شروط الإسلام

شروط-الإسلام

الإسلام الحكمي


ما يثبت به الإسلام الحكمي

هناك أربعة طرق يكون بها الشّخص مسلما حكما؛ أو ما يصير به الكافر مسلما:

الطريق الأول: بالنص، ويكون بما يلي:

النطق بالشهادتان، سواء كان ذلك الناطق صادقا أو كاذبا، لحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) (١)، وفي حديث آخر: (...حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله). (٢)

فيدخل في الإسلام الحكمي من أسلم صدقا، ويدخل فيه المنافق الذي أظهر الدخول في الإسلام وأسر الكفر.

النطق بما يقوم مقام الشهادتين؛ كقول الشخص: (أسلمت) ، أو: (إني مسلم)، لحديث المقداد أنه قال: يا رسول الله، إني لقيت كافرا فاقتتلنا، فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله» قال: يا رسول الله، فإنه طرح إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، آقتله؟ قال: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. (٣)

ولا بد من التلفظ بالشهادتين أو ما يقوم مقامهما عند التمكن والقدرة على ذلك، أما غير القادر على النطق - كالأخرس - فيعذر بذلك، ويصدق عذره إن تمسك به بعد زوال المانع.

الطريق الثاني: التبعية، ومعناها : أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، وهي على نوعين:

١ - تبعية الابن الصغير لخير أبويه ديناً.

فقد اتفق الفقهاء على أنه إذا أسلم الأب ولديه أولاد صغار، أو من في حكمهم - كالمجنون إذا بلغ مجنوناً - فإن هؤلاء يحكم بإسلامهم تبعا لأبيهم. 

وذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أن العبرة بإسلام أحد الأبوين، أبًا كان أو أمًا، فيحكم بإسلام الصغار تبعا لخير أبويهم دينًا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

٢ - التبعية لدار الإسلام.

فيدخل في ذلك:
  • الصغير إذا سبي ولم يكن معه أحد من أبويه، إذا أدخله السابي إلى دار الإسلام.
  • لقيط دار الإسلام، حتى لو كان ملتقطه ذميّا .
  • اليتيم إذا مات أبواه، وكفله أحد المسلمين، فإنه يتبع كافله وحاضنه في الدين. (٤)

الطريق الثالث: بالدلالة، والمقصود بها: أن يفعل فعلا يستدل به على كون الشخص مسلمًا حكمًا، ومن الأفعال التي يستدل بها على ذلك:

١ - إقامة الصلاة؛ لحديث أنس ، أن النبي ﷺ قال: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمه رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته). (٥)

قال الحافظ ابن حجر - في شرحه لهذا الحديث: (فيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله، ما لم يظهر منه خلاف ذلك). (٦) 

فإذا صلى الكافر فإننا نحكم بإسلامه، ولكن مسلم حُكْمًا وليس حقيقة؛ حتى وإن لم يَنْوِ الإسلام بما فعله. (٧)

والحكم بإسلام الكافر الأصلي إن صلى، محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور يصححون ذلك، ولكن اختلفوا، فمنهم من يفرق بين دار الكفر ودار الإسلام، ومنهم من يفرق بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة.

٢ - الأذان والإقامة، لحديث أنس بن مالك قال: (كان النبي ﷺ إذا غزا قومًا، لم يغز حتى يصبح، فإذا سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار بعدما يصبح). (٨)

٣- الحج؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة. (٩)

قال ابن أبي العز: (هنا مسائل تكلم فيها الفقهاء؛ كمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين، أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما، هل يصير مسلما، أم لا؟ والصحيح أنه يصير مسلما بكل ما هو من خصائص الإسلام). (١٠)

الطريق الرابع: شهادة رجل مسلم عدل له بالإسلام. (١١)

 الأقسام


تقدم ذكر تقسيم الإسلام إلى كوني وشرعي، والشرعي إلى عام وخاص في تعريف الإسلام لغة وشرعاً.

والإسلام الشرعي الخاص وهو الدين الذي بعث به نبينا محمد ﷺ، ينقسم باعتبار قيام المكلف به إلى قسمين:

  • الإسلام الحقيقي: وهو الإسلام الذي تتوقف عليه الأحكام الدنيوية والأخروية، ويكون لمن أتي بشعائر الإسلام الظاهرة والباطنة معا، وكان صادقا فى ذلك.
  • الإسلام الحكمي: هو الإسلام الذي تتوقف عليه الأحكام الدنيوية، ويكون لمن أتى بالشهادتين، أو بشعيرة من شعائر الإسلام الخاصة، صادقا كان أو كاذبا.

