صدقة الفطر الشيخ أحمد بن يحي النجمي رحمه الله (مفرغة).
صدقة الفطر وزكاة الفطر كلاهما جاء به الحديث الصحيح هكذا قال الصنعاني رحمه الله في العدة وأقول : إن كلا اللفظين يطلق على هذا الواجب إلا أن لفظ صدقة أعم من زكاة لأن الزكاة إنما يراد بها المفروض والصدقة تشمل المفروض وغير المفروض وإضافتها إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه وذلك أن هذه الصدقة أوجبها الله شكراً على إتمام الصوم وجبراً لما فيه من النقص إن كان وإغناءً للفقراء عن العمل في يوم العيد أو التجول من أجل الحصول على قوت اليوم وبالله التوفيق.
الحديث الأول: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال : رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك : صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير قال : فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير .
وفي لفظ أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة .
موضوع الحديث : زكاة الفطر.
المفردات:
الزكاة : تطلق ويراد بها الواجب المالي سواء تعلق بالأنصبة أو تعلق بالفطر وهل المراد بها الطهرة أو يراد بها النماء فقد ورد اللفظ في المعنيين فمن النماء قولهم زكى الحب إذا بلغ غايته ومن الطهرة قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس : 9-10].
قوله فرض : هل المراد بالفرض القطع أو المراد به التقدير وكلاهما قد ورد لكن اشتهار اللفظ في القطع الذي هو الوجوب أكثر .
قوله صدقة الفطر : أي التي تجب به والمراد به الفطر من رمضان أي نهايته .
قوله على الذكر والأنثى والحر والمملوك :أي على كل واحد منهم صاعاً من الأجناس المذكورة من تمر أو من شعير وقد ورد لفظ الزبيب والبر والأقط أي من كل منها صاع ومن هنا لبيان الجنس .
قال فعدل الناس به نصف صاع من بر :أي جعلوه عدل صاع أي نضيره إذا كان نصف صاع من البر فإنه يعدل صاعاً من غيره .
قوله تؤدى : أي تعطى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
المعنى الإجمالي:
ما أعظم شرع الله وما أبلغ حكمته في شرعه فقد جعل في يوم عيد الفطر صدقة الفطر حقاً واجباً على الأغنياء يدفعونه إلى الفقراء ليستغنوا به في يومهم ذلك وليكون دليلا على البذل والمواساة في حق أغنياء المسلمين ففرض زكاة الفطر وجعل هذا الفرض متجهاً على رئيس الأسرة وكافل العائلة يقوم به عمن تحت يده من النساء والأطفال والمماليك وبالله التوفيق .
فقه الحديث:
أولاً: حكم هذه الصدقة استدل الجمهور بقول الصحابي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على أن هذه الزكاة فرض واجب على من وجدها مع قوت يومه بل قد حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على وجوبها قال الصنعاني لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم من التفرقة بين الفرض والواجب قال وفي نقل الإجماع في ذلك نظر لأن إبراهيم بن عليّة وأبا بكر ابن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ واستدلوا على ذلك بحديث قيس بن سعد بن عبادة قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله) (1). وتعقب بأن في إسناده راوياً مجهولاً وقد وضعه الألباني في الصحيحة ولم يقل صحيح.
قلت:
أولا: أن هذا الحديث لا يعتمد عليه لضعفه.
ثانياً:لأنه تعارضه أحاديث صحيحة تدل على استمرار الفرضية وعمل الصحابة بها ومن بعدهم إلى يومنا هذا.
ثالثاً: أن قولهم بعدم الوجوب لا يكون خارقاً للإجماع لعدم الدليل الذي يستند إليه والإجماع لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل.
رابعاً: أن الإجماع مستند إلى أدلة صحيحة وصريحة.
