أما تاريخ العقيدة الإسلامية؛ فضارب في أعماق الدهور والعصور، إذ ما من نبي أرسل، إلا صدر دعوته بالعقيدة وجعلها زبدة رسالته.
يقول الله عز وجل لنبيه وخاتم رسله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).
ويقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ النحل: 36.
وهذا يعني أن الأنبياء عليهم السلام جميعا كانوا يستفتحون دعوتهم إلى الله تعالى بإصلاح العقيدة قبل كل فضيلة يدعون إليها.
لذا نجد في سورة كهود مثلاً عددًا من الرسل عليهم السلام افتتحوا دعوتهم لأقوامهم إلى الله بالدعوة إلى العقيدة وإصلاحها وإلى معنى كلمة الإيمان وكلمة الإسلام وأصل العقيدة "لا إله إلا الله" بدءًا من نوح عليه السلام، وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك في قومه: يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } (هود: 25 - 26).
ويقول عز وجل :{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} (هود 50).
وفي السياق نفسه وبالأسلوب ذاته يقول الله عز وجل في شأن صالح عليه السلام وقومه: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود: 61).
تُم يواصل السياق الكريم ليقول الله فيه عن شعيب عليه السلام وقومه:
{وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} (هود:84).
ويقول الله تعالى في سياق آخر وفي سورة أخرى في محاجة يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يوسف:39 - 40).
هكذا يوضح كتاب الله تعالى تاريخ العقيدة الإسلامية عبر التاريخ الطويل مع أنبيائه ورسله، وأنه قد كانت العقيدة مفتاح دعوتهم، وذللك يعني أن الأنبياء علیهم السلام دينهم واحد، وهو الإسلام :{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران:19).
بعقيدته وأصوله، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم، إذ جعل الله سبحانه حكمة منه لكل نبي شرعة ومنهاجًا يناسب قومه وأحوالهم وظروفهم وأزمانهم، يقول الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة:48).
فأمر العقيدة أمر ملازم للبشرية منذ هبط آدم أبو البشر إلى الأرض؛ فهو ملازم للبشرية عبر تاريخها؛ كما رأيت.
وكذلك فقد بين كتاب الله بأن الله استخرج ذرية بني آدم من ظهورهم، وذلك بعد أن استخرج ذرية آدم من صلبه؛ كما ثبت بالسنة، و خاطبهم جمیعا و هم في عالم الذرِّ، وأشهدهم على أنفسهم بأن الله ربهم وخالقهم، وأنه لا إله إلا هو.
قال الله عز من قائل : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} (الأعراف: 172).
وعلى الرغم من هذه العقيدة التاريخية الموحدة بين جميع رسل الله؛ فقد وجدت في التاريخ فرق مُختلفة في عقائدها وأصول دينها أحيانا، ومناهجها أحيانا، وأسلوب دعوتها أحيانا، وهذا ما سنتناوله في الفصول الآتية.....
[المصدر: العقيدة الإسلامية وتاريخها للعلامة محمد بن أمان الجامي رحمه الله ].
أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..
إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.