ومعنى هذا الكلام أن الإسلام يطلق باعتبارين :

أحدهما: باعتبار الإسلام الحقيقي، وهو دين الإسلام الذي قال فيه: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

والثاني: باعتبار الإستسلام ظاهرا مع عدم إسلام الباطن، إذا وقع خوفا، كإسلام المنافقين. (١٢)

وسمي الإسلام الحكمي بذلك؛ لأن صاحبه (والذي يسمي بمستور الحال) قد أتى بما يحكم عليه بإسلامه، فتجرى عليه أحكام الإسلام في الدنيا، سواء مسلمًا حقيقيا، وهو المسمى بالمسلم الحقيقي، أو لم يكن كذلك، وهو المنافق.

فالإسلام الحكمي يتعلق بأحكام الإسلام في الدنيا فقط، ولذا فإنه قد يسمى بالإسلام الظاهري. (١٣)

حكم من ثبت له الإسلام الحكمي


من أقر بالإسلام ظاهرا، أو أتى بشعيرة من شعائره الخاصة عصم ماله ودمه، وثبتت له أحكام الإسلام، وعومل معاملة المسلم في جميع الأحكام، والمعاملات الدنيوية (كأحكام النكاح، والمواريث، والجنائز، والشهادات، والولاية، والذبائح والتغسيل عند الموت، ودفنه مع المسلمين، وغيرها)، ويسمي من كان هذه حاله بالمسلم المستور الحال.

قال الشافعي: (إن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين، وأنه تولى سرائرهم، ولم يجعل لنبي مرسل، ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر، وتولى دونهم السرائر؛ لانفراده بعلمها). (١٤)

وسبب ذلك: أن الشارع قد رتَّب الأحكام على ما يظهر للعيان، وأما الباطن فموكول علمه إلى الله، فلا حاجة إلى تتبع حاله، أو التبين فيه.

فالكافر إذا أتى بالشهادتين، اعتبر مسلمًا، ثم ألزم بما بعدها من شعائر الإسلام؛ كالصلاة والزكاة، وهذا الالتزام شرط لصحة إسلامه، ولكننا لا نتوقف في الحكم له بالإسلام حتى يأتي وقت الصلاة والزكاة، بل نحكم بإسلامه ابتداء دون انتظار، فإذا جاء وقت الصلاة ألزم بها، فإن أبى حكم بردته واستتيب، ويكون قد أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ لأن الإقرار بالشهادتين يتضمن تصديق القلب والالتزام بالإتيان بالأحكام الشرعية، والخضوع والاستسلام لأمر الله، والانقياد لأمر نبيه، فإذا رجع عن ذلك كان قد نقض إقراره.

وأما من لم يظهر منه عدم الالتزام بذلك بعد إقراره، فإنه يبقى على الأصل، وتجري عليه أحكام المسلمين في الدنيا، ولم يمتحن في إسلامه، ولا يتوقف فيه الحكم له بالإسلام وإجراء أحكام المسلمين عليه. (١٥)

ومما يدل على الإسلام الحكمي: ما رواه ابن عمر؛ أن رسول الله ﷺ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله). (١٦)

قال النووي في فوائد هذا الحديث: وفيه صيانة مال من أتى بكلمة التوحيد ونفسه، ولو كان عند السيف، وفيه أن الأحكام تجرى على الظاهر، والله تعالى يتولى السرائر. (١٧)

وقال البغوي: وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، و أن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه. (١٨)

وحديث أنس مرفوعا: (من صلى صلاتنا).

الفرق بين الإسلام الحكمي والإسلام الحقيقي


يظهر الفرق بينهما من ناحية الحقيقة، ومن ناحية الحكم :

أما من ناحية الحقيقة، فإن المسلم الحكمي هو من أتى بالشهادتين أو شعائر الإسلام الظاهرة، سواء كان صادقا قي إسلامه (مسلم حقيقة) أو كاذبا (وهو المنافق). 

أما المسلم الحقيقي فهو الذي أتى بالشهادتين والتزم شعائر الإسلام ظاهرا وباطنا.

أما من ناحية الحكم؛ فإن الإسلام الحكمي تتعلق له أحكام الدنيا، وأما الحقيقي تتعلق به أحكام الدنيا والآخرة.

فالحاصل: أن الإسلام الحكمي أعم من الإسلام الحقيقي.