أما قول الحنفية بالوجوب وأنه دون الفرض في قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب وأقول إن قول الحنفية هذا لا يدل على عدم الوجوب بل يدل على عدم الفرضية وإذاً فإنها واجب يأثم تاركه ولا يقاتل عليه ومن قال بخلاف ذلك فقد شذ والشاذ لا حكم له.
ثانياً: يؤخذ من هذا الحديث وما في معناه أن هذه الصدقة تتعلق بالفطر وهل تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان أو بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس من يوم العيد وكل من هذه الأقوال قد قيل وأقواها أن الوجوب يتعلق بمن هو عليه بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان لأنه هو الفطر الحقيقي فلا واجب ينتظر بعده وأنها تؤدى في ليلة العيد ويومه قبل الخروج إلى الصلاة وأحسن وقتها وأفضله ما بين صلاة الصبح من يوم العيد والخروج إلى الصلاة وقد ورد في ذلك حديث حسنه الألباني (2).
ثالثاً:اختلف في جواز تقديمها ووجوب قضاءها بعد الصلاة إن فرط حتى صلى الإمام والكلام في جواز التقديم يتوقف على صحة الحديث الوارد فيه وكذلك أداؤها بعد الصلاة هل تكون قضاءً أو صدقة من الصدقات.
رابعاً:قوله صاعاً من تمر ... إلخ هذا هو المقرر في الشرع أنه صاع من الأجناس المذكورة والكلام في هذه المسألة يتعلق بأمرين هل يجوز أن تعطى من غير الأجناس المذكورة إذا كان ذلك الجنس مقتاتاً للناس وهل يجوز أن يعطى من البر نصف صاع بدلاً عن الصاع فأما كونه يتوقف على الأجناس المذكورة فالظاهر أن تلك الأجناس هي التي كانت معروفة في المدينة إلا أن لفظ الطعام يشمل كل مقتات وهذا هو الظاهر لقوله في بعض الألفاظ أو صاعاً من طعام وإن كان الطعام في الغالب يطلق على البر إلا أنه يشمل ما كان مقتاتا في غير الضرورة كالأرز والذرة والدخن وما أشبه ذلك.
أما كون البر نصف صاع منه يعدل صاعاً من غيره فهذا سيأتي في الحديث الثاني والقول بأنه يخرج من غالب قوت البلد هذا هو الحق فيما أرى .
خامساً :الصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي وخالف في ذلك أبو حنيفة وجعل الصاع ثمانية أرطال واستدل مالك بنقل الخلف عن السلف في المدينة وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا ولما ناظر مالك بن أنس إمام دار الهجرة أبا يوسف صاحب أبي حنيفة بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله وذلك أن مالكاً قال لمن حضره من أهل المدينة قم يا فلان فأت بصاع جدك وقم يا فلان فأت بصاع جدتك حتى اجتمع عنده آصع فحزرت تلك الآصع فوجد كل واحد منها خمسة أرطال وثلث وكل واحد من هؤلاء قال حدثني أبي عن جدي أنه أدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصاع وذلك يقول حدثني أبي عن جدتي وهكذا .
قال المحقق وهذه القصة تؤيد رأي من يرى أن بلاغات مالك موصولة وهو الصحيح .
سادساً : اختلف أهل العلم في الأقط هل هو واجب كالذي ذكر معه من الحبوب المقتاتة أو الثمار ذلك لأن الأقط هو لبن مجفف يكون قطعاً بعد الصنعة لم يخرج دهنه وكون هذا يكون عند أهل البادية فهو أرفق بهم وهل يجزئ عمن أداه من الحواضر هنا حصل خلاف بين أهل العلم فمنهم من رآه مجزئاً بذكره في الحديث ومنهم من علق أجزاؤه على عدم وجود غيره ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم .
سابعاً : في قوله على الذكر والأنثى والحر والمملوك والصغير والكبير من المسلمين دلالة على عموم هذا الواجب حتى على من ولد قبل خروج الناس إلى المصلى من يوم العيد أما من ولد بعد ذلك فلم يلحقه الوجوب في الظاهر واختلف أهل العلم في إخراجها عن الحمل فأثر عن عثمان بن عفان فعله والظاهر أنه اجتهاد منه فيكون مباحاً لمن أراد ذلك لا واجباً .
