الفرق بين معنى الإله و الرب

الفرق-بين-الإله-والرب


إن ما ذهب إليه المتكلمون في تفسيرهم لمعنى (الإله) بالخالق الصانع، (والألوهية) بالقدرة على الاختراع، وتفسيرهم لكلمة (التوحيد) لا إله إلا الله : بلا خالق إلا الله، أو لا إله موجود إلا الله، إن هذا المذهب باطل مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول.

كما أنهم أخطأوا أيضا في تصورهم لمعنى الشرك حيث اعتقدوا أن الشرك إنما يكون في توحيد الربوبية (فقط) وفسره بأنه اعتقاد الشركة مع الله في الربوبية، ونتيجة لهذا المعتقد المخالف لصحيح المنقول فقد خلت مصنفاتهم من توحيد الألوهية لأنه توحيد الربوبية الذي جعلوه الغاية من بعثة الرسل.

ويرجع أسباب ضلالهم في باب توحيد الألوهية إلى خطؤهم في تصور التوحيد الذي أرسل الرسل من أجله، وخطؤهم في تصور الفرق بين معنى الرب والإله؛ والفرق بين الله والرب؛ ولكننى أحب أن أذكر بأن أصل منشأ قولهم هو الإرجاء وتفسير الإله بالقادر على الاختراع.

معنى الإله والألوهية لغة


الألوهية هي مصدر أله يأله، قال الجوهري: (أله بالفتح: إلاهة؛ أي عبد عبادة، ومنه قرأ ابن عباس: (ويذرك وإلهتك) (١) بكسر الهمزة قال: (وعبادتك) (٢) وكان يقول: إن فرعون كان يعبد في الأرض (٣) ومنه قولنا: (الله) وأصله: (إله) على فعال بمعنى مفعول أي معبود، كقولنا: إمامٌ فِعَالٌ: لأنه مفعول أي مؤتم به). (٤)

قال ابن فارس: (الهمزة واللام والهاء أصل واحد، يدل على التعبد). (٥)

ولفظ الجلالة "الله" أصله "إله" على فعال بمعنى مفعول، وهو مألوه أي معبود، وسميت الأصنام آلهة؛ لاعتقادهم أن العبادة تحق لها، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم، لا ما عليه الشيء في نفسه، (٦)

وأما الألوهية فهي مصدر أَلِه يَأْله، أي عبد عبادة، والتأله التعبد والتنسك، والتأليه التعبيد، ومنها قوله تعالى: (ويذرك وإلهتك) ، بكسر الهمزة فيها (٧) - أي يذرك وعبادتك. (٨)

معنى كلمة الله والألوهية شرعا


لفظ الجلالة "الله" علم على الرب تعالى، وهو يدل على ذاته تعالى، وعلى صفة الألوهية، ولا يطلق على غيره، وهو متضمن لجميع معاني الأسماء الحسنى، وجميع صفات الكمال، (٩) ويدل على أنه مألوه معبود، تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب، (6) والألوهية هي صفة لله تعالى، تعني استحقاقه تعالى للعبادة. (١٠)

وعلى هذا: فإن الألوهية صفة لله تعالى تعنى استحقاقه للعبادة بما له من الأسماء والصفات والمحامد العظيمة (١١) ولذلك قال ابن عباس: (الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين). (١٢)

معنى توحيد الألوهية


إن تعريف توحيد الألوهية مأخوذ مما دلت عليه النصوص الشرعية، (١٣) وما أشار إليه علماء السلف المتقدمين، (١٤) ومعناه عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، (١٥) فلا يعبد إلا الله تعالى وحده، ولا يدعی إلا هو، ولا يلتجأ لكشف الضر إلا إليه، ولا لجلب الخير إلا إليه، ولا ينذر إلا له، ولا يذبح إلا له، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا منه سبحانه، ولا يستعان ولا يستغاث إلا به وحده، إلى غير ذلك من أنواع العبادة، كالرغبة والرهبة،(١٦) والإنابة، والخشوع، والتأله له، والخضوع والذل، والحب والافتقار. (١٧)

وتوحيد الألوهية له شروط وأركان، (١٨) ويسمى توحيد الألوهية، باعتبار إضافته إلى الله تعالى، وتوحيد العبادة والعبودية باعتبار إضافته إلى الخلق، ويطلق عليه كذلك توحيد الله تعالى بأفعال العباد، وتوحيد العمل، وتوحيد القصد والطلب. (١٩)

معنى كلمة رب لغة


الراء والباء في كلمة رب تدل على أصول أربعة، وهي:
  1. إصلاح الشيء والقيام عليه، ولذلك يطلق الرب على المصلح للشيء، والله تعالى هو الرب؛ لأنه مصلح أحوال خلقه. (٢٠)
  2. لزوم الشيء، والإقامة عليه. (٢١)
  3. ضم الشيء للشيء، وهناك تناسب بين هذه المعاني الثلاثة. (٢٢)
  4. مأخوذ من التربية، وهي: "إنشاء الشيء حالا حالا إلى حد التمام، (٢٣)

