ما هو هذا التدرج
لقد وصلنا الإسلام کاملا متكاملا ، ولا يجوز تطبيق بعضه وإهمال بعضه الآخر ، أو اختيار ما يناسب الظروف وإهمال مالا يناسب مع إمكان التطبيق ... فإن الإسلام الذي بين أيدينا اليوم يختلف عن الإسلام قبل أن ينزل قوله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
الإسلام کما هو بين أيدينا كامل لا نقص فيه أحكاما وتطبيقا ، فكل مافيه لا يناقض العقل ولا يستحيل تطبيقه ولكنه يأتي وفق القاعدة التي تلخصها الآية : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ... فالأصل إذا العمل بالشريعة وتطبيقها كاملة قدر المستطاع. وهذا ما نص عليه حديث رسول الله : "ما أمرتكم من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" .
فإن قال قائل: إن ظروف الإنسان وأحواله قد تحول دون التطبيق الكامل.... فنقول : نعم هذا وارد ، ولكن على الإنسان أن يطبق ما يمكن تطبيقه، وما يستطيع وفق أحواله وظروفه ... ولكن أن يتدرج ويختار ما يريد ، ويهمل ما يمكن باسم التدرج أو لأسباب أخرى فهذا هو المرفوض ... المطلوب تطبيق ما يستطاع تطبيقه واهمال فكرة التدرج.
السؤال: هل ينطبق هذا أيضا على دعوة الأفراد ؛ بمعنى أن شخصاً أمضى شهر وهو يصلي ... أأدعوه مباشرة إلى إطلاق لحيته وتقصير إزاره ؟
الجواب : لا تقدم العقيدة إلا كاملة . ولكن يحسن التفريق بين الفكرة في العقيدة وتطبيق هذا الفكر ... فالتطبيق يجب أن يكون على حسب الإمكان والمستطاع لا على حسب الاختيار والأنسب ... أما مثل هذا الإنسان الذي بدأ بالصلاة أول أمره فيؤمر بالتزام العقيدة أولا ، ثم يستحسن التعامل معه على مثل قوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
فلابد من إبلاغ مثل هذا الإنسان بما يجب أن يكون عليه المسلم الصحيح من التزام اللحية وإعفائها ولكن دون ضغط عليه أو وعيد أو إلحاح في التنبيه وإلا كان المبلغ الداعية من المنفرين ... ولأن الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن ينقلب من وضع سيء كان عليه إلى وضع ممتاز وجه إليه بخطوة واحدة سريعة .
ولابد من مراعاة وضع الشخص أو الجماعة ممن يبدأ بتطبيق الشريعة والالتزام بها، ومعرفة مدى استعداد کل للعمل بكل ما سيعرفه ، من أحكام فيلفت نظره إليه مرة بعد مرة على نحو ما جاء في حديث ابن مسعود من أنه كان يتخول الناس بالموعظة ، أي أنه لم يكن يلح عليهم .
إقرأ أيضاً: جواب العلامة الألباني لبعض الدعاة والشباب
إقرأ أيضاً: جواب العلامة الألباني لبعض الدعاة والشباب
أما ما يدعيه بعضهم من ضرورة الرفق بالحديثي عهد بالإسلام أو من يتوجهون نحو التمسك بالشريعة وذلك بعدم تحديثهم بالأحكام القاسية كتحريم الموسيقا ... بل باستعارة أقوال بعض الصحابة المتقدمين التي تبيح ذلك ثم إسماعهم أخبار التحريم وغير ذلك مما سيفصلهم عن تاريخهم الماجن اللاهي العابث ... فهذا أمر يهدم الإسلام ويقضي عليه باسم الإسلام لأنه يفتح باب الخلافات واسع وبخاصة إذا ما أخذنا بعين التقدير اتساع مساحة العالم الإسلامي اليوم وتوافر أعداد كبيرة من الأعداء والخصوم .
