معنى الإله لغة وشرعا

معنى-الإله-لغة-و-شرعا

 معنى الإله لغة 


فقد ذكرت له عدة معان:

أولا: الإله فعال بمعنی مألوه، أي: معبود، كإمام بمعنى مؤتم به، وأله إلهة : عبد عبادة ، والتأليه: التعبيد، والآلهة : المعبودون من الأصنام وغيرها، والتأله : التعبد والتنسك. (۱)

فالإله : هو المعبود وهو الله سبحانه ، وهو على وزن فعال بمعنی مفعول، مثل کتاب معنی مکتوب و بساط بمعنی مبسوط ، فالإله إذن على معنی ما روي عن ابن عباس : (هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق، والله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين. (۲)

ثانيا: الإله مأخوذ من أله: إذا تحير، وأصله وله يوله ولها، على وزن تعب يتعب تعبا، فإن الإله هو الله سبحانه تتحير الألباب والفكر في حقائق صفاته ومعرفته، وعلى هذا، فأصل كلمة إله : ولاه، وأن الهمزة مبدلة من واو. (۳) وقد أنكر بعض أصحاب المعاجم هذا المعنى. (٤)

ثالثا: أن الإله مأخوذ من أله إلى كذا: أي لجأ إليه، فروي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي الله إلها؛ لأن الخلق يتضرعون إليه في حوائجهم ويتضرعون إليه عند شدائدهم (٥) فيكون المعنى : هو من يفزع إليه في النوائب لأنه المجير لجميع الخلائق من كل المضار.

رابعا: أن الإله مشتق من (لاه يليه ويلوه لياها) إذا احتجب  (٦)، فلفظ الجلالة يتضمن معنى الاحتجاب كما قال تعالى: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (٧)

خامسا: أنه مشتق من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه ، فالقلوب لا تسكن إلا بذكره، فمن خاف الله تقرب إليه فيحصل له الاطمئنان والسكونه. (٨)

سادسا: أنه مشتق من أله الرجل إلى الرجل إذا اتجه إليه لشدة شوقه إليه، ومنه: (أله الفصيل بأمه إذا أولع بأمه، وعلى هذا معناه : أن العباد يتوجهون إليه وحده). 

والمعنى: (أن العباد مألوهون: أي مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال). (٩)

سابعا : أنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع : الاها، وإذا طلعت الشمس تقول: لاهت (١٠)، وعلى هذا يتضمن لفظ الجلالة معنى العلو والارتفاع.

فهذه كما ترى معاني اشتقاقات هذا اللفظ ، وليس في شيء منها أن معناه القادر على الاختراع أو أنه الصانع المالك.

وقد رجح جماعة من العلماء القول الأول، وأن لفظ الجلالة (الله) مشتق من أله يأله : إذا عبد، فهو إله بمعنی مألوه أي معبود، وكل الاشتقاقات والمعاني الأخرى تدخل تحت هذا المعنى الأول، فهو متضمن لها، وسأذكر فيما يأتي من قال بهذا من أئمة اللغة :
  • قال الراغب الأصفهاني: و(إله) جعلوه اسما لكل معبود لهم. (١١)
  • قال ابن منظور : الإله (الله) عز وجل، وكل ما اتخذ من دون الله معبودا (إله) عند متخذه، والجمع (آلهة). (١٢)
  • وقال المجد الفيروزآبادي: (إله) کفعال، بمعنی مألوه، وكل ما اتخذ معبودا (إله) عند متخذه. (١٣)
  • وقال الزبيدي: فإذا قيل: (الإله) أطلق على الله سبحانه، وعلى ما يعبد من الأصنام، وإذا قلت: (الله) لم يطلق إلا عليه سبحانه وتعالى).(١٤)

معنى الإله في الشرع

الإله في القرآن وفي فهم السلف والمفسرين


الألوهية والإله في لغة القرآن و اصطلاحه وما حكى الله سبحانه و تعالی عن مشركي العرب لم يختلف عن معناها الذي ذكرناه عن معاجم اللغة. فالإله يطلق على كل معبود حقا كان أم باطلا ، والأدلة عليها كثيرة، منها:

١- أن الله سبحانه وتعالی سمی معبودات المشركين (آلهة) و أبطل كونها آلهة حقا؛ قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا). (١٥)

وهكذا كان مشركو العرب يسمون معبوداتهم (آلهة) مع اعتقادهم أنها ليست خالقة لهذا الكون ولا مالكة؛ كما حكى عنهم:
  • (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ). (١٦)
  • وقال عنهم : (إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلَآ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَ). (١٧)
  • وقال تعالى: (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) (١٨)
  • (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (١٩)
  • (وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) (٢٠)
  • (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ). (٢١)
  • (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ). (٢٢)

فأنت ترى في هذه الآيات أن المشركين سموا معبوداتهم (آلهة) مع أن المشركين لم يعتقدوا فيها أنها خالقة لهذا الكون و أرباب للعالم؛ قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}سورة العنكبوت، آية (٦١)

وهكذا ترى اللغة القرآنية لكلمة (الإله) تتفق مع معاني أهل اللغة لهذه الكلمة، كما أن هذا ما كان عليه فهم السلف والمفسرين:

قال ابن عباس: (الله : ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين، ومنه قوله في (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) يذرك وإلاهتك، أي عبادتك) (٢٣) وهو قول مجاهد أيضا. (٢٤)