والرب مصدر مستعار للفاعل، (٢٤) فأصل الكلمة راب، والرب له معاني ووجوه ينصرف إليها، فهو يطلق على المالك ، السيد ، المدبر ، المربي ، القيم ، المنعم . (٢٥)

مدلول كلمة رب وربوبية شرعا


الرب هو اسم من أسماء الله تعالى، فالله تعالى هو رب كل شيء، وله الربوبية على جميع الخلق، ولا يقال الرب في غير الله تعالى إلا بالإضافة، (٢٦) وحينما يطلق الرب على الله تعالى فإنه ينصرف إلى معان كثيرة، فيأتي بمعنى السيد الذي لا شبه ولا مثل له، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر، 

يقول ابن تيمية: (والرب هو الذي يربي عبده، فيعطيه خلقه، ثم يهديه إلى جميع أحواله من العبادة وغيرها)،  (٢٧) والرباية والربوبية هي مصدر رب يرب، إلا أن الربوبية تُقال لله تعالى، فهي صفته، والرباية في غيره، ولا يصح إطلاقها على الله تعالى. (٢٨)

تعريف توحيد الربوبية


عرف أهل السنة والجماعة توحيد الربوبية بتعريفات متعددة، ولكنها تدور حول إفراد الله تعالى بأفعاله المتعدية، والإقرار بأنه المتفرد الذي لا شريك له، ولا ندَّ له، (٢٩) مع الاعتقاد الجازم بذلك،

ومن أبرز التعريفات: أنه شهادة "قيومية الرب فوق عرشه يدبر أمر عباده وحده، فلا خالق، ولا رازق، ولا معطي، ولا مانع، ولا مميت، ولا محيي، ولا مدبر الأمر المملكة ظاهرة وباطنة غيره، (٣٠)

وهناك من عرفه بأنه توحيد الله تعالى بأفعاله، (٣١)

ولكن يرِد على هذا التعريف أفعال الله تعالى اللازمة، كالنزول والضحك والغضب، فهذه لا تدخل في توحيد الربوبية، وأما الأفعال المتعدية كالخلق والرزق والتدبير فهي المقصودة في توحيد الربوبية، ولذلك فإن الأدق تخصيص التعريف بأفعال الله تعالى المتعدية. (٣٢)

وهناك أسماء أخرى لتوحيد الربوبية، ومنها: توحيد المعرفة والإثبات، والتوحيد العلمي الخبري الاعتقادي.

يطلق الرب على الإله لا العكس

الرب لغة: تقدم معناه، والإله في اللغة: هو المعبود، ويطلق الرب على الإله لا العكس، فلا يطلق الإله على معنى الرب، ومن أدلة إطلاق الرب على الإله، قول زيد بن عَمْرِو بن نفيل من حنفاء الجاهلية: (أرباً واحداً أم ألفَ ربٍ  أدينُ إذا تقسمتِ الأمورُ عزلتُ اللات والعزى جميعاً كذلك يفعلُ الجلِدُ الصبور) (٣٣) 

وقول راشد بن عبد ربه السلمي عند الصنم، إذ أقبل ثعلبان فرفع أحدهما رجله فبال على الصنم، فأنشد قائلا: (أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب) (٣٤)،

ففي البيتين معنى الرب هو الإله المعبود، كما يدل عليه السياق، إذ لم يكن مشركو مكة يقرون بربوبية اللات والعزى بمعناه الخالق المالك، المصلح، وإنما كانوا يعبدونها ويألهونها، كما يدل على ذك قول الله تعالى: 

(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (٣٥)

قال الطبري: (ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: الله خلقنا. (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم، ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته). (٣٦)

وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى). (٣٧)

وقوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ).

وقد جاء الرّب بمعنى الإله المعبود في حديث سؤال الملكين فى القبر: (من ربك؟) (٣٨)؛ أي: من إلهك الذي كنت تعبده؟ وليس السؤال عن الخالق المالك المدبر؛ إذ لا يوجد من ينكر ذلك؛ بل جميع الأمم متفقون على ربوبية الله إلا من شذ منهم، وإنما الخلاف، في إلهيته ومعبوديته.

فعلم مما سبق: أن الإله والرب كلمتان متغایرتان في مفهوميهما. فالقول بأن معنى الإله: (القادر على الاختراع) كما سبق ذكره عن المتكلمين قول مبتدع لا يعرف عند العلماء المحققين ولا عند أحد من أئمة اللغة، وإنما هو قول مبتدع في اللغة والشرع.

