تعريف الإله في الإسلام

تعريف-الإله-في-الإسلام

تعريف الإله في اللغة


الإله: من أَلَهَ يَأْلَهُ؛ بمعنى؛ عبدَ.

قال الزجاجي: إِله فعال بمعنى مفعول؛ كأنه مألوه؛ أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلّهونه، ومعنى قولنا: إله إنما هو الذي يستحق العبادة، وهو الله تعالى المستحق دون من سواه.

فالإله على وزن فعال، يقال: ألِهَ يَألَه إِلَهَةً وأُلوهِيةً وأُلْهانية، فهو إلاه، بمعنى مألوه؛ فِعال بمعنى مفعول؛ أي: معبود، والتَّأَلُّه: التَّعَبُّد، فلما دخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا؛ لكثرته في الكلام، وقُطعت الهمزة قي النداء للزومها تفخيمًا لهذا الاسم. (١)

تعريف الإله شرعا


الإله : هو المألوه المعبود، المستحق لإفراد بالعبادة، لما اتصف به من صفات الكمال والجلال. (٢)

وقال الطبري: (الألوهية هي العبادة، وإن الإله هو المعبود)، ثم نقل أثرًا عن ابن عباس أنه قرأ: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) قال: (عبادتك). (٣)

اقرأ أيضا: معنى الإله لغة وشرعا

ما معنى كلمة الإله


دلَّ القرآن الكريم والسنة النبوية على أن الإله بمعنى المألوه المعبود، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا). (٤)

حيث اتفق المفسرون على أن قول (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ) تفسير لقوله (كَلِمَةٍ).

وقال تعالى: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) (٥) ، وقوله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ). (٦)

وعن أبي هريرة في قصة سؤال جبريل للنبي ﷺ حين قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). (٧)

قال الحافظ ابن حجر : ولما عبَّر بالعبادة احتاج إلى أن يوضحها بقوله: (لا تشرك به شيئا)، ولم يحتج في رواية عمر، لاستلزامها ذلك. (٨)

وعن معاذ بن جبل؛ أن النبي ﷺ لما بعثه إلى اليمن قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس). (٩)

والأحاديث في بيان أن الإله بمعنى المألوه المعبود كثيرة جدا، يطول ذكرها.

ولم ينقل عن الصحابة لمعنى الإله معنى آخر سوى أنه (المعبود)، وقد بيَّن ابن عباس أن اسمه تعالى (الله) بقوله: (ذو الألوهية والعبودية على خلقه) (١٠). وقد قرأ قوله تعالى (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) بكسر الهمزة؛ أي: (عبادتك).

فتفسير الإله بأنه المعبود: (هو إجماع من أهل العلم من السلف والخلف، خلافا لما يعتقده عباد القبور والمتكلمون وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع  أو نحو هذه العبارات). (١١)

وجماع القول: أن القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة فمن بعدهم من أهل العلم واضح تماما في تفسير (إله) بأنه المعبود، وأن التفاسير الواردة بخلافه تفاسير ومعان مخترعة مبتدعة لا مستند لها من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب وإمام لغة معتبر.

المسائل المتعلقة بمعنى الإله

المسألة الأولى: أن من أسماء الله تعالى الحسنى (الإله):

قال تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (١٢)، وقال تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا) (١٣)، وقال: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) (١٤).

وأجمع وأحسن ما قيل في معنى هذا الاسم ولفظ الجلالة (الله): ما ورد عن ابن عباس أنه قال: (الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين). (١٥)

قال ابن تيمية في بيان معنى اسم الإله: والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد، ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده، وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل. (١٦)

ثم قال: فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِين) (١٦)، وقال تعالى: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا). (١٧) (١٨)

ولفظ الجلالة واسمه تعالى (الله) مشتق من الإله كما قاله ابن عباس.