والخمرة ، كمثال ، فرق فيها بعض العلماء القدامى بين خمر العنب وخمر غيره ، وقالوا بتحريم الأولى ، وما يسكر من الثانية ، وأباحوا القليل الذي لا يسكر ... وهذا موضوع شائك ، والبحث فيه طويل ، ولكني أقول إن الأدلة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسول الله تظهر هذا القول مخالفة لها، وفي أولها آیات تحريم الخمرة ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " کل مسکر خمر وكل خمر حرام".
فلو تدرجنا مع شارب الخمرة ، وسمحنا له ، وهو المسلم الحديث عهد بالإسلام ، باحتساء هذا القليل الإسکار ، أو مالا يسكر لكنه خمر، لخالفنا الإسلام وأوقعنا غيرنا في هذه المخالفة .. وفتحنا باب التحليل لما حرم الله أمام الآخرين من ضعاف الدين ... و هذا نرفض أسلوب التدرج من جديد ، وندعو إلى تقديم الإسلام كما هو وتطالب بتطبيق ما يستطاع تطبيقه على نحو ما أسلفنا .
شيخنا ... تعقيبا على قضية التدرج ، تذكر ما طلبه الرسول من معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، خين أرسلة إلى اليمن ، من أن يخبر أهل اليمن بأنهم أهل كتاب ؛ وعليهم أن يعملوا بالتوحيد ، ثم بإقامة الصلاة ، ثم بإيتاء الزكاة ،، واجتناب طيبات أموالهم ..... على نحو من التدرج ... فهل هذا نوع من التدرج في الحكم ... أو هو شئ غير ذلك.
الجواب : إن إجابتي عن السؤالين السابقين توحيان بأنني فهمت من التدرج الذي سئلت عنه الاختيار من الشريعة ، وتقديم حكم على حكم ، أو قضية على قضية ... فهذا مرفوض إذ لا بد من تقديم الإسلام كلا متكاملا.
أما التدرج بعرض الأهم فالأهم لا في عرض الإسلام فهذا مطلوب على النحو الذي نفهمه من حديث معاذ بن جبل الذي ذكرته في السؤال . فالتدرج هنا مطلوب ومفروض، إذ لابد من تقديم الأهم فالأقل أهمية لأنك لا تستطيع أن تطبق أو تطلب العلم كله ولإن العلم إن طلبته كثير والعمر قصير عن تحصيله فقدم منه الأهم، فالأهم ، کما قال بعضهم . وعلى سبيل المثال، نقول : لو أردت أن تدعو غير مسلم إلى الإسلام ، فهل تدعوه مباشرة إلى الإسلام كفکر متكامل ، أو تطلب منه أن ينزع أولا خاتم الذهب من إصبعه ؟!
أما التدرج بعرض الأهم فالأهم لا في عرض الإسلام فهذا مطلوب على النحو الذي نفهمه من حديث معاذ بن جبل الذي ذكرته في السؤال . فالتدرج هنا مطلوب ومفروض، إذ لابد من تقديم الأهم فالأقل أهمية لأنك لا تستطيع أن تطبق أو تطلب العلم كله ولإن العلم إن طلبته كثير والعمر قصير عن تحصيله فقدم منه الأهم، فالأهم ، کما قال بعضهم . وعلى سبيل المثال، نقول : لو أردت أن تدعو غير مسلم إلى الإسلام ، فهل تدعوه مباشرة إلى الإسلام كفکر متكامل ، أو تطلب منه أن ينزع أولا خاتم الذهب من إصبعه ؟!
الجواب واضح ... الإسلام أولا ... ثم الجزئيات الأخرى التي لابد من الدعوة إليها في المستقبل بعد أن يقتنع حديث العهد بالإسلام ...والذي لا يصلي من المسلمين .... هل ننبهه إلى خطر ترك الصلاة أو نطالبه بإعفاء اللحية ؟!... هذا هو التدرج المطلوب ... أما غيره فمرفوض على نحو ما وضحت قبل قليل.
المصدر: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، ص 396 - 400
المصدر: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، ص 396 - 400
لا يسعنى إلا أن أنوه أننى قد قرأت هذا الكتاب على العلامة محمد ناصر الألباني، وفي جلسات متعددة على مدار سنتين متكاملتين