معنى الرب في الإسلام

معنى-الرب-في-الإسلام

معنى كلمة الرب في اللغة


يطلق الربّ في اللغة على معان منها: المالك، قال الله تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) (١)، والمصلح ؛ رَبَّ الشيءَ؛ أي: أصلحه (٢)، قال ابن الأثير: (الربّ يطلق في اللغة على المالك، والمدبر والمربي، والقيم، والمنعم) (٣). ومن المعاني: الخالق والصاحب، قال ابن فارس: (فالرب: المالك، والخالق، والصاحب). (٤) ، ومن هذا المعنى قوله ﷺ في ضالة الإبل (فذرها حتى يلقاها ربها) أي: مالكها وصاحبها. وقال ابن كثير: (والرب هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح). (٥)

معنى الرب في الشرع


أما معنى الربّ في الشرع الإسلامي: فهو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأخص من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم. (٦)  قال ابن جرير الطبري في تعريف الربّ: (ربنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبه لهُ، ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر). (٧)

وقال ابن تيمية: (الربّ هو المربي، الخالق الرازق الناصر الهادي). (٨) 

معنى الرب في الإسلام


العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي


جميع المعاني اللغوية ثابتة لله ﷻ وأنه الأكمل فيها على الإطلاق، وإن ثبت من المعاني شئ لغير الله فمقيدة أو مضافة.

الحكم الشرعي

وجوب إثبات اسم الربّ لله ، ووجوب الإيمان بأنه له الربوبية العامة المطلقة.

الحقيقة

تطلق جميع أسماء الله ﷻ عليه حقيقة، كما أن بعض معاني تلك الأسماء تطلق على المخلوق حقيقة، لكن الحقيقة تختلف بين الخالق والمخلوق، فكل له حقيقة تناسبه، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما، وللربِّ تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به، ويتضمن اسم الرب من المعاني كمال المالكية، والسؤدد، والتدبير، والربوبية، والقيومية، والخالقية.

قال القرطبي: (فالله هو على الحقيقة مدبر لخلقه، ومربيهم وجابرهم، القائم بأمورهم، قيوم الدنيا والآخرة، كل شيء خلقه، وكل مذكور سواه عبده، وهو سبحانه ربه، لا يصلح إلا بتدبيره، ولا يقوم إلا بأمره، ولا يربه سواه). (٩)

الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية

  • ورد هذا الاسم مضافا في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة، منها في بداية القرآن: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (١٠)، ومنها في ختم القرآن: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١١)، ومنها قوله عن عيسى: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) (١٢)، وهذا في القرآن كثير جدّا.
  • وورد غير مضاف في قوله تعالى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (١٣)، وفي قوله تعالى: ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).(١٤)
  • وورد مضافا وغير مضاف في قوله :( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ). (١٥)
  • وورد في السنة مضافا في حديث عائشة: أن الرسول ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح). (١٦)
  • وورد محلى بأل في قوله ﷺ: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب). (١٧)
  • وورد غير مضاف ولا محلى بأل في قوله ﷺ: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً). (١٨)

أقوال أهل العلم

قال ابن منده: (ومن أسماء الله عز وجل: الرب، رب كل شيء ومليكه وهو من الأسماء المستعارة لعبده إذا ملك قيل ربه). (١٩)

ونقل القرطبي إجماع الأمة على إثبات اسم الرب لله تعالى. (٢٠)

وقال ابن تيمية: (وجميع ما يفعل الله بعبده من الخير من مقتضى اسمه الرب، ولهذا يقال في الدعاء: يا رب! يا رب!) كما قال آدم عليه السلام: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (٢١)... وكذلك سائر الأنبياء). (٢٢)

المسائل المتعلقة : معنى الرب في الإسلام

المسألة الأولى: حكم إطلاق الرب على غير الله تعالى

لا يقال الرب في غير الله إلا بالإضافة؛ فلا يقال (الرّب) معرّفا بالألف واللام مطلقا إلا لله لأنه مالك كل شيء (٢٣)، وإذا أطلق على غيره أضيف كربّ الإبل وربّ الدار.