قال ابن القيم: القول الصحيح: أن الله أصله الإله، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شد منهم. (١٩)

ولفظ الجلالة (الله) لا يؤخذ منه صفة فعلية - كالخلق والرزق ونحو ذلك - إنما يدل على صفة ذاتية هي استحقاقه تعالى للعبادة، وهذا يدل على خطأ فهم أهل الكلام لمعنى الإله ولما يدل عليه اسمه تعالى (الله)، حيث فهموا أنه يدل على صفة فعلية هي الخلق والقدرة على الاختراع وقد بيَّن الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى عدم صحة دلالة اسمه تعالى (الله) على صفة فعلية حيث قال: "وليس (الله) من الأسماء التي يجوز فيها اشتقاق فعل كما يجوز في (الرحمن الرحيم)". (٢٠)

المسألة الثانية: أن تسمية المشركين لمعبوداتهم التي يعبدونها من دون الله (آلهِة) لا يمنحها شيئا من خصائص الألوهية ولا يعطيها حق الألوهية:

كما قال تعالى في شأن اللات والعزى ومناة (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) (٢١)، وحكى عن يوسف قوله لصاحبي السجن: (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) (٢٢)، وحكى عن إبراهيم قوله لأبيه (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (٢٣).

المسألة الثالثة: قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (٢٥)

وهذه الآية ليس فيها دليل للحلولية من الجهمية على أن الله تعالى وتقدس حالٌّ في الأرض، ولا أن الإله متعدد، وإنما معناها: أن الله تعالى معبود في السماء والأرض، وهذا فيه إغراء وحث على الالتزام بالتوحيد لأهل الأرض بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا كما عبده أهل السماء فلم يشركوا به أحدًا. (٢٦)

المسألة الرابعة: كل معبود فهو إله سواء كان بحق أو بباطل:

كما قال تعالى عن آلهة المشركين: (فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍۢ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ) (٢٧)، فسمى الله تعالى معبودات المشركن آلهة، لكنها آلهة باطلة، أما اتصاف الله تعالى بالإلهية فهو الحق. (٢٨)

مذهب المخالفون

اختلف المخالفون لأهل السنة والجماعة فى تعيين أخص وصف الإله على أربعة أقوال:

الأول: مذهب الفلاسفة الذين قالوا : إن أخص وصف الإله هو وجوب الوجود.

الثاني: وهو مذهب المعتزلة القائلين بأن أخص وصف الإله هو القدم، وهذا مبني على مذهبهم في نفي الصفات، وأنه لا يوصف الرب تعالى إلا بالقدم، ومن وصفه بسائر صفاته المثبتة في القرآن والسنة فإنه قائل بتعدد الإله، فجعلوا القول بالصفات يلزم منه تعدد الآلهة.

الثالث: وذهب المتكلمون من الأشعرية ومن وافقهم إلى أن أخص وصف الإله: هو القدرة على الاختراع، فرتبوا عليه القول بأن الإله معناه: (القادر على الاختراع)، فقد نسب البغدادي إلى أبي الحسن الأشعري أنه اختار هذا القول، فقال: (واختلف أصحابنا في معنى الإله، فمنهم من قال: إنه مشتق من الإلهية، وهي قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبى الحسن الأشعري). (٢٩)

وذكر الرازي مذاهب الناس في أصل اشتقاق اسم الله تعالى فقال: "القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قال: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)؟؛ قال موسى في الجواب: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال". (٣٠)

وبهذا التفسير لمعنى إله ظن أهل الكلام أنهم قد أتوا بالتوحيد وحققوا منه غايته وأن عبادة غير الله؛ كدعاء الأموات والاستغاثة بهم في الكربات وسؤالهم قضاء المحاجات، والنذر لهم في الملمات، وسؤالهم الشفاعة عند رب الأرض والسماوات، إلى غير ذلك من أنواع العبادات؛ لا يتنافى مع هذا التوحيد.

وقد ترتب على هذا التفسير مفاسد كثيرة:
  • منها: أن الإقرار بالربوبية أول واجب على المكلف، وهذا من أعظم الباطل لمخالفته القرآن والسنة ودعوات الأنبياء لأقوامهم وحال المشركين.
  • ومنها: إغفال توحيد الألوهية وعدم الاعتناء به، وهذا ما أوقع فئامًا منهم في الإشراك بالله، من الاستعانة بغير الله، والذبح لغيره وغير ذلك من صرف حق الله تعالى لغيره من الأنداد.
  • ومنها: أن الذي قالوه هو الذي فتح باب الشرك على المسلمين؛ لظنهم أن التوحيد هو إفراد الله بالربوبية.