قال الطبري: (ولا شك أن الإلهة على ما فسره ابن عباس ومجاهد مصدر من قول القائل : أله الله فلان إلهة: كما يقال : عبد الله فلانٌ عبادة وعبر الرؤيا عبارة ، فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا: أن أله عبد وأن الإلاهة مصدره). (٢٥)

وقال أيضا : (فالإله : هو المعبود وهو الله سبحانه ، وهو على وزن فعال بمعنی مفعول مثل كتاب بمعنی مکتوب و بساط بمعنی مبسوط، فالإله إذن على معنی ما روي عن ابن عباس : هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق). (٢٥)

قال الزجاجي: (إله) فعال بمعنی مفعول، كأنه مألوه، أي معبود مستحق للعبادة يعبده الخلق ويولهونه. (٢٦)

وقال الزمخشري: (الإله) من أسماء الأجناس، كالرجل والفرس، يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم على المعبود بحق). (٢٧)

قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: لا إله إلا الله : (معناه: لا معبود إلا الله). (٢٨) 

والصحيح: لا معبود بحق إلا الله، ومعنى ذلك أن كل المعبودات إنما عبدت بغير الحق، قال جل وعلا: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) .

فهذه بعض أقوال المفسرين في معنى الإله.

وقال ابن تيمية: (فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعيد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع). (٢٩)

وقال ابن القيم: (الإله : هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا). (٣٠)

وقال ابن رجب: (الإله: هو الذي يطاع فلا يعصي، هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح هذا كله إلا الله عز وجل). (٣١)

وقال البقاعي: (لا إله إلا الله : أي انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك العظيم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه ، وإلا فهو جهل صرف). (٣٢)

وقال الطيبي: (الإله : فعال بمعنى مفعول، کالكتاب بمعنی المكتوب، من أنه إلهة : أي عبد عبادة). (٣٣)

قال الشوكاني: لفظ (إله) إنما هو لبيان استحقاق الله للألوهية التي هي حقيقة العبودية، ولهذا جاء في كتاب الله (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أي: مألوه معبود فيها، قال قتادة : يعبد في السماء والأرض. (٣٤)

المصادر والمراجع

(١) تهذيب اللغة: (۱-٤۲۲،٤٢٤)، معجم مقاييس اللغة (۱-۱۲۷)، مجمل اللغة: (۱۰۱/۱)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٦-٢٢٢٤،۲۲۲۳)، المفردات (۲۱- ۲۲)، أساس البلاغة (۹)، لسان العرب: (۱-۱۸۸،۱۹۱)، القاموس : (٤-۲۸۲)، وتاج العروس (۹-۳۷٤-۳۸٥)
(۲) الطبري في تفسيره (١-٥٤)
(۳) لسان العرب: (۱/ ۱۸۸،۱۹۱)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (۱۰۳-۱)، وتفسير ابن كثير (۱۹-۱)
(٤) هو ابن فارس. انظر : معجم مقاییس اللغة : (۱-۱۲۷)
(٥) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (۱۰۳-۱)، وتفسير ابن كثير (۱۹-۱)
(٦) تفسير ابن كثير (۱۹-۱). 
(٧) سورة الأنعام، الآية ۱۰۳
(٨) انظر ما ذكره ابن كثير في التفسير (۱-۱۹). 
(٩) نفس المصدر . 
(١٠) انظر ماذكره القرطبي في التفسير (۱۰۳-۱)
(١١) المفردات (۲۱)
(١٢) لسان العرب (۱/ ۱۸۸- ۱۹۱)
(١٣) القاموس المحيط (۱٦۰۳)
(١٤) تاج العروس : (۹-۳۷٥). 
(١٥) سورة الفرقان، الآية : ۳، ومثل هذه الآية في سورة مريم: ۸۱، وسورة الأنبياء : ۲۱، ۲۲،۲٤، ٤۳، ۹۹، وسورة يس: ۷٤. 
(١٦) سورة ص ، الآية:٥
(١٧) سورة الفرقان ، الآية : ٤۲
(١٨) سورة الصافات ، الآية : ٣٦
(١٩) سورة الفرقان ، آية ٤٣
(٢٠) سورة طه ، الآية : ۹۷
(٢١) سورة طه ، الآية : ۸۸
(٢٢) سورة الأعراف ، الآية : ۱۳۸.
(٢٣) الطبري، ابن جرير : جامع البيان (١-٤١)
(٢٤) جامع البيان (١-٤١)
(٢٥) جامع البيان (١-٤٢)
(٢٦) الزجاجي : اشتقاق أسماء الله الحسنی (۲٤)
(٢٧) الزمخشري : الكشاف: (١-٦)
(٢٨) القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن (۱/ ۱۷٥)، والصحيح: لا معبود بحق إلا هو.
(٢٩) ابن تيمية : مجموع فتاواه (۲۹-۱۰)
(٣٠)  ابن القيم، مدارج السالكين (۳-٤۹۰)
(٣١) ابن رجب الحنبلي: تحقيق كلمة الإخلاص (۲۳، ۲٤)
(٣٢) فتح المجيد (۱-٥۳۳)
(٣٣) انظر ما نقله عنه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (۱-٥۳۳)
(٣٤) الشوكاني : في فتح القدير (٥۹۷-٤)

أحدث أقدم