الترجيح في مسألة: مصرف زكاة الفطر الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله (مفرغة).
قال الله تبارك و تعالی : "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". [التوبة : 61].
وعموم هذه الآية يشمل صدقة الفطر (زكاة الفطر) فكان مصرفها وهذا مذهب أبي حنيفة(1)ومالك(2) والشافعي(3) وأحمد(4) وابن حزم (5) من الظاهرية، رحم الله الجميع .
وعورض الاستدلال بعموم الآية السابقة بما يلي:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : "فرض رسول الله بيئية زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرّفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهی زکاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات" أخرجه أبو داود(6).
فإن هذا الحديث نص فى أن زكاة الفطر حق للمساكين.
وأن زکاة الفطر تجري مجری الكفارات، فإن سببها هو البدن لا المال : "طهرة للصائم من اللغو والرفث"، والكفارات لا تصرف للأصناف المذکورین في الآیة: «إنما الصدقات. . . به إنما تصرف للمساکین فقط.
ولهذا أوجبها الله طعاماً، كما أوجب الكفارة طعاماً، وعلى هذا فلا يجزىء إطعام صدقة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم؛ فلا يعطي منها في المؤلفة، ولا الرقاب، ولا غير ذلك(7).
وقال ابن تيمية رحمه الله : "وهذا القول أقوى فى الدليل "(8) اهـ.
قال ابن قیم الجوزیة رحمة الله علیه : "کان من هدیه تخصیص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من الصحابة ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: إنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية"(9) اهـ.
أمّا الآية: "إنما الصدقات فلا دليل فيها على أن مصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة المفروضة ؛ لأن "ال" فى الآية في «الصدقات) إنما هي "ال" للعهد الذكري فقد سبق ذكر صدقة الأموال في الآية قبلها.
قال تعالی : "وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا" وهذه صدقة الأموال، فلفظ «الصدقات) فى الآية التى بعدها وهي : "وإنما الصدقات للفقراء" إنما المراد بها صدقة الأموال(10)؛ لأن القاعدة: أن اللفظ إذا تكرر في نص مرتين معرفاً فالثاني هو الأول(11).
فهذا يقوّي أن زكاة الفطر تصرف للفقراء والمساكين(12) دون سائر الأصناف المذکورین فی الآیة .
قلت : والذي يترجح عندي : إن مصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة المفروضة.
ولا يجب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية.
ولا يصرفها للمؤلفة قلوبهم والعاملين عليها؛ لأن المسلم يصرفها بنفسه أو من يوکله .
وذلك للأمور التالية :
1 - لأن آية المصارف : "إنما الصدقات" شاملة لصدقة الفطر؛ فهي داخلة فى عمومها.
2 - ولأن حديث: "الأطعمة للمساكين" لا يفيد التخصيص لأنه من ذکر بعض أفراد العموم، فیفید مزید الإهتمام والرعایة لهذا المصرف.
قال ابن الشوکانی رحمهما اللّه : "ومصرفها مصرف الزکاة إذ هي منها، ويقدّم الفقراء للأمر بإغنائهم في ذلك اليوم "(13) اهـ.
3 - ولأنه قد ورد في الزكاة المفروضة : "تؤخذ من أغنيائهم فتعطى لفقرائهم"، ولم یلزم منه تخصیصں الفقراء دون غیرهم بالمصرف ، إنما خرج مخرج الغالب أو لمزيد الرعاية.
4 - ولأن التمسك بالعموم أولى من التمسك بعدم نقله عن الصحابة، إذ غايته عدم العلم بوجود من نقل عنه ذلك من الصحابة، وهذا لا يعني عدم الوجود في نفس الأمر.
5 - ويسقط سهم المؤلفة قلوبهم ؛ لأن أمرهم إلى الإمام لا إلى غيره، ويسقط سهم العاملين عليها ؛ لأن المرء المسلم يتولى قسمه صدقته بنفسه (14).
6 - ولأن القول بأن "ال" فى "الصدقات" للعهد الذكري، وهو يعود إلى صدقة الأموال، لا يعني أن زكاة الفطر غير داخلة في عموم الآية، إذ ما تخرج منه زكاة الفطر هو من الأموال أيضاً.
ويمكن أن يقال : إن العهد الذكري يعود إلى عموم الصدقات ، لا إلى صدقة الأموال بعينها؛إذ العبرة بعموم اللفظ.
7 - ولأن القول بأن زكاة الفطر تجري مجرى الكفارات فلا تعطى إلا للفقراء والمساكين، هو إجتهاد في مقابلة عموم النص فلا يلتفت إليه.
ویمكن أن یقال : أن جریان زکاة الفطر مجری الكفارة کجریان زکاة الأموال لأن الله تعالى يقول :"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [التوبة: 103 ].
فكما لم يلزم من كون الزكاة المفروضة طهرة وزكاة لأصحابها فلم یخصص بها المساکین والفقراء، فکذا زکاة الفطر هي لا طهرة للصائم من الرفث) ولا يلزم من ذلك أن يكون مصرفها كالكفارة.
فمصارف زكاة الأموال تشمل بعمومها زكاة الأبدان ويخرج منها مصرف العاملين والمؤلفة، لأن هذا مرجعه إلى الإمام، وزكاة الفطر یخرجها صاحبها بنفسه أو من یوکله فلا وجود لمصرف العاملین علیها فيها . وباب الكفارات غير باب الزكاة. والله أعلم.
[المصدر: الترجيح في مسائل الصوم والزكاة الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله].
(1) حاشية ابن عابدین (79/2).
(2) القوانین الفقهیة ص 76، الفواکه الدواني (403/1)، بلغة السالك (1/ 239).(3) المهذب (1 / 235).
(4) المغنی (78/3)، الإنصاف (186/3).
(5) المحلی (143/6).
(6)حدیث حسن - أخرجه أبو داود في کتاب الزکاة باب زکاة الفطر حدیث رقم (1609)، و ابن ماجه من کتاب الزکاة باب صدقة الفطر حدیث رقم (1827).
والحدیث حسنه محقق جامع الأصول 45/ 644 ووقع فيه: (عبد الله بن عمر) بدلاً من عبد الله بن عباس، وهو خطاً مطبعي، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابی داود (1/ 303).
(7) مجموع الفتاوی (73/25 - 75).
(8) مجموع الفتاوی (73/25)..
(9) زاد المعاد (22/2).
(10) مجموع الفتاوی (75/25 - 76).
(11) تهذيب وترتيب الإتقان ص 575، ونبه إلى أنها قاعدة أغلبية.
(12) النص في «المساكين لكن يدخل فيهم «الفقراء)؛ لأن هاتين اللفظتين إذا ذكرت إحداهما دون الأخری فانها تدخل فیها الأخری ، فلفظ المساکین : یشمل المسكین والفقیر ، ولفظ الفقیر: یشمل الفقیر والمسكین، فإن اجتمعا لفظ: المسكین والفقیر کان لكل لفظ معنی خاص به . وهذا مثل لفظ : «الإيمان » و «الإسلام) فإنهما إذا أجتمعا افترقا وإن افترقا اجتمعا. والله أعلم .
(13) السموط الذهبیة ص 114.
(14) المحلی (6/ 145).
أول مدونة سلفية متخصصة في جمع تفريغات الدروس والمحاضرات والخطب وغيرها التي تخدم المنهج السلفي، والهدف من ذلك تقريب العلم الشرعي الصحيح لطلابه..
إشعار : كل حقوق التفريغ محفوظة للمدونة.