ثامناً: اختلف في المملوك هل الوجوب متجه عليه أو على سيده فذهب الجمهور إلى أن الوجوب متجه على سيده وذهب داود الظاهري إلى أن الوجوب متجه عليه ويمكنه سيده من الكسب لذلك .
تاسعاً: يؤخذ من قوله من المسلمين أن العبيد الكفار لا تجب الفطرة عنهم وإنما تجب عن المسلمين وبالله التوفيق .
الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال : أرى مداً من هذه يعدل مدين قال أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
موضوع الحديث : زكاة الفطر وأن نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره.
المفردات:
تقدم الكلام على حديث ابن عمر وفيه شرح كثير من مفردات هذا الحديث .
قوله وجاءت السمراء : هي نوع من البر (الحنطة) وإنما رأى معاوية هذا الرأي لأن هذا النوع من الحنطة يربو ويزيد إذا طحن .
المد : هو ربع صاع بالآصع النبوية .
المعنى الإجمالي:
يخبر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه بأنهم كانوا يعطونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من جميع الأجناس وأنه في زمن معاوية جاء معاوية إلى المدينة حاجاً أو معتمراً وقال أرى إن نصف صاع من السمراء يعدل صاعاً من غيرها فأخذ الناس به أما أبو سعيد فقد استمر على ما كان يخرجه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
فقه الحديث:
تقدم الكلام على حكم زكاة الفطر ومقدارها وعلى من تجب ومتى تجب وهنا سأبين ما جاء عن معاوية في جعله نصف صاع من بر يعدل صاعاً من غيره فأقول:
أولاً: اختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال أبو حنيفة نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره وذهب الجمهور إلى أن الواجب أداء صاع من كل جنس من الأجناس المذكورة في هذا الحديث وغيرها مما لم يذكر وهذا هو القول الحق إن شاء الله وذلك لأن جعل نصف الصاع من البر يعدل صاعاً من غيره هو رأي لمعاوية رضي الله عنه خالفه في ذلك أبو سعيد الخدري وهو صحابي جليل أقدم صحبة من معاوية وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم منه.
ثانياً:إذا تعارض قول الصحابي مع قول صحابي آخر ففي هذه الحالة يقدم أقربها إلى الحق وأشبهها بالصواب وأحسنها ملائمة للأدلة التوقيفية هذا بقطع النظر عن كون أحد القولين يعارض نصاً صريحاً عن المعصوم صلى الله عليه وسلم إذا علمنا هذا فإن رأي معاوية عارض الدليل الشرعي عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبهذا يجب علينا أن نقدم النص الصريح على رأي الصحابي لا سيما وقد نصص فيه على الطعام وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في البر عند الإطلاق أما المعنى اللغوي فإن الطعام يطلق على كل ما أقتاته الناس وعلى هذا فيشمل الأطعمة المقتاتة التي لم تذكر هنا كما قد سبق ترجيحه في الحديث الأول ويدخل فيها البر دخولاً أولياً لأنه أفضل الأقوات وأحسنها بالإضافة إلى أن الله تعالى خاطبنا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم دون سواه وبالله التوفيق.
[المصدر: كتاب الزكاة - شرح عمدة الأحكام الشيخ أحمد بن يحي النجمي رحمه الله].
(1) رواه النسائي في كتاب الزكاة باب فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة رقم 2507 وابن ماجه في كتاب الزكاة باب صدقة الفطر رقم 1828 ورواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار (صححه الألباني)
(2) الحديث: عن ابن عباس قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب زكاة الفطر رقم 1609 وابن ماجة في كتاب الزكاة باب صدقة الفطر رقم 1827 (حسنه الألباني).