الكسوف والخسوف آية من آيات الله تعالى لتخويف العباد

معنى-الكسوف-والخسوف

معنى الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف بمعنى واحد، يقال: كسفت الشمس، وخسفت، وكسف القمر، وخسف.

وقال بعضهم: الكسوف للشمس الخسوف للقمر، ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد، ولهذا نظائر في اللغة العربية.

والكسوف عرفه الفقهاء بقولهم:  ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه.

والحقيقة أنه لا يذهب، وإنما ينحجب، ولهذا نقول: التعبير الدقيق للكسوف: «انحجاب ضوء أحد النيرين»، أي: الشمس أو القمر «بسبب غير معتاد».

 السبب الحسي للكسوف والخسوف

فسبب كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض فيحجبها عن الأرض، إما كلها أو بعضها، لكن لا يمكن أن يحجب القمر الشمس عن جميع الأرض؛ لأنه أصغر منها، حتى لو كسفها عن بقعة على قدر مساحة القمر لم يحجبها عن البقعة الأخرى؛ لأنها أرفع منه بكثير، ولذلك لا يمكن أن يكون الكسوف كلياً في الشمس في جميع أقطار الدنيا أبداً، إنما يكون في موضع معين، مساحته بقدر مساحة القمر.

وعلى هذا التقدير الواقع لا يمكن أن يكسف القمر في الليلة العاشرة، أو الثامنة، أو التاسعة، أو الحادية عشرة، أو السابعة عشرة، أو العشرين، أو السبعة والعشرين، أو الخمسة العشرين، لا يمكن أن يكسف إلا في ليالي الإبدار : أي الرابعة عشرة، والخامسة عشرة؛ لأنها هي الليالي التي يمكن أن تحول الأرض بينه وبين الشمس ؛لأنه في جهة والشمس في جهة، هو في جهة الشرق، والشمس في جهة الغرب فيمكن أن تحول الأرض بينهما وحينئذ ينكسف القمر، قال تعالى (( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ))

السبب شرعي للكسوف والخسوف

لكن هناك سبب شرعي لا يعلم إلا عن طريق الوحي، ويجهله أكثر الفلكيين ومن سار على منهاجهم.

والسبب الشرعي هو تخويف الله عباده، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاينكسفان لموت أحد ولا لحياته وإنما يخوف الله بهما عباده )؛ ولهذا أمرنا بالصلاة والدعاء والذكر وغير ذلك. 

هذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد؛ ليرجعوا إلى الله، أما السبب الحسي فهو ليس ذا فائدة كبيرة، ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان فيه فائدة كبيرة للناس لبينه عن طريق الوحي؛ لأن الله يعلم سبحانه وتعالى سبب الكسوف الحسي، ولكن لا حاجة لنا به ومثل هذه الأمور الحسية يكل الله أمر معرفتها إلى الناس، وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من الآيات الباهرة بأنفسهم.

 أما الأسباب الشرعية، أو الأمور الشرعية التي لا يمكن أن تدركها العقول ولا الحواس، فهذه التي يبينها الله للعباد. فحينئذ نقول إن الرسول بين للعباد السبب الشرعي لأنه هو الذي فيه الفائدة أما السبب الحسي فالفائدة فيه قليلة ولهذا لم يبين.

فإن قال قائل: كيف يجتمع السبب الحسي والشرعي، ويكون الحسي معلوما معروفا لنا قبل أن يقع، والشرعي معلوم بطريق الوحي، فكيف يمكن أن يجمع بينهما ؟ 

فالجواب: أن لا تنافي بينهما؛ لأن حتى الأمور العظيمة كالخسف بالأرض، والزلازل، والصواعق، وشبهها التي يحس الناس بضررها، وأنها عقوبة، لها أسباب طبيعية، يقدرها الله حتى تكون المسببات، وتكون الحكمة من ذلك هو تخويف العباد، فالزلازل لها أسباب، الصواعق لها أسباب، البراكين لها أسباب، العواصف لها أسباب، لكن يقدر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله. 

قال تعالى: (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ))، ولكن تضيق قلوب كثير من الناس عن الجمع بين السبب الحسي والسبب الشرعي، وأكثر الناس أصحاب ظواهر لا يعتبرون إلا بالشيء الظاهر، 

ولهذا تجد الكسوف والخسوف لما علم الناس أسبابهما الحسية ضعف أمرهما في قلوب الناس حتى كأنه صار أمرا عاديا، ونحن نذكر قبل أن نعلم بهذه الأمور أنه إذا حصل الكسوف رعب الناس رعبا شديدا، وصاروا يبكون بكاء شديدا، ويذهبون إلى المساجد وكأنهم مذعورون، كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس أول مرة في عهده وكان ذلك بعد أن ارتفعت بمقدار رمح بعد طلوعها وأظلمت الدنيا، ففزع الناس وفزع النبي صلى الله عليه وسلم فزعا عظيما حتى أنه أدرك برداءه يعني من شدة فزعه قام بردائه، أي: من شدة فزعه قام بالإزار، قاصدا المسجد حتى تبعوه بالرداء، فارتدى به، وجعل يجره، أي لم يستقر ليوازن الرداء من شدة فزعه، وأمر أن ينادى الصلاة جامعة؛ من أجل أن يجتمع الناس كلهم.

 فاجتمعت الأمة من رجال ونساء، وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة لا نظير لها؛ لأنها لآية لا نظير لها. آية شرعية لآية كونية، أطال فيها إطالة عظيمة، حتى إن بعض الصحابة - مع نشاطهم وقوتهم ورغبتهم في الخير - تعبوا تعبا شديدا من طول قيامه عليه الصلاة والسلام، وركع ركوعا طويلا، وكذلك السجود، فصلى صلاة عظيمة، والناس يبكون يفزعون إلى الله، وعرضت على النبي عليه الصلاة والسلام الجنة والنار في هذا المقام، يقول: " فلم أر يوما قط أفظع من هذا اليوم "؛ حيث عرضت النار عليه حتى صارت قريبة فتنحى عنها، أي: رجع القهقهرى خوفا من لفحها، 

سبحان الله! فالأمر عظيم! أمر الكسوف ليس بالأمر الهين، كما يتصوره الناس اليوم، وكما يصوره أعداء المسلمين حتى تبقى قلوب المسلمين كالحجارة، أو أشد قسوة والعياذ بالله.

يكسف القمر أو الشمس والناس في دنياهم، فالأغاني تسمع، وكل شيء على ما هو عليه لا تجد إلا الشباب المقبل على دين الله أو بعض الشيوخ والعجائز، وإلا فالناس سادرون لاهون، ولهذا لا يتعظ الناس بهذا الكسوف لا بالشمس ولا بالقمر مع أنه أمر هام، ويجب الاهتمام به.

المصدر : الشرح الممتع على زاد المستقنع - ج 5 : تابع الصلاة - الجنائز؛ باب صلاة الكسوف، ص:175،179

أحدث أقدم