تعريف الرب في اللغة
فقد وردت كلمة (رب) لعدة معان في معاجم اللغة، ولكنها عند التحقيق ترجع إلى ثلاثة أصول، وهي:
أولا: بمعنى مالك الشيء وصاحبه، ومنه : فلان رب الدار أي صاحبها ومالكها، ورب الدابة كذلك، وكل من ملك شيئا فهو ربه. (١)
قال الزبيدي : ( الرب هو الله عز وجل، وهو رب كل شيء أي مالكه، وله الربوبية على جميع الخلق لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الملوك والأملاك). (۲)
ثانيا: بمعنى السيد المطاع. (۳)
قال ابن منظور: (ربيت القوم : سستهم، أي كنت فوقهم) (٤)، ويقال: رب فلان قومه: أي ساسهم وجعلهم ينقادون له، ورببت القوم: أي حكمتهم وسدتهم.
ثالثا: تطلق هذه الكلمة كذلك على المصلح للشيء المدبر له ، القائم على تربيته ، حتى قال بعض العلماء: إن كلمة (رب) مشتقة من التربية؛ لأن الله سبحانه مدبر الخلق و مربيهم، ويقال: رب فلان ضيعته: إذا قام على إصلاحها. (٥)
قال الزبيدي: رب ولده والصبي يربه ربًا؛ أحسن القيام عليه ووليه حتى أدرك و فارق الطفولية، كان ابنا أو لم يكن (٦) ومنه يقال للحاضنة: رابة ورابية أيضا؛ لأنه يقوم بها غالبا تبعا لأمها. (٧)
فهذه الأصول الثلاثة لكلمة (رب) التي ذكرها أصحاب المعاجم، وبقية المعاني تندرج في أي أصل من أصولها.
تعريف الرب شرعا
أما كلمة (رب) في القرآن وفي فهم السلف والمفسرين : فهي قد جاءت مستعملة في هذه المعاني الثلاثة المتقدمة ومما يدل على استعمالها على:
المعنى الأول: بمعنی مالك الشيء وصاحبه ؛ قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). (٨) (٩)
قال القرطبي: (أي مالكهم وكل من ملك شيئا فهو ربه) (١٠)، وبه قال الطبري والماوردي (١١) وابن کثیر (١٢).
ومنه حديث: (اللهم رب هذه الدعوة). (١٣)
المعنى الثاني: (بمعنى السيد المطاع).
- قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام : (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ). (١٤)
- وقوله تعالی عنه : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا). (١٥)،
- وقوله تعالى عنه : (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) (١٦)،
- وقوله تعالی عنه : (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ) (١٧).
و به قال الطبري والماوردي والقرطبي وابن كثير. (١٨)
ومنه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن تلد الأمة ربتها). (١٩)
المعنى الثالث: (بمعنى المصلح للشيء المدبر له):
- قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) (٢٠)،
- وقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم) (٢١).
وبه قال القرطبي وابن كثير والإمام الطبري. (٢٢)
ومنه حديث : (هل لك نعمة تربها). (٢٣)
حكم إطلاق الرب على غير الله تعالى
وأما الرب (المحلى بالألف واللام) فلا تدل إلا على الله سبحانه وتعالى لأنها للعهد، ولأنها للعموم فهي بمعنی رب كل شيء وليس كذلك إلا رب العالمين.
وإن حذفتا صار مشتركا بين الله وبين عباده، فيقال : (الله رب العباد، وزید رب الدار) (٢٤)، وعلى هذا انعقد إجماع أهل اللغة والمفسرين ولم يؤثر عن العرب أنهم استعملوا كلمة (الرب) لغير الله تعالى،
قال ابن منظور : (الرب: هو الله عز وجل، هو رب كل شيء: أي مالكه). (٢٥)
ومما تقدم يتبين لنا أن كلمة الرب لا تطلق إلا على الله تعالى، لأنه هو الخالق الرازق المحيي والمميت المالك للخلق كلهم، المدبر لأمرهم،
قال ابن تيمية: (والرب هو الذي يربي عبده فيعطيه خلقه، ثم يهديه إلى جميع أحواله من العبادة وغيرها). (٢٦)
وقال المقريزي: (فالرب مصدر رب یرب ربًا فهو راب، فمعنى قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ): راب العالمين ، فإن الرب سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم وإصلاحهم، المتكفل بصلاحهم من خلق ورزق وعافية وإصلاح دین ودنيا. (٢٧)
وقال ابن القيم عند تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَٰهِ النَّاسِ (3) (٢٨): (وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب... والرب هو القادر الخالق الباري المصور الحي القيوم، العليم السميع البصير ، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي المانع... إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنی). (٢٨)
المصادر والمراجع
(١) لسان العرب لابن منظور (٩٤-٥)، والفيومي في المصباح المنير (۲۲۹-۱) ، وابن فارس في معجم مقاييس اللغة (۲-۳۸۱)
(۲) الزبيدي في تاج العروس (۲۹۰-۱)
(٣) انظر المصدر السابق ، وانظر ما ذكره ابن منظور في لسان العرب: (٩٥،٩٤-٥)
(٤) ابن منظور في لسان العرب (٩٤-٥)
(٥) انظر ماذكره ابن فارس في معجم مقاییس اللغة : (۲/ ۳۸۱)
(٦) انظر ماذكره الزبيدي في تاج العروس (۱-۲۹۱)
(٧) انظر ماذكره الفيومي في المصباح المنير: (۱-۲۲۹) .
