تفسير القواعد من النِّسَاءِ في سورة النور

تفسير-قوله-تعالى-والقواعد-من-النساء



تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].

تفسير قوله تعالى: {والقواعد من النساء}

قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ} القواعد : جمع قاعدة.
 والقواعد بمعنى "اللاتي قعدن".

فالقواعد معناها (1)

العجز اللاتي لا يلدن ولا يحضن لكبرهنَّ، وقيل "القواعد من النساء": الملازمات للبيوت لكِبَرهنَّ؛ لأنهن لا يخرجن من العجز والضعف؛ فهنَّ قواعد، وقيل: إن "القواعد من النساء" اسم للعجائز مطلقاً، مثل ما نقول: عجوز؛ مشتقة من (العجز)، نقول أيضا: قاعِدَة بمعنى عاجزة عن القيام والذهاب والإياب. (2)

معنى قوله تعالى: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} (3)

أي: لا يطمعن في الزواج وذلك لكبرهن؛ لأنهنَّ لا يرجون أحد يتزوجهن؛ لأنهنَّ بحيث عجائز لا يريدهنَّ أحد. ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُن﴾ لا شك أن المراد بقوله: ﴿يَضَعْنَ ثِيَابَهُن﴾ ليس المراد أن يضعن جميع الثياب، بمعنى: يبقين عراة، هذا لا يمكن القول به.

ما المراد بالثياب؟

المراد: الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها مثل: الجلباب والرداء (والملحفة) والقناع فوق الخمار (4)؛ الأشياء الظاهرة. فيجوز للمرأة العجوز  (المرأة الكبيرة السن) أنها تلبس ثوبا وتُبْدِي يديها ورأسها ووجهها ورجليها وساقيها، لكن بشرط ألا تتبرج بزينة؛ لقوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾، فإن كان تريد إبداء الزينة فلا يجوز؛ لأن بعض العجائز، وإن كن لا يرجون النكاح يُرِدن أن يظهرن بمنزلة الشَّواب، تجدها تلبس سواراً وخلخالاً، وتختال بين الناس، لكن هذا؛ بشرط ألا تكون بهذه الحال، إن كانت بهذه الحال فلا يجوز.

وفي تفسير البغوي (٦-٦٢): القواعد: هن العجز ، اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية.

معنى قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}

ما المراد بالتبرج؟

ومعنى قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} التبرج بمعنى التعلي والظهور، ومنه البروج التي في السماء؛ لعلوها وارتفاعها، فمعنى متبرجات أي: متعليات، وقول بعض المفسرين (مظهرات)؛ هذا من باب التفسير باللازم، وإلا فالتبرج معناه: التعلي، ويلزم منه أن يظهرن الزينة. ومعنى قوله تعالى: {بِزِينَةٍ} أي بزينة خفية يظهرنها إذا وضعن تلك الثياب.

معنى قوله تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ

ثم قال تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} بألا يضعنها {خَيْرٌ لَّهُنَّ}؛ لما في ذلك من البعد عن مواضع الفتنة، وكما قيل: لكل ساقطة لاقطة، قد تكون بنفسها لا ترجو النكاح لكبرها، ولكن ربما يتعلق بها إنسان وهي بهذه الحال، ولهذا قال تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ}. (5)

فيديو: تفسير قوله تعالى {والقواعد من النساء} للعلامة ابن باز.


وجه دلالة الآية على وجوب تغطية المرأة لوجهها وسائر بدنها عن الرجال الأجانب

دلالة الآية على وجوب تغطية المرأة لوجهها وسائر بدنها عن الرجال الأجانب من وجهين :

الوجه الأول: أن الله تعالى نفي الجناح -الإثم والحرج- عن القواعد وهن العجائز اللاتي لا يطمعن في النكاح؛ لكبر سنهن، وعدم حاجة الرجال إليهن - فرخص لهن وضع ثيابهن التي تكون فوق الدرع ونحوه مما لا يستر ما يظهر غالبا كالوجه والكفين، بشرط ألا يكون الغرض من ذلك التبرج بالزينة، ثم إنه جل وعلا مع هذا كله قال: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} عن وضع ثيابهن مع كبر سنهن وانقطاع طمعهن في التزويج، وكون غير متبرجات بزينة {خَيْرٌ لَّهُنَّ} . وتخصيص الحکم بهؤلاء العجائز ؛ دليل على النساء اللاتي فيهن جمال، ولهن طمع في النكاح لا يرخص لهن وضع شيء من ثيابهن، ولا الإخلال بشيء من التستر بحضرة الأجانب، ولو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب، ولبس درع ونحوه، لم يكن لتخصيص القواعد فائدة. (6)

الوجه الثاني: في قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}، دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النکاح؛ لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال
لها ومدحهم إياها ونحو ذلك، ومن سوى هذه نادرة، والنادر لا حكم له. (7)

