مناقشة العلامة صالح الفوزان لمن أباح الأناشيد

مناقشة العلامة صالح الفوزان لمن أباح الأناشيد

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مناقشة وتعقيب للعلامة صالح الفوزان أثابه الله لموضوع الأناشيد يقول فيها: 

الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.

وبعد:

كنتُ قد عقبت على ماكتبتْه الأخت تغريد العبد العزيز في " مجلة الدعوة" من الثناء على ماسمته بالأناشيد الإسلامية، ومطالبتها المراكز الصيفية بالإكثار من إنتاجها، فبينت لها أن هذا الثناء في غير محله، وأن هذا الطلب غير وجيه، وأن الأولى بها أن تطالب بالعناية بالكتاب والسنة، وتعليم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية، فانبرى بعض الأخوان- وهو أحمد عبد العزيز الحليبي سامحه الله ينتصر لها لهذه الأناشيد ويدعي أنها شيء طيب، وعمل جميل ويستدل لإثبات دعواه بأمور هي:

أولاً: أن هذه الأناشيد تلحق بالحداء الذي رخص فيه الشارع، وكذلك تلحق بالارتجاز الذي رخص فيه النبي عليه الصلاة والسلام عند مزوالة الأعمال الشاقة.

ثانياً: أن العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وابن الجوزي وابن حجر الهيثمي، نصوا على جواز الحداء، والأرتجاز وسماع الشعر الذي فيه الثناء على الله ورسوله ودينه وكتابه والرد على أعداء الله وهجاؤهم. 

والنشيد الإسلامي كما يسميه لايخرج عن هذه المعاني، فهو شعرٌ ملتزم بالأدب الأسلامي، يرفع بصوت حسن.

ثالثاً: تسمية الأناشيد بالإسلامية لا تعني المشروعية والأبتداع في الدين، وإنما هو وصفٌ وتوضيحٌ وتمييزٌ عن غيرها من الأناشيد والأهازيج المحرمة وهو من المصطلحات الحديثة، مثل الحضارة اٍلاسلامية، والعمارة الإسلامية.

رابعاً: فرق الكاتب بين هذه الأناشيد التي سماها إسلامية وبين الصوفية التي تعد من البدع في الدين من وجهين:

الأول: أنهم أضفوا على أناشيدهم صفة القربة والطاعة.

والثاني: أن سماعهم لا يخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء.

هذا حاصل ماكتبه في تسويغه ماسماه بالأناشيد الإسلامية.

وجوابنا من وجوه:

الوجه الأول

أن هناك فروقاً واضحة بين ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية وبين ما رخص فيه الشارع من الحداء في السفر والارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة، وإنشاد الأشعار التي فيها مدح الإسلام، وذم الكفر وهجاء المشركين، مع وجود هذه الفروق لايصح إلحاق هذه الأناشيد بتلك الأشياء

والفروق كما يلي:

1 - الحداء في السفر، والارتجاز عند الضجر، وإنشاء الشعر المشتمل على مدح ا لإسلام وذم الكفر وهجاء الكفار لايسمى نشيدأ إسلامياً  كما تسمون نشيدكم بذلك، وإنما يسمى نشيداً عريباً. إذاً فبينهما فرق من جهة التسمية والحقيقة.

2 - أن الحداء أنما يباح في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل، لطرد النعاس، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي، وكذا الارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة، كالبناء ونحوه، أُبيح للحاجة بصفة مؤقته، وبأصوات فردية لا أصوات جماعية.

وماتسمونه بالأناشيد الإسلامية يختلف عن ذلك تماماً، فهو يفعل في غير الأحوال التي يفعل فيها النوع الأول، وبنظام خاص وأصوات جماعية منغمة وربما تكون أصوات فاتنه، كأصوات المردان وحدثاء الأسنان من البنين والبنات، والأصل في الغناء التحريم، إلا ماوردت الرخصة فيه.

3 - أن الحداء والارتجاز وإنشاء الشعر الذي جاء الدليل بالترخيص فيه بقدر معين وحالة معينة لايأخذ كثيراً من وقت المسلم، ولايشغله عن ذكر الله، ولايزاحم ماهو أهم.

