الشرط الجعلي

الشرط-الجعلي

الأصوليون في إطلاقهم للشرط؛ يقصدون منه الشرط الشرعي، وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وكان خارجا عن حقيقة المشروط. أما الفقهاء فإطلاقهم للشرط يقصدون منه الشرط الجعلي ؛ وهو إلزام أحد المتعاقدين الآخر ما له فيه منفعة، وغرض صحيح.

فالشرط الجعلي يكون مشترطا من المكلف نفسه، بحيث تكون تصرفاته ومعاملاته مبينة على وفق ما اشترطه ، كالشروط في العقود بمختلف أنواعها ، شريطة ألا تخالف مقتضى تلك العقود، ولا تصادم نصا من نصوص الشريعة الإسلامية.

الشرط الجعلي


تعريف الشرط الجعلي وهو ما يعتبره المكلف و يعلق عليه تصرفاته. (١) أو هو ما كان توقف المشروط فيه على وجود الشرط بفعل المكلف وجعله (٢) ؛ وهو على قسمين: شرط معلق ، و شرط مقيد .

الشرط المعلق


الشرط المعلق : هو تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة. (٣)  وقيل هو : ربط حصول أمر بحصول أمر آخر. (٤) وعرفه بعضهم بأنه : ما ينشئه الإنسان بتصرفه وإرادته ، ويجعل عقوده، والتزاماته معلقة عليه، بحيث إذا لم يتحقق ذلك الأمر لا تتحقق تلك العقود والالتزامات. (٥)

ويصاغ التعليق (عادة) بإحدى أدوات التعليق في اللغة التي تربط بين حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، كإن، وإذا، ومتى، ومن؛ والجملة التي تدخل عليها الأداة الشرطية تسمى الشرط، أو جملة الشرط، وتدل على الأمر المعلق عليه ؛ والجملة الأخرى تسمى الجزاء أو جملة الجزاء، وتدل على الأمر الإنشائي المعلق من عقد ونحوه. (٦)

مثاله : كما لو قال رجل لامرأته المطلقة رجعية، إن زرت والدي فقد راجعتك ؛ أو قال لعبده ؛ إن حفظت القرآن فأنت حر. أو كما لو قال رجل لآخر: إن سافر مدينك فأنا كفيل بسداد دينه، أو قال له : إن وصلت بضاعتي الفلانية في يوم كذا فقد وكلتك ببيعها.

يلاحظ أن المتصرف في الأمثلة جميعها قد ربط انعقاد المشروط بتحقق شرطه ، فإذا لم يتحقق الشرط كان المشروط كذلك. (٧)

شروط صحة الشرط المعلق


حتى يكون الشرط المعلق صحيحا لا بد له من شروط:

  • أن يكون الشرط معدوما على خطر الوجود : أي معدوما منتظر الوقوع؛ إذ لو كان متحقق الوقوع حين التعليق لكان الكلام تنجيزا في صورة تعليق؛ كما لو قال رجل الآخر: إن كنت حيا فقد بعتك هذا الشيء؛ فإنه يقع تنجيزا، لأن الحياة حاصلة.
  • أن يكون محتمل الوقوع، إذ لو كان مستحيلا، فإنه يقع باطلا ؛ كما لو قال : إن عاش مدينك بعد موته فأنا كفيله ؛ و الحياة بعد الموت متعذرة، فيقع باطلا.
  • أن يتصل الشرط الجزاء دون وجود فاصل بينهما. (٨) (٩)
  • وأضاف بعضهم شرطا رابعا فقال : (إن التعليق يقتضی وقوع الأمر المعلق عند تحقق الشرط المعلق عليه ، كما يقتضي دوام انتفائه ما دام الشرط معدوما؛ أي أن المشروط مرتبط بالشرط وجودا وعدما.... وعلى هذا الأساس وضعت القاعدة القائلة (المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط). (١٠) (١١)

مثال ذلك : لو قال رجل لآخر: إن التحق ابني بالدراسة الجامعية فقد وكلتك ببيع سيارتي ؛ أو قال : إذا قضى القاضي برد أرضى المغصوبة ، فقد وكلتك ببيعها؛ فإن هذا التعليق يقتضي عدم ثبوت الوكالة في المثالين: الأول : حتى يلتحق الابن بالدراسة ؛ والثاني : حتى يقضي القاضي برد أرضه المغصوبة ؛ لأن الموكل قد أناط التوكيل بوقوع الأمرين وجودا وعدما.