مذهب المخالفين


خالف في حكم الإسلام الحكمي: فرقة الأخنسية من الخوارج، أصحاب أخنس بن قيس، حيث قالوا بالتوقف عن جميع من في دار التقية من منتحلي الإسلام وأهل القبلة إلا من قد عرفوا منه إيمانا فيوالونه، أو كفرًا فيتبرؤون منه لأجله. وقالوا بتحريم القتل والاغتيال فى السر. (٢٠)

كما خالف فيه من الفرق المعاصرة جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً، حيث أتوا ببدعة: التوقف والتبيين، وهي أنهم لا يحكمون بإسلام أحد، بل يتوقفون في الحكم عليه حتى يتبينوا في حاله.

وخالفت أيضا فرقة قالت: من قال لا إله إلا الله لا يكفر (على إطلاقه) ولو اقترف ناقضا من نواقض الإسلام. (٢١)

والتحقيق: أن الشخص الذي أظهر إسلامه وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) (٢٢) ؛ وقوله ﷺ عن الخوارج: (إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون ، أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) (٢٣)

مع كون الخوارج من أكثر الناس عبادة وتهليلا وتسبيحا، حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة ولا ادّعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة. (٢٤)

المصادر والمراجع

(١) أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم ٢٠)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم ٣٩٢)
(٣) أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم ٦٨٦٠)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ٩٥).
(٤) المغنى لابن قدامة (٨-١٤٠ ) [دار الفكر، ط١ ،١٤٠٥هـ]، وشفاء الغليل لابن القيم (٢٩٨) [دار الفكر، ١٣٩٨]، والفواكه الدواني للنفراوي (١-٢٨٥) [دار الفكر، ١٤١٥]، وحاشية العدوي (١-٥١٧) [دار الفكر، ١٤١٢هـ]، وشرح منتهى الإرادات (١-٥١٧) [دار عالم الكتب، ط٢، ١٩٩٦م]، والموسوعة الفقهية الكويتية (٤-٢٦٦،٢٧١) [دار السلاسل، ط٢].
(٥) أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم ٣٩١)
(٦) فتح الباري (١-٦٤٢)
(٧)  الشرح الممتع لابن عثيمين (٢-٢٠)
(٨) أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم ٢٩٤٣)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم ٣٨٢)
(٩) البيان في مذهب الإمام الشافعي (٢-٣٩٢) [دار المنهاج، ط١، ١٤٢١ هـ]، وبدائع الصنائع (٧-١٠٣) [دار الكتاب العربي، ط١، ١٩٨٢هـ]
(١٠) شرح الطحاوية (٧٥) [المكتب الإسلامي، ط٤]
(١١) شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (٥-٢٢١٦) [تحقيق عبد العزيز أحمد]، وانظر فيما سبق قواعد في بيان حقيقة الإيمان للشيخاني (٣٠٨،٣١٤)، والموسوعة الفقهية الكويتية (٤-٢٦٦،٢٧٣)
(١٢) فتح الباري لابن رجب (١-١١٧) [دار ابن الجوزي ، ط٢، ١٤٢٢هـ]
(١٣) فتح الباري للكشميري (١-٩٤)
(١٤) الأم للشافعي (٦-١٦٥)
(١٥) جامع العلوم والحكم (٨٤-٨٥) [مؤسسة الرسالة]، والفواكه الدواني للنفراوي (٢-٦٦٨) [دار الفكر]، وحاشية العدوي (١-٥١٧) [دار الفكر]، والشرح (٢-٢٠)، وقواعد في بيان حقيقة الإيمان للشيخاني (٢٩٧،٣٠١)،  [دار أضواء السلف، ط١، ١٤٢٦هـ]
(١٦) أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم ٣٩٢)
(١٧) شرح النووي على صحيح مسلم (١-٢١٢) [دار إحياء التراث العربي، ط٢، ١٣٩٢هـ]
(١٨) شرح السنة للبغوي (١-٧٠) [المكتب الإسلامي، ط٢، ١٤٠٣هـ]
(١٩) تفسير البغوي (٧٠) [مؤسسة الرسالة، ١٤٢١هـ]
(٢٠) مقالات الإسلاميين للاشعري (٧٩) [دار إحياء التراث العربي، ط٣]، والتبصير في الدين للأسفراييني (٠٧) [دار عالم الكتب، ط١، ٥١٤٠٣ـ]، والفرق بين الفرق للبغدادي (١٨) دار الآفاق الجديدة، ط٢، ١٩٧٧هـ]، والملل والمحل للشهرستاني (١-١٣٢) [دار المعرفة، ١٤٠٤هـ]، شرح المواقف للإيجي (٦٩٥) [دار الجيل، ط١، ١٤١٧هـ]
(٢١) كشف الشبهات (١٠٧)
(٢٢) سورة النساء، الآية ٩٤
(٢٣) متفق عليه.
(٢٤) كشف الشبهات (١٠٧)
أحدث أقدم