قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "النبي صلى الله عليه وسلم قوله حجة وفعله حجة، أما الخلفاء: فقيل: إن قولهم حجة وليس فعلهم حجة، لأن فعلهم غير معصوم؛ فقد ينسون السنة فلا يطبقونها، وقد يطبقونها على الوجه الذي لم ترد عليه بتأويل، أو غير ذلك.
ولكن الذي يظهر أن قول الخلفاء الراشدين وفعلهم يعتبر حجة. وعليه فالمراد بقول الخلفاء ما ذهبوا إليه بالقول أو الفعل. لقول النبي : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" والسنة هي الطريقة، وتشمل القول والفعل، والمراد: الخلفاء الراشدين الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وخصوا بذلك لأن غيرهم لايستحق هذا الوصف؛ فإن الخلفاء الأربعة متفق على أنهم خلفاء راشدون رضي الله عنهم، فهؤلاء إذا أجمعوا على شئ فقولهم حجة بلا شك، وإذا انفرد أحدهم من غير مخالف فقوله حجة، لا سيما أبو بكر وعمر، لأن النبي نص عليهما وقال: "اقتدوا باللذين من بعدي أبى بكر وعمر"،وقال: "إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا"، وقال:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وأول من يدخل فيهم وأولاهم الخلفاء الأربعة، لكن قولهم حجة بشرط ألا يعارضه النص، فإن عارض نصًا وجب الأخذ بالنص؛ لأن سنة النبي مقدمة ولهذا قال:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء".
ولا يمكن أن يحتج بقول أحد على قول رسول الله مهما كان الأمر، ولا يحتج بفعل على رسول الله.
وبهذا تعرف ضعف قول من يقول من العلماء: إنه يجوز أن يأخذ الإنسان من لحيته ما زاد على القبعة لفعل ابن عمر رضي الله عنهما، فإذا كان إذا حج أخذ من لحيته ما زاد عن القبضة، لأن هذا الفعل مخالف لهدي النبي في قوله: "أعفوا اللحى"؛ فإنه مطلق غير مقيد، حتى وإن كان ابن عمر رضي الله عنهما أحد رواة هذا الحديث؛ لأن الصحابي إذا خالف ما روى فإن العبرة بما روى لا بما رأى.
وأما من بعدهم من الخلفاء الراشدين فليس قولهم حجة، كعمر بن عبد العزيز رحمه الله وما أشبه ذلك. وقال بعض العلماء: بل قولهم حجة لأن المراد بالخلفاء الراشدين من خلف النبي في أمته عبادةً وخلقًا ودعوةً وجهاداً. ولكن الذي يظهر أنه لا يؤخذ إلا بقول الخلفاء الراشدين فقط
المصدر: شرح منظومة أصول الفقه وقواعده، صفحة 200.