاد عليه في زماننا هذا، أنه حفظت لنا أصواتهم رحمهم الله .
فيا معشر الأحبة، وها نحن في بدء عام هجري، وهو عام دراسي جديد، توافق هذا مع هذا، الله الله في الجد مع الإخلاص، ثم الحرص، ثم التنظيم ؛ تنظيم الطلب، تأخذ العلم مرتبا كما أخذه أولئك، فتصل كما وصلوا.
وأسأل الله –جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن فَقُة في دينه، وارتفع بذلك، كما أسأله –جل وعلا- أن يثبتنا وإياكم في هذه الحياة الدنيا بقوله الثابت وفي الآخرة، وأن يعصمنا وإياكم جميعا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..
إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.