حقيقة الاجتهاد وماهيته وضوابطه وشروطه ووسائله ومجالاته
لقد بقى الاجتهاد مثار جدل كبير منذ أواخر القرن الثالث الهجري، وحتى يوم الناس هذا، وقد يستمر كذلك لفترة طويلة. لقد ثار الجدل حول حقيقته، وماهيته، وضوابطه، وشروطه و مقدماته، ووسائله، و ميادينه ومجالاته وتناول ذلك كله أكابر علماء الأمة من كلاميين وأصوليين وفقهاء. ولم يعد عصر من العصور يخلو من جدل في الاجتهاد وأصوله حتى عند أولئك الذين قالوا بانسداد باب الاجتهاد. وفي عصرنا هذا أكثر الجدل واشتد النقاش حول صلاحية الشريعة الإسلامية نفسها - نظاما للحياة.
تعريف الاجتهاد في أصول الفقه
الاجتهاد في أصول الفقه هو استفراغ الجهد وبذل الوسع للنظر في الأدلة ممن هو أهل لذلك لاستنباط الأحكام الشرعية. وعند الإطلاق ينصرف إلى الاجتهاد الفردي وحده دون الجماعي. ومنه ما يبذله الفقهاء من جهد لمعرفة أحكام القضايا المستجدة كاجتهاد الأئمة الأربعة، واجتهاد فقهاء عصرنا لبيان حكم التأمين على المركبات، وعلى البضائع. وما ينبغي الإشارة إليه: أن تعريفات معظم الأصوليين من المتكلمين و الحنفية: إدخال كلمة «الظن» في تعريف الاجتهاد إشارة إلى أن الأحكام الشرعية التي يتوصل إليها بطريق الاجتهاد هي أحكام ظنية الثبوت وليست بقطعية. ومنهم من يرى أن الأحكام المستفادة بطريق الاجتهاد هي أحكام علمية، لا ظنية.
حكم الاجتهاد
للاجتهاد الأحكام التكليفية التالية:
(أ) هو فرض كفاية في حالتين:
- أولا: على كل جماعة من المسلمين منفصلة عن غيرها، أو بعيدة عن جماعة فيها مجتهدون.
- ثانيا: كما يفترض على الكفاية أيضا إذا كان في البلد أكثر من مجتهد، وأمكن استفتاء كل واحد منهم.
(ب) ويكون فرض عين في أربع حالات:
- أولا: على كل مسلم وجد في نفسه الأهلية الأداء «الاجتهاد» وسنأتي على شروطه.
- ثانيا: ومنه اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به؛ لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره، لا في حق نفسه، ولا في حق غيره.
- ثالثا: اجتهاد المجتهد في حق غيره إذا خيف فوات الحادثة دون حكم شرعي، فإن تضيق الوقت: تعين على الفور، وإن اتسع فعلى التراخي.
- رابعا: كما يتعين على كل مجتهد من المجتهدين توجه إليه صاحب النازلة بالاستفتاء، أو أحيلت إليه بصفته قاضیا.
(ج) ويكون مندوبا في حالتين:
- أولا: فيما يجتهد فيه المجتهد من غير النوازل يسبق معرفة حكمها قبل حدوثها.
- ثانيا: في الجواب عن استفتاء في نوازل يتوقع نزولها، ولم تتزل بعد.
(د) ويكون محرما فيما ورد فيه نص، أو وقع عليه «إجماع»، فلا اجتهاد في ذلك.
شروط الاجتهاد
عرف الأصوليين الشروط بأنها: ما يعلق الحكم عليه بحيث يعدم بعدمه، ولا يلزم أن يوجد بوجوده، كالوضوء شرط صحة الصلاة. والمراد بشروط الاجتهاد: تلك الأمور التي لا بد من توفرها في المكلف ليتمكن من الاستدلال بالدليل الشرعي على الحكم. وقد تحدث علماء أصول الفقه عن الشروط العلمية التى يجب توافرها في العالم للافتاء، وهذه الشروط التى كان يطلقها العلماء على المجتهد؛ لأنه في اصطلاح المتقدمين لا فرق عندهم بين الفقيه والمجتهد والمفتى.
الشروط العامة:
أما ما يتعلق بصفات المجتهد فقد اشترطوا فيه: أن يكون المفتى مكلفا مسلما، وثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد، ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظا.
أما الشروط العلمية
ونعنى بها الشروط التي يشترط إتقانها لها، وتمكن المجتهد منها، ليكون مؤهلا لممارسة الاجتهاد وهي:
- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده، كآيات الأحكام وأحاديثها.
- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه، كمعرفة الإسناد ورجاله، وغير ذلك.
- أن يعرف الناسخ والمنسوخ، ومواقع الإجماع، حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع.
- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم، من تخصيص أو تقیید أو نحوه، حتى لا يحكم بما يخالف ذلك.
- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ، كالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات.
- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها.
مراتب الاجتهاد
في القرن السابع الهجري، ألف ابن الصلاح (ت: 643 هجري) كتاب "أدب المفتي والمستفتي"، وتحدث فيه عن أنواع المفتين / المجتهدين. قسم ابن صلاح المفتين / المجتهدين إلى قسمين:
(أ) المجتهد المطلق المستقل: هو من استقل بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية، من الكتاب والسنة والإجماع وأصول الفقه، وما ألحق بها وما هو لازم لمعرفتها بغير تقليد، وتقليد بمذهب من المذاهب.
والشروط المتقدمة: هي الشروط الواجب توفرها فيه. ووجه تسميته بالمجتهد المطلق ظاهر، فهو غير مقيد بمذهب من المذاهب، كما أن اجتهاده غير منحصر في باب من أبواب الفقه و كونه مستقلا نعني به: أنه مستقل بمنهجه في الاستنباط ولا يتقيد بأصول مناهج سواه. مثل اجتهاد كبار أئمة الإسلام كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وسفيان الثوري. ويطلق أحيانا على الاجتهاد المطلق.
(ب) المجتهد المطلق المنتسب: الاجتهاد الذي يكون من كامل الأهلية للاجتهاد الذي حصل علوم الاجتهاد بالفعل وأحاط بأدلة الأحكام كاجتهاد الأئمة الأربعة. فإذا لم يكن له منهاج للاستنباط خاص به، والتزم منهاج مجتهد آخر سمی مجتهدا منتسبا، حتى إذا كان التزامه بمنهاج المجتهد الآخر على سبيل الاتفاق والمصادفة، أو أداء إليه اجتهاده. ووجه تسميته بالمنتسب ظاهر. فهو منتسب إلى مجتهد آخر في «منهج الاستنباط» الذي يمارس الاجتهاد وفقا له. ويقابله حينئذ الاجتهاد الجزئي.
وللمفتي / المجتهد المنتسب أحوال أربعة:
- الحالة الأولى: أحدها أن لا يكون مقلدا لإمامه، لا في المذهب ولا في دليله لكونه قد جمع الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل، وإنما ينتسب إليه لكونه سلك طريقه في الاجتهاد، ودعا إلى سبيله.
ويمثل لهذا الصنف بكبار «أصحاب الأئمة الأربعة»: كاجتهاد محمد بن الحسن من الحنيفية، واجتهاد محمد بن الحكم، وابن الماجشون من المالكية، واجتهاد المزني من الشافعية، وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة.
وهؤلاء يشترط فيهم كل ما ذكرنا من معرفة أدلة الأحكام الشرعية، من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما التحق بما على سبيل التفصيل. مع العلم بكل ما اشترط في كل دليل من تلك الأدلة ووجوه دلالتها، و بكيفية اقتباس الأحكام منها، وهذا يستفاد من «أصول الفقه». كما يشترط أن يكون عارفا بعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والناسخ والمنسوخ، والنحو واللغة والتصريف. واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشرط الأدلة والاقتباس. وأن يكون ذا دراية وارتياض في استعمال ذلك، عالما بالفقه، ضابطا لأمهات مسائله و تفاريعه. وهذا النوع من العلماء - هو الذي يسقط بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين، وإلا فالجميع آثمون حتى يوجد فيهم مثل هذا المجتهد المطلق المستقل. وانتساب هذا الصنف إلى أئمة المذاهب المتبوعة من حيث الأصول- لا يترع عنهم صفة الاستقلال.
ولذلك قال أبو إسحاق الإسفراييني: والصحيح الذي ذهب إليه المحققون - ما ذهب إليه أصحابنا، وهم أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا تقلید له؛ بل لما وجدوا طرقه في الاجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه، فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي.
- الحالة الثانية: أن يكون في مذهب إمامه مجتهدا مقيدا فيستقل بتقرير مذاهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده.