المصادر والمراجع

(1) قال القرطبي المالكي: "القواعد : العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن ، وقعدن عن الولد والمحيض ؛ هذا قول أكثر العلماء . قال ربيعة : هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها . وقال أبو عبيدة : اللاتي قعدن عن الولد ؛ وليس ذلك بمستقيم ، لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع ، قاله المهدوي . الجامع لأحكام القرآن، ص: ٤٧٠١.
وقال الطبري: "اللواتي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء، فلا يحضن ولا يلدن، واحدتهنّ قاعد ( اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا ) يقول: اللاتي قد يئسن من البعولة، فلا يطمعن في الأزواج". المصدر: تفسير القرآن أو جامع البيان عن تأويل آي القرآن أو جامع البيان في تأويل القرآن المعروف بـ "تفسير الطبري"، صفحة: ١٨-١٢٦.
وقال ابن كثير نقلا عن بعض السلف: "هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد ، ( اللاتي لا يرجون نكاحا ) أي : لم يبق لهن تشوف إلى التزويج". المصدر: تفسير القرآن العظيم المشهور بـ "تفسير ابن كثير".
(2) عن السدي، قال: أخبرني مسلم مولى امرأة حذيفة بن اليمان أنه خضب رأس مولاته، فدخلت عليها، فسألتُها، فقال: نعم، يا بني، إنى من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا، وقد قال الله في ذلك ما سمعت". أخرجه ابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩؛ وعن سعيد بن جبير -من طريق عطاء-: "{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} يعنى المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر، {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعنى تزويجا". أخرجه ابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩؛ وعن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد- في قوله: "{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} ، قال: هذا للكبيرة التي قعدت عن الولد. أخرجه ابن جرير ١٧-٣٦٠، وإسحاق البستي في تفسيره ص ٤٨٦، وابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩؛ وعن الحسن البصري -من طريق معمر- {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} يقول: المرأة إذا قعدت عن النكاح. أخرجه عبد الرزاق ٢-٦٣، وابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩؛ وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن -من طريق عبد الجبار بن عمر- أنه قال في {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}، قال: التي إذا رأيتها استقذرتها، فلا بأس أن تضع الخمار والجلباب، وأن تراها. أخرجه ابن وهب في الجامع - تفسير القرآن ٢-٨٩. وفي تفسير البغوي  ٦-٦٢: هن العجز ، اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية؛ قال عبد الله ابن جُريح -من طريق الحجاج- في قوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}: التي قعدت من الولد، وكبرت. أخرجه ابن جرير  ١٧-٣٦١؛ قال مقاتل بن سليمان: {وَالْقَوَاعِدُ} عن الحيض، {مِنَ النِّسَاءِ} يعنى: المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكِبَر. تفسير مقاتل بن سليمان ٣-٢٠٨؛ قال يحي بن سلام: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي}: قد قعدت من المحيض والولد. تفسير يحي بن سلام ١-٤٦١
(3) عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: "{اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعنى تزويجا". أخرجه ابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩؛ وعن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جريح- في قوله: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}، قال: لا يُرِدْنَه". أخرجه ابن جرير ١٧-٣٦١، وعلقه يحيى بن سلام ١-٤٦١، ابن أبي حاتم ٨-٢٦٤٠، وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر؛وعن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله:، قال: وهي المرأة القاعد التي لا تحيض، ولا تحدث نفسها بالباءَةِ، رخص الله لها أن تضع من جلبابها. أخرجه ابن أبي حاتم ٨-٢٦٣٩، وأخرجه يحيى بن سلام ١-٤٦١، وأوله بلفظ: القواعد من النساء التي لا تحيض، ولا تحدث نفسها بالأزواج؛ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: كان أبي يقول في قول الله: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}: التي قد بلغت أن لا يكون لها في الرجال حاجة، ولا يكون لها للرجال فيها حاجة". أخرجه ابن جرير ١٧-٣٦١، وابن أبي حاتم ٨-٢٦٤٠؛ قال مقاتل بن سليمان: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعنى: تزويجا. تفسير مقاتل بن سليمان ٣-٢٠٨؛ قال يحيى بن سلام: قد كَبِرْن عن ذلك. تفسير يحي بن سلام ١-٤٦١.
(4) وردت عدة آثار في تفسير هذه الآية نقتصر على بعضها الذي يمثل قول الجمهور:
قال ابن جرير الطبري: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت أبا وائل قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الآية ( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ) قال: الجلباب. المصدر: "تفسير الطبري"، صفحة: ١٨-١٢٦. قال (عبد الله) ابن مسعود [ في قوله ] : ( فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) قال : الجلباب ، أو الرداء : وكذا روي عن ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي ، والحسن ، وقتادة ، والزهري ، والأوزاعي ، وغيرهم . المصدر: جامع البيان في تأويل القرآن، صفحة: ١٨-١٢٦؛ عن عبد الله ابن مسعود -من طريق الحكم، عن  أبي وائل، قال: الجلباب؛ وعن عبد الله ابن مسعود -من طريق عبد الرحمن بن زيد-، قال: الرداء؛ وعن عبد الله ابن مسعود في رواية أخرى -من طريق عبد الرحمن بن زيد-: هي الملحفة. أخرجه ابن جرير ١٧-٣٦٢، وإسحاق البستي في تفسيره ص ٤٨٧؛ وعن عبد الله ابن عباس -من طريق عكرمة- أنه كان يقرأ {أَن يَضَعْنَ من ثِيَابَهُنَّ}، ويقول: هي الجلباب. أخرجه أبو عبيد في فضائله ص ١٧٩، والبيهقي في السنن ٧-٩٣، وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف؛ وعن عبد الله بن عمر -من طريق نافع- قال: يضعن الجلباب، والخمار. أخرجه ابن أبي حاتم ٨-٢٦٤١.
(5) تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}؛ سورة النور، الآية: ٦٠؛  ابن عثيمين. 
(6) ينظر : أضواء البيان: (6 /650- 651). رسالة الحجاب لابن عثيمين : (10-11). 
(7) رسالة الحجاب لابن عثيمين : (۱۱).
أحدث أقدم