المصادر والمراجع

(١) سورة الأعراف، الآية ١٢٧
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (١-٥٤)
(٣) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (١-٥٤)، ولفظه : (إنما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد)
(٤) الصحاح للجوهري (٢-٢٢٢٣) مادة (أله) وانظر تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (٢٦)
(٥) انظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (١٢٧-١)
(٦) انظر: الجوهري، الصحاح (٦-٢٢٢٤)، ابن فارس، مقاييس اللغة (١٢٧-١)
(٧) وهي قراءة شاذة في الآية.
(٨) انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم هو مُعجم عربي من تأليف نشوان بن سعيد الحميري اليمني المتوفي عام 573 هـ، (٣-١٠٠)
(٩) انظر: ابن حجر، فتح الباري (١٧-٣٤٧)، والسفاريني، لوامع الأنوار البهية (١-٣٢)
(١٠) انظر: ابن تيمية، العبودية (ص ٥٣)، ابن القيم، مدارج السالكين (١-٥٦)، المؤلف نفسه، بدائع الفوائد (١-٢٤)
(١١) شرح العقيدة الواسطية (١١)
(١٢) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (١-٥٤) 
(١٣) الآيات القرآنية التي تدل على هذا التوحيد كثيرة جدا، فكل آية ذكرت فيها العبادة نصا، أو ذكر فيها أحد أنواعها هو دليل على هذا التوحيد، ومن أمثلة ذلك: [البقرة: ٢١]، [البقرة:٨٣]، یونس:١٠٤]، [النحل:١١٤]، [الكهف:١٦]، [الأنبياء:٢٥]، [النور:٥٦]، [العنكبوت:٥٦]، [فصلت:٣٧]، [الزخرف:٤٥]، [الذاريات:٥٦]، وأما الأحاديث التي دلت على توحيد الألوهية فسيتم ذكرها عند الحديث عن معنى توحيد الألوهية. 
(١٤) انظر: ابن بطة، الإبانة الكبرى (٢-٨٦٤)، ابن منده، الإيمان (١-٣٦٩)، الطحاوي، العقيدة الطحاوية (١-٣١)
(١٥) انظر: ابن تيمية، العبودية (٥٣)، ابن القيم، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (٤٦)،  وطريق الهجرتين وباب السعادتين (٩٨)
(١٦) انظر: ابن حميد، التوحيد وبيان العقيدة السلفية النقية (١-٢١)
(١٧) انظر: ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية (٦٤)، الصنعاني والشوكاني، تطهیر الاعتقاد من أدران الإلحاد (١-٥٠)، السفاريني، لوامع الأنوار البهية (١-١٢٩)، السعدي، القول السديد شرح كتاب التوحيد (١-١٩).
(١٨) لمعرفة شروط توحيد الألوهية وأركانه، انظر: الحكمي، معارج القبول (٢-٤١٩،٤٢١)، والأشقر، العقيدة في الله (٢٥٧،٢٥٩)
(١٩) انظر: ابن عثيمين، شرح العقيدة الواسطية (١-٢٤)
(٢٠) انظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (٢-٣٨٣)
(٢١) انظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (٢-٣٨٣)
(٢٢) المصدر السابق، بتصرف (٢-٣٨٣)
(٢٣) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن (١-١٨٤)
(٢٤) انظر: ابن منظور، لسان العرب (١-٣٩٩)
(٢٥) انظر: المصدر السابق (١-٤٠٠). 
(٢٦) الطبري، جامع البيان، بتصرف (١-١٤٢). 
(٢٧) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (١-٢٢)
(٢٨) انظر: الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن (١-١٨٤)
(٢٩) انظر: القيرواني، مقدمة أبي زيد القيرواني (١-٥٦)، ابن تيمية، مجموع الفتاوى (٢-٣٥)، ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية (١٢)، السفاريني، لوامع الأنوار البهية (١-١٢٨،١٢٨)، ابن عبد الوهاب، الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٢٢٢)، الحكمي، معارج القبول (١-٩٧)، الأزهري، الثمر الداني (١-٥٠)
(٣٠) ابن القيم، مدارج السالكين (٣-٤٧١)
(٣١) انظر: ابن عبد الوهاب، التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق (١-١٧٩)، الحمد، أنواع التوحيد الثلاثة (١-٢)
(٣٢) ابن عیسی، توضیح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم (١-٣٤٧)، السلمي، شرح كتاب التوحيد (٦١٢)
(٣٣) الملل والنحل للشهرستاني (٢-٢٤٤)
(٣٤) الخصائص الكبرى للسيوطي (٢-١٩٤) (باب ما وقع  فى قدوم راشد بن عبد ربه) والبيت الراشد
(٣٥) سورة الزخرف، الآية ٨٧
(٣٦) تفسير الطبري (٢١/٦٥٥)
(٣٧) سورة الزمر، الآية ٣
(٣٨) أخرجه البخارى (كتاب الجنائز، رقم ١٣٦٩)، ومسلم (كتاب الجنةوصفة نعيمها، رقم ٢٨٧١) واللفظ له
أحدث أقدم