وشرطه: أن يكون عالما بالفقه والأصول، وأدلة الأحكام تفصيلا، وأن يكون بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط، قادرا على إلحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله. وهو من هذه الناحية تبرز فيه ظاهرة التقليد، فهو يختلف عن «المستقل المطلق» بأنه يتسامح معه في الإخلال بمستوى العلم في بعض العلوم المشترطة كما أنه لا يبحث عن معارض في النصوص؛ لأنه يفترض أن إمامه قد فعل ذلك. ثم إنه يتزل ما نص عليه إمامه منزلة ما نص عليه الشارع من حيث القياس عليه، والاستنباط منه. ولذلك اتفق العلماء على أن مثل هؤلاء لا يتأدی بهم فرض الكفاية في الاجتهاد. ويحتمل أن يتأدي فرض الكفاية في الإفتاء.
ويمثل لهؤلاء «بأصحاب الوجوه» من علماء المذاهب الذين يخرجون المسائل التي لم تعرض للأئمة - على المسائل التي عرضت لهم، ويذكرون لها أحكام طبقا لذلك ثم هم تارة يخرجون من نص معين للإمام، وتارة لا يجد أحدهم النص فيخرج على أصوله: بأن يجد دليلا على شرط ما يحتج به إمامه - فيفتي بموجبه. فإن نص إمامه على شيء، ونص في مسألة تشبهها على خلافه، فخرج من أحدهما إلى الآخر سمي قولا مخرجا، وشرط هذا التخريج: إن لم يجد بين نصيه فرقا، فإن وجده وجب تقريرهما على ظاهرهما.
- الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذاهب أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، وبنصرته، بصور، ويحرر، ويمهد، ويقرر، ويزيف، ويرجح، لكنه قصر عن درجة أؤلئك، إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب بمبلغهم.
قال النووي: وهذه صنعة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه و صنفوا فيه التصانيف التي فيها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخریج». ثم قال: وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه، ويقيسون غير المنقول عليه، غير مقتصرين على القياس الجلي. ومنهم من جمعت فتاويه ولا تبلغ في التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه.
- الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله، وفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها، غير أن عنده ضعفا في تقرير أدلته وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات المذهب من منصوصات إمامه وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم.
وهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه، من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين في مذهبه، وما لا يجده منقولا وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما - جاز إلحاقه به والفتوى به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه. ويشترط لهذا الصنف أن يكون فقيها ذا حظ وافر من الفقه.
(ج) الاجتهاد الجزئي أو الخاص: الذي لا يحيط فيه المجتهد بأدلة جميع الأحكام الفقهية، بل يقتصر على الإحاطة بأدلة باب، أو مسألة معينة، ويكون المراد بالتقييد هنا التقييد بباب، أو مسألة معينة. مثل الاجتهاد في باب البيوع، اجتهاد العالم بالحساب، والفرائض في مسألة المشركة دون باب النكاح مثلا. فيكون المجتهد في حالة تقبل الاجتهاد التجزؤ والانقسام مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره.
وقد اختلف العلماء على مذاهب في جواز تجزئة الاجتهاد
- أولا: ذهب جمهورهم من السنة والمعتزلة والشيعة الإمامية إلى جواز تجزئة،
- ثانيا: ذهب الأقلون من العلماء: إلى عدم جواز تجزئة الاجتهاد.
- ثالثا: التفصيل؛ حيث جوز بعضهم الاجتهاد الخاص بمسائل المواريث فقط، دون غيرها.
وأصح هذه المذاهب الثلاثة، بل الصواب المقطوع به هو مذهب الجمهور، ألا وهو جواز التجزئة. وذلك لأن المجتهد الخاص إنسان قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده واستفرغ وسعه في معرفة وجه الصواب و بذلك قد أدى ما كلف به من الاجتهاد وهو ممنوع. فلو أن الاجتهاد لا يتجزأ، وأن من تصدى له ينبغي أن يتصدى له في جميع الأحكام لما كان هناك من يتصف به أحد من هؤلاء الأئمة الأعلام. والمجتهد في مسألة تعتبر صحة اجتهاده فيما اجتهد فيه. بعد توفر شروط اجتهاده المناسبة لتلك المسألة. هذا هو الذي ينسجم مع مفهوم الاجتهاد، ومع قواعد الإسلام العامة نحو {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة:۲۸۹). {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج:۷۸). وقولهم: القاعدة الفقهية: «الميسور لا يسقط بالمعسور».
والظاهر أن الذي دفع القائلين بالمنع، أو قصر ذلك على علم الفرائض والمواريث إلى قولهم هو الخوف من أن يكثر مدعو الاجتهاد في أبواب خاصة من الفقه فيؤدي ذلك إلى كثرة الآراء والمذاهب في مسائل الفقه، هذا الخوف الذي أدى إلى إغلاق باب الاجتهاد.
(د) الاجتهاد الملفق: وهو أن يجتهد مجتهد في بعض المسائل التى اختلفت فيها آراء المجتهدين السابقين، فيؤديه اجتهاده إلى الأخذ بقول مركب من قولين للمجتهدين وهو المعروف بإحداث قول ثالث.
في مباحث الإجماع اعتاد الأصوليون أن يبحثوا مسألة اختلاف أهل العصر في مسألة على قولين، وهل يجوز لمن بعدهم في هذه الحالة إحداث قول ثالث؟
اختلفوا فيها على أقوال:
- أولها: المنع مطلقا وهو مذهب الجمهور، وقالوا - محتجين لمذهبهم هذا: إن الاقتصار على القولين يكون بمثابة الإجماع على أنه لا قول سوى هذين القولين: فالقول الثالث المحدث خرق لهذا الاجتماع الضمني.
- وثانيهما: جواز إحداث القول الثالث مطلقا، وهو محكي عن بعض الحنفية والظاهرية. وأنكر ابن حزم نسبته إلى داود.
- القول الثالث: التفصيل، وذلك أن القول الحادث بعد القولين إن لزم منه رفعهما: لم يجز إحداثه، وإلا جاز. وهذا القول عن الإمام الشافعي، ورجحه جماعة من الأصوليين.
مثال ذلك: اختلاف الفقهاء في جواز أكل المذبوح بلا تسمية.
- قال بعضهم: يحل مطلقا، سواء أكان الترك عمدا أم سهوا.
- وقال بعضهم: لا يحل مطلقا.
- فالقول الثالث - وهو التفصيل بين العمد والسهو بأن تحل في حالة السهو ولا تحل في حالة العمد «كما هو قول المالكية والحنفية» - ليس فيه رفع لهما، ولا خرق الإجماع.
هذه المسألة – يبدو أن بعض العلماء المحدثين حاول أن يجعل منها مستندا لشيء سمي بالاجتهاد المركب، أو الملفق وقد طرح هذا النوع من الاجتهاد (سنة ١٩٦٤) من قبل الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري (أخذ هذا عن الهلوي حيث أجاز لمن هو دون المجتهد المطلق التلفيق إذا عرف دليل المذاهب التي يلفق منها) في بحث قدمه إلى مؤتمر علماء المسلمين الذي عقد في القاهرة في ذلك العام. وظاهر أنه قد أريد طرح بديل عن أنواع الاجتهاد الأخرى التي ألحقت بالمستحيلات منذ قرون مع أنها من الفرائض على المسلمين التي لا يجوز التهاون فيها، ويأثم الجميع بترکها. وقد يكون المستفيد الأول منه - أولئك - الذين يبحثون عن فتاوی تدعم ما يتخذون من إجراءات وتعطيها صبغة الشرعية. كقول القائل آخذ بقول أبي حنيفة في أن النبيذ حلال، وقول الشافعي أن النبيذ خمر، فأقول الخمر حلال!!!.
كيفية ممارسة الاجتهاد
إذا وردت على المجتهد مسألة فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم:
- يعرضها على نصوص كتاب الله تعالى: القرآن.
- فإن لم يجد عرضها على الأخبار المتواترة.
- فإن لم يجد عرضها على أخبار الأحاد.
- فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
- فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
- فإن لم يجد مخصصا: حكم به.
- وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب ولا سنة نظر إلى مذاهب السلف (الصحابة).
- فان وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع.
- فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس.
والقياس من وجهين:
- أن يكون الشيء المقيس في معنى الأصل. فلا يختلف القياس فيه.
- أن يكون الشيء له في الأصول أشباه، فذلك يلحق بأولاها به، وأكثر شبها منه. وعلى المجتهد خلال ذلك أن لا يغفل عن القواعد الكلية.
- فإن لم يجد بعد ذلك كله، تمسك بالبراءة الأصلية.
هذه هي أهم الخطوات التي على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم الشرعي.
وقبل أن يشرع في تلك الخطوات لا بد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التي ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي أجمل تلخيص في قوله: «.. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا، ولا ينبغي للمفتي، يفتي أحدا إلا متي يجمع أن يكون عالما علم الكتاب، وعلم ناسخه ومنسوخه، وخاصته وعامه وأدبه، وعالما بسنن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا، وعالما بلسان العرب، عاقلا يميز بين المشتبه، ويعقل القياس».