اما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية، فقد أعطي أكثر مما يستحق من الوقت والجهد والتنظيم، حتى أصبح فناً من الفنون يحتل مكاناً من المناهج الدراسية والنشاط المدرسي، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع، حتى ملأ غالب البيوت، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات حتى شغل كثيراً من وقتهم، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم والسنة النبوية والمحاضرات والدروس العلمية المفيدة.

فأين هذا من ذاك؟

ومعلوم أن ما شغل عن الخير، فهو محرم وشر.

الوجه الثاني

أن محاولة تسويغ تسمية هذه الأناشيد بالأناشيد الإسلامية محاولة فاشلة، لأن تسميتها بذلك يعطيها صبغة الشرعية، وحينئذ نضيف إلى الإسلام ماليس منه.

وقول أحمد:" إن هذه التسمية لأجل التمييز بينها وبين الأناشيد والأهازيج المحرمة " قول غير صحيح، لأنه يمكن التمييز بينها بأن يقال: الأناشيد المباحة، بدلاً من الأناشيد الإسلامية، كغيرها من الأشياء التي يقال فيها: هذا مباح، وهذا محرم ولايقال هذا إسلامي، وهذا غير إسلامي، ولأن تسميتها بالأناشيد الإسلامية تسمية تلتبس على الجهال، حتى يظنوها من الدين، وأن في إستماعها أجراً وقربة.

وقول أحمد" إن هذه التسمية من المصطلحات الحديثة، مثل الحضارة الإسلامية، والعمارة الإسلامية".

نقول له: النسبة إلى الإسلام ليست من الأمور الإصطلاحية، وإنما هي من الأمور التوقيفية، التي تعتمد على النص من الشارع، ولم يأت نص من الشارع بتسمية شيء من هذه الأمور إسلامياً، فيجب إبقاء الشعر على أسمه الأصلي، فيقال: الشعر العربي، والأناشيد العربية، وأما تسمية العمارة والحضارة بالإسلامية، فهي تسمية الجهال، فلاعبرة بها، ولادليل فيها.

الوجه الثالث: أن تفريق أحمد بين ما يسميه بالأناشيد الإسلامية وبين أناشيد الصوفية تفريقٌ لاوجه له، لأن بإمكان الصوفية أن يدعوا في أناشيدهم ماتدعونه في أناشيدكم من الفائدة، والترغيب في الخير، والتنشيط على العبادة والذكر، فكما أنكم تدعون أن في أناشيدكم الحث على الجهاد، وأنها كلام طيب بصوت حسن، وفيها مدح الإسلام وذم الكفر ... إلى غير ذلك، فيمكنهم أن يقولوا مثل ذلك في أناشيدهم.

وقولكم:" إن أناشيد الصوفية لاتخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء".

هذا فارق مؤقت، فربما يأتي تطوير جديد لأناشيدكم يدخل فيه استعمال الآلة فيها، وتسمى موسيقى إسلامية، أو دف إسلامي، ويزول الفارق عند ذلك، كما ورد أنه في آخر الزمان تُغير أسماء بعض المحرمات، وتستباح، كأسم الخمر، وأسم الربا ... وغير ذلك. 

فالواجب على المسلمين سد هذه الأبواب، والتنبيه للمفاسد الراجحة والوسائل التي تفضي إلى الحرام، والتنبيه كذلك لدسائس الأعداء في الأناشيد وغيرها.

ونحن لاننكر إباحة إنشاد النزيه وحفظه، ولكن الذي ننكره مايلي:

1 - ننكر تسميته نشيداً إسلامياً.
2 - ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ماهو أنفع منه.
3 - ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية، أو يكون بأصوات جماعية، أو أصوات فاتنه.
4 - ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع، لأن هذا وسيلة لشغل الناس به. ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقة، أو وسيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضاً.

وأخيراً، نسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لما هو أصلح وأنفع لدينهم ودنياهم، نقول ما قاله الإمام مالك بن أنس رحمه الله:

" لايصلح آخر هذه الأمة إلى بما صلح به أولها"وذلك باتباع الكتاب والسنة، والأعتصام بهما، لا بالأناشيد والأهازيج والترانيم.

والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على أشرف العباد والمرسلين.

[المصدر: البيان لأخطاء بعض الكتاب الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله ص341].

أحدث أقدم