الرابع: مذهب من قالوا أن توحيد الألوهية مجرد عن العبادة. (٣١)

المصادر والمراجع

(١) العين (٤-٩٠) [دار ومكتبة الهلال، ط١]، وتهذيب اللغة (٦-٤٢٢) [الدار لمصرية، ط١، ١٣٨٧هـ]، والصحاح (٦-٢٢٢٣) [دار العلم للملايين، ط٤]
(٢) قاعدة حسنة فى الباقيات الصالحات (٤٦-٤٧) [أضواء السلف،ط٢]، وقاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادة واستعانة (٦٦) [دار العاصمة، ط١]، ومنهاج السنة النبوية (٣-٣٣٤،٣٣٥) [جامعة الإمام، ط١، ١٤٠٦هـ]، وبدائع الفوائد (٢-٢١٢) [دار الخاني، ودار الخير، ط١، ١٤١٤هـ]
(٣) تفسير الطبري (١-١٢٣) (٤-٩٠) [مؤسسة الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، ط١، ١٤٢٠هـ]
(٤) سورة آل عمرآن، الآية ٦٤
(٥) سورة يس، الآية ٢٢
(٦) سورة الزخرف، الآية ٥٤
(٧) أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم ٥٠)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ٩)
(٨) فتح الباري لابن حجر (١-١١٩)
(٩) أخرجه البخاري (كتاب الزكاة، رقم ١٤٥٨)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ١٩)
(١٠) أخرجه الطبري في التفسير (١-١٢٣) [مؤسسة الرسالة، ط١]
(١١) تيسير العزيز الحميد (٦٧)
(١٢) سورة البقرة، الآية ١٦٣
(١٣) سورة التوبة، الآية ٣١
(١٤) سورة الأنبياء، الآية ١٠٨
(١٥) أخرجه الطبري في التفسير (١-١٢٣) [مؤسسة الرسالة، ط١]
(١٦) سورة الشعراء، الآية ٢١٣
(١٧) سورة الإسراء، الآية ٢٢
(١٨) مجموع الفتاوى (١٣ - ٢٠٢، ٢٠٥)
(١٩) بدائع الفوائد (٢-٧٨٢) [دار عالم الفوائد]
(٢٠)  كتاب العين (٤-٩١)
(٢١) سورة النجم، الآية ٢٣
(٢٢) سورة يوسف، الآية ٤٠
(٢٣) سورة الأنعام، الآية ٧٤
(٢٤) مجموع الفتاوى (١٣ - ٢٠٢، ٢٠٥)
(٢٥) سورة الزخرف، الآية ٨٤
(٢٦) طلب الحسنى في إحصاء أسماء الله الحسنى (١٨ ، ١٩ ) [دار ابن الجوزي، ط١، ١٤٢٩هـ]
(٢٧) سورة هود، الآية ١٠١
(٢٨) لسان العرب (١٣-٤٦٧)
(٢٩) أصول الدين للبغدادي (١٢٣)
(٣٠) شرح أسماء الله الحسنى للرازي (١٢٤) 
(٣١) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا": وهذا الحق تفضل الله به على عباده، ولم يوجبه عليه أحد، ولا تظن أن قوله: "من لا يشرك به شيئا" أنه مجرد عن العبادة، لأن التقدير: من يعبده ولا يشرك به شيئا، ولم يذكر قوله: "من يعبده"، لأنه مفهوم من قوله: "وحق العباد"، ومن كان وصفه العبودية، فلا بد أن يكون عابدا. ومن لم يعبد الله ولم يشرك به شيئا; هل يعذب ؟ الجواب: نعم، يعذب، لأن الكلام فيه حذف، وتقديره: من يعبده ولا يشرك به شيئا، ويدل لهذا أمران: الأول: قوله: "حق العباد"، ومن كان وصفه العبودية؛ فلا بد أن يكون عابدا. الثاني: أن هذا في مقابل قوله فيما تقدم: "أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا"؛ فعلم أن المراد بقوله: "لا يشركوا به شيئا"؛ أي: في العبادة. المصدر: شرح القول المفيد على كتاب التوحيد، الجزء الأول، الصفحة: 42.
أحدث أقدم