المسألة الثانية: ربوبيته عامة وخاصة

تربيته تعالى لخلقه نوعان : عامة وخاصة.
  • فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
  • والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. (٢٤)

المسألة الثالثة: هل الرب هو اسم الله الأعظم؟

قال القرطبي بعد أن نقل إجماع الأمة في إثبات اسم الرب لله تعالى: (قيل: إنه اسم الله الأعظم) (٢٥)، ولم أقف على أحد من أهل العلم المحققين ممن عدّه اسم الله الأعظم، ولم أقف على مستند لمن عده من اسم الله الأعظم، 

قد ورد في بعض الأحاديث اسم الله الأعظم كحديث: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد)، قال: فقال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب،  وإذا سُئل به أعطى) (٢٦)، 

وكذلك في حديث: (اللهم إني أسألك بأنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، المنان، بديع السَّماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي، يا قيوم)، فقال النبي ﷺ: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب،  وإذا سُئل به أعطى). (٢٧)

ففي هذين الحديثين يوجد اسم الله الأعظم بنص صريح من النبي ﷺ، ولا يوجد فيه اسم (الرب) فدل على أن اسم الله الأعظم هو غير اسم (الرب).

ثمرات هذا الاسم

من ثمرات هذا الاسم المبارك: كثرة دعاء الداعي بهذا الاسم؛ لأنه من التربية كما تقدم، فيدعوه الداعي بهذا الاسم ليصلح حاله إلى أحسن الأحوال، ولذا كثرت الأدعية به في القرآن الكريم، وفي الحديث: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب) (٢٨)، وإذا علم العبد وآمن بأن الله هو ربه؛ أي مالكه ومعبوده، وسيده المطاع، ومدبر أمره كله، ومربيه من النطفة إلى أكمل الخلق ثم من الصغر إلى ما هو فيه، والمنعم عليه على الحقيقة، فلا يلتجئ في شيء من الأشياء لغير ربه، فيخلص له العبادة، بأخص أخصها وهو الدعاء.

المصادر والمراجع

(١) سورة يوسف، الآية ٤١
(٢) تهذيب اللغة (١٥-١٧٧) [دار الكاتب العربي، ١٩٧٦م]
(٣) النهاية في غريب الحديث (١-٦٢١) [دار المعرفة، ط٢، ١٤٢٧هـ]
(٤) مقاييس اللغة (٢-٣٨١)  [دار الفكر، ط٢، ١٣٩٩هـ]
(٥) تفسير ابن كثير (١-٢٣)
(٦) تفسير السعدي (١-١) [مؤسسة الرسالة، ط١]
(٧) جامع البيان (١-١٤٢) [مؤسسة الرسالة، ط١]
(٨) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٤-١٣)
(٩) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1-٣٩٥)
(١٠) سورة الفاتحة، الآية ٢
(١١) سورة الناس، الآية ١
(١٢) سورة آل عمران، الآية ٥١
(١٣) سورة يس، الآية ٥٨
(١٤) سورة سبأ، الآية ١٥
(١٥) سورة الأنعام، الآية ١٦٤
(١٦) أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم ٤٨٧)
(١٧) أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم ٤٨٩)
(١٨) أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم ٣٤)
(١٩) التوحيد لابن منده (٢-٥٧) [مكتبة العلوم والحكم، ط١، ١٤٢٣هـ]
(٢٠) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (١-٣٩١)
(٢١) سورة الأعراف، الآية ٢٣
(٢٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (١-٢٠٨)
(٢٣) اشتقاق أسماء الله للزجاجي (٣٢) [مؤسسة الرسالة، ط٢، ١٤٠٦هـ]، وأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة (٢-١٢٥) [دار الرضوان، ط١، ١٤٢٥هـ]
(٢٤) تفسير السعدي (٣٩) [مؤسسة الرسالة، ط١، ١٤٢٠هـ]، وانظر: شرح العقيدة لابن عثيمين (٢٨٥) [دار ابن الجوزي، الرياض، ط٥، ١٤١٩ هـ]، وشرح رياض الصالحين له (٢-٢٥٩) [دار الوطن، ط١، ١٤٢٦هـ]
(٢٥) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (١-٣٩١)
(٢٦) أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم ١٤٩٣)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم ٣٤٧٥ )، )، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم ٣٨٥٧)، وأحمد (٣٨-٤٥) [مؤسسة الرسالة، ط١]، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (٥-٢٢٩) [مؤسسة غراس، ط١].
(٢٧) أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم ١٤٩٥)، الترمذي (ابواب الدعوات، رقم ٣٥٤٤) ، والنسائي (كتاب السهو، رقم ١٣٠٠)، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم ٣٨٥٨)، وابن حبان (كتاب الرقائق، رقم ٨٩٣)، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم ١٨٥٦)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (٥-٢٣٣) [موّسسة غراس للنشر والتوزيع، ط١، ١٤٢٣هـ]
(٢٨) أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، .رقم ١٠١٥)
أحدث أقدم