الشرط المقيد


الشرط المقيد : عرفه الحموي بأنه: التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة. (١٢) وعرفه بعض الفقهاء بأنه: التزام في التصرف القولي لا يستلزمه ذلك التصرف في حالة إطلاقه. (١٣) وتعريف الحموي الذي وضعناه هنا أدق تصويرا لحقيقة الشرط التقييدي، وأوضح صورة. (١٤)

مثاله : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى في السفر من جابر بن عبد الله بعيرا، وشرط لجابر ظهره إلى المدينة (١٥)، أي شرط له حق ركوبه بعد البيع حتى يصل إلى المدينة. أو كما لو وكل رجل آخر بشراء دابة على أن يكون الثمن مقسطا أقساطا عين له عددها ومددها ؛ عندها تكون الوكالة مقيدة بهذا الشرط ؛ والوكيل ملتزم أن لا يشتري لموكله إلا بحسب التقسيط الذي قيده به. (١٦)

يصاغ التقييد عادة بعبارة (على أن) أو (على شرط أن) أو (بشرط أن) ونحو ذلك.

شروط صحة الشرط المقيد


حتى يكون الشرط المقيد صحيحا لا بد له من شروط :

  • أن يكون معدوما على خطر الوجود: إذ لو كان موجودا يصبح التقييد صوريا، كما لو اشترط البائع على المشتري تسليم الثمن قبل تسليم المبيع، في ظل مجتمع جرى فيه عرف الناس وعاداتهم امتثال ذلك دونما اشتراط، فعندها يكون الشرط صوريا لا يعدو مجرد التوكيد. 
  • ذكر العلماء الشرط المتقدم بصيغة أخرى: أن يكون أمرا مستقلا : إذ الشرط لا يكون إلا كذلك. (١٧)
  • أن يكون محتمل الوقوع: فلا يكون مستحيلا، لأن الشرط لا بد أن يكون مقدورا على القيام به.

على أن : هذه الشروط العقدية أباحها الشارع للعاقدين في العقود، لكنه لم يبحها بإطلاق، ولم يمنعها بإطلاق ؛ وقد اختلف الفقهاء في مدى هذه الإباحة بين مضيق وموسع ؛ فالذين ضيقوا بنوا رأيهم على نظرية مقتضى العقد؛ أما الذين وسعوا وهم الحنابلة ، فذهبوا إلى أن للمتعاقدين الحرية التامة في الاشتراط حسبما يتفق وأغراضهم، وأنهما ملزمان بالوفاء بما يشترطان من غير تقييد بمقتضى العقد، على ألا يكون ذلك منهيا عنه بنص خاص، أو يعود على أصل العقد، بالنقض والإلغاء ؛ ولكل فريق مستند دعم به مذهبه.

المصادر والمراجع

(١) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب البيع والشراء مع النساء (٢-٧٥٦)
(١) التوضيح على التنقيح لتفتازاني (٢-١٤٥)
(٢) نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة و القانون (۱۳۱)
(٣) الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ (۳٤۷)
(٤) المدخل الفقهي العام (٥۰۳-۱)
(٥) أصول الفقه الإسلامي (۲٥٥)
(٦) الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنفية النعمان (٣٦٧)، المدخل الفقهي العام (١-٥٠٣)، نظرية الشروط (۳۲).
(٧) صدر الشريعة والتفتازاني، التوضيح مع التلويح (٣-١٤٥)؛ مشكاة الأنوار في أصول المنار لابن نجيم (٣-٧٤)؛ شرح المنار حاشية الرهاوى على شرح ابن ملك (۹۲۲)؛ أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (٦١،٦٢)؛ أصول الفقه الاسلامي (٣٥٥).
(٨) االمدخل الفقهي العام (١-٥٠٥)؛ المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه (٥۷۳)؛ نظرية الشرط في الفقه الاسلