حكم زكاة الفطر

حكم-زكاة-الفطر

زكاة الفطر

حكمة مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث. روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".

حكم زكاة الفطر

اختلف العلماء في  حكم زكاة الفطر إلى ثلاثة أقوال
القول الأول: حكم زكاة الفطر فرض على الجميع. قال بهذا جمهور العلماء من السلف والخلف. (1)
القول الثاني: أنها واجبة وليست فرضا. قال به الإمام أبو حنيفة.  (2)
القول الثالث: أنها سنة مؤكدة، قال به بعض المتأخرين من أصحاب مالك.  (3)

أدلة العلماء على أقوالهم

استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
بما ثبت من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر [من رمضان على الناس] صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين"(4). وبحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر". (5)

واستدل أصحاب القول الثاني بأنها واجبة وليست فرضا بناء على قاعدة الأحناف في التفرقة بين الفرض والواجب، فالواجب عندهم ما ثبت بدلیل ظني فيه شبهة، وأما الفرض فهو ما ثبت بدلیل قطعي لا شبهة فيه. (6) واستدلوا أيضا: بحديث: عبد الله بن أبي صغير : "أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير" (7).

واستدل أصحاب القول الثالث بأنها سنة مؤكدة ما روي عن قيس بن سعد بن عبادة أنه قال عن صدقة الفطر: "أمرنا بها رسول الله قبل أن تترل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله" (8).

القول الراجح


والقول الراجح في هذه المسألة: هو القول الأول، وهو أن زكاة الفطر فرض على الجميع من المسلمين، وذلك لقوة أدلتهم. وأما أدلة القولين: الثاني والثالث فيجاب عنهما بما يلي:

أدلة القول الثاني : فإن ما استدلوا به في أن الفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدلیل ظني، بخلاف الفرض عند الأئمة الثلاثة، فإنه يشمل القسمين: ما ثبت بقطعي وبظني. وبهذا نعلم: أن الأحناف ليسوا مخالفين للمذاهب الثلاثة في الحكم، وإنما هو فقط اختلاف في الاصطلاح، ولا مشاحة فيه.
قلت: وإن ثبت عندهم الاختلاف في ذلك، فلا يمكن لعاقل من أهل العلم أن يقدم ما اصطلح عليه الفقهاء أيا كانوا على دليل صريح في المسألة فالتعليل مهما علا شأنه أو شأن صاحبه لا يقدم بأي حال من الأحوال على الدليل والله تعالى أعلم بالصواب.
وأما دليلهم الآخر: فأجاب عنه الإمام الزيلعي رحمه الله فقال :"وحاصل ما يعلل به هذا الحديث أمران: أحدهما: الاختلاف في اسم أبي صعير. والآخر: الاختلاف في اللفظ". (9)

وأما دليل القول الثالث: فتعقب بأن في إسناد الحديث راویا مجهولا كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله. (10) وعلى تقدير صحته (11) فلا دليل على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول؛ لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر . (12)
قال الخطابي: "وهذا لا يدل على زوال وجوبها؛ وذلك أن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب". (13)

خلاصة القول

وخلاصة القول في هذا المسألة: أن القول الأول هو الراجح لقوة الأدلة. ولقول جمهور العلماء من السلف والخلف في معنى: "الفرض هنا: بأنه ألزم وأوجب؛ فزكاة الفطر فرض واجب عندهم لدخولها في عموم قوله تعالى: {وآتوا الزكاة} (14). ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فرض" وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى.
ومما يؤكد أن: "فرض" بمعنى: "أوجب وألزم" اقترانهما بحرف (على) التي تفيد الوجوب أيضا؛ وإذا قال في الحديث: "على كل حر وعبد" كما أن الروايات الصحيحة فيه: "أمر الرسول صلى الله عليه وسلم..."وظاهر الأمر يفيد الوجوب كذلك. (15) ولأنه لم يعارض بأحاديث أخرى تخرج هذا الأمر عن الوجوب وممن صرح بفرضية زكاة الفطر أيضا: أبو العالية وعطاء وابن سيرين وأجمعت الأمة قاطبة سلفها وخلفها على فرضيتها، إذا استثنينا من قال: إن وجوبها نسخ بحديث قيس بن سعد السابق وقد رد عليه الاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر كما مر بنا سابقا.

المصادر والمراجع
(1) انظر : بداية المجتهد؛ ج ۱ - ص ۲۷۸-۲۷۹. 
(2) انظر : بداية المجتهد؛ ج ۱ ص ۲۷۸-۲۷۹.
(3) حاشية تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة في الفقه المالكي: ج ۳ ص ۱۳۷۹
(4) حديث ابن عمر: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان ". أخرجه البخاري البخاري، برقم: (۱۶۲۳)، ومسلم برقم: (۹۸۹) وما بين المعقوفتين لمسلم في كتاب الزكاة باب زكاة الفطر علی المسلمين من التمر والشعير.
(5) صحيح سنن أب داود رقم: (۱۹۲۰).
(6) انظر : بمعناه کتاب الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي ج ۱ ص 140.
(7) أخرجه الدارقطني في سننه م ۱ ج۲ ص۱۹۷، والطحاوي في شرح الآثار ج۲ ص 45. وأعله ابن دقيق العيد بالاضطراب في إسناده ومتنه كما في نصب الراية (2 / 408) . ولم أجد هذا اللفظ عند أبي داود ولا عند البيهقي في سننهما. انظر  تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة ج ۳ ص ۳۹۷.
(8) أخرجه البيهقي في سننه ج 4 ص 159. 

(9) انظر: تفصيل ذلك في كتاب نصب الراية لأحاديث الهداية، ج۲ ص ٤۰۸-٤۰۹.
(10) انظر : فتح الباري، م ه ج ۷ ص ۱۳۹. 

(11) قلت ثبتت صحته بإسنادين صحيحين؛ انظر : سنن النسائی ج ۲ ص ۱۲۷ تحت رقم: (۲۳۹۹، ۲۳۰۰). 
(12) انظر : فتح الباري، م ه ج ۷ ص ۱۳۹.
(13) انظر: معالم السنن، للخطابي ج۲ ص 4۷. 
(14) سورة البقرة الآية: (۱۱۰).
(15) انظر: فتح الباري؛ ج۷ ص۱۳۶، وشرح النووي على صحيح مسلم م3 ج ۷ ص ٥٨.

أحدث أقدم