(٨) سورة الفاتحة، الآية ۲
(٩) : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١-٩٦)
(١٠) الطبري في جامع البيان (۱-٤٨)
(١١) النكت والعيون (۱-٥٤)
(١٢) تفسير القرآن العظيم لابن کثیر (۱-۲۳)
(١٣) البخاري في الصحيح: كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء : برقم: 114 والترمذي، ، برقم: ۲۱۱ والنسائي برقم: ۹۸۰ ، وأبو داود برقم : 445، وابن ماجه برقم: ۷۲۲.
(١٤) سورة يوسف، الآية ۲۳
(١٥) سورة يوسف، الآية: ٤١
(١٦) سورة يوسف، الآية ٤٢
(١٧) سورة يوسف، الآية ٥٠
(١٨) انظر ما ذكره الطبري: (٤٨-۱)، والقرطبي (۹٦-۱)، وابن کثیر (۱/ ۲۳)، والماوردي (۱-٥٤) في تفاسيرهم.
(١٩) البخاري في الصحيح، برقم: ٥٠، کتاب الإيمان، باب : سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان، ومسلم في الصحيح، کتاب الإيمان ، باب : بیان الإيمان والإسلام والإحسان برقم: ٤
(٢٠) سورة المائدة، الآية ٤٤
(٢١) سورة النساء، الآية ۲۳
(٢٢) القرطبي في تفسيره (۹٦-۱)، وانظر ما ذكره الطبري في جامع البيان (1-٤٧،٤٨، وابن کثیر (۱/ ۲۳)
(٢٣) أحمد في المسند: (۲/ ۲۹۲)
(٢٤) القرطبي في تفسيره (۹٦-۱)، وانظر ماذكره أبو حيان في البحر المحيط (١٩-١)، وابن کثیر في تفسيره: (۱-۲۳)
(۲٥) ابن منظور في لسان العرب: (٩٤-٥)
(٢٦) ابن تيمية في مجموع فتاويه (۱/ ۲۲)
(۲٥) ابن منظور في لسان العرب: (٩٤-٥)
(٢٦) ابن تيمية في مجموع فتاويه (۱/ ۲۲)
(٢٧) المقريزي: تجريد التوحيد المفيد (٥)
(٢٨) سورة الناس، الآيات: ۱-٢-٣.
(٢٩) ابن القيم، بدائع الفوائد (١-٢٤٨)، والتفسير القيم (٥٩٨-٥٩٩)42.
(۲) الزبيدي في تاج العروس (۲۹۰-۱)
(٣) انظر المصدر السابق ، وانظر ما ذكره ابن منظور في لسان العرب: (٩٥،٩٤-٥)
(٤) ابن منظور في لسان العرب (٩٤-٥)
(٥) انظر ماذكره ابن فارس في معجم مقاییس اللغة : (۲/ ۳۸۱)
(٦) انظر ماذكره الزبيدي في تاج العروس (۱-۲۹۱)
(٧) انظر ماذكره الفيومي في المصباح المنير: (۱-۲۲۹) .
(٨) سورة الفاتحة، الآية ۲
(٩) : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١-٩٦)
(١٠) الطبري في جامع البيان (۱-٤٨)
(١١) النكت والعيون (۱-٥٤)
(١٢) تفسير القرآن العظيم لابن کثیر (۱-۲۳)
(١٣) البخاري في الصحيح: كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء : برقم: 114 والترمذي، ، برقم: ۲۱۱ والنسائي برقم: ۹۸۰ ، وأبو داود برقم : 445، وابن ماجه برقم: ۷۲۲.
(١٤) سورة يوسف، الآية ۲۳
(١٥) سورة يوسف، الآية: ٤١
(١٦) سورة يوسف، الآية ٤٢
(١٧) سورة يوسف، الآية ٥٠
(١٨) انظر ما ذكره الطبري: (٤٨-۱)، والقرطبي (۹٦-۱)، وابن کثیر (۱/ ۲۳)، والماوردي (۱-٥٤) في تفاسيرهم.
(١٩) البخاري في الصحيح، برقم: ٥٠، کتاب الإيمان، باب : سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان، ومسلم في الصحيح، کتاب الإيمان ، باب : بیان الإيمان والإسلام والإحسان برقم: ٤
(٢٠) سورة المائدة، الآية ٤٤
(٢١) سورة النساء، الآية ۲۳
(٢٢) القرطبي في تفسيره (۹٦-۱)، وانظر ما ذكره الطبري في جامع البيان (1-٤٧،٤٨، وابن کثیر (۱/ ۲۳)
(٢٣) أحمد في المسند: (۲/ ۲۹۲)
(٢٤) القرطبي في تفسيره (۹٦-۱)، وانظر ماذكره أبو حيان في البحر المحيط (١٩-١)، وابن کثیر في تفسيره: (۱-۲۳)
(۲٥) ابن منظور في لسان العرب: (٩٤-٥)
(٢٦) ابن تيمية في مجموع فتاويه (۱/ ۲۲)
(۲٥) ابن منظور في لسان العرب: (٩٤-٥)
(٢٦) ابن تيمية في مجموع فتاويه (۱/ ۲۲)
(٢٧) المقريزي: تجريد التوحيد المفيد (٥)
(٢٨) سورة الناس، الآيات: ۱-٢-٣.
(٢٩) ابن القيم، بدائع الفوائد (١-٢٤٨)، والتفسير القيم (٥٩٨-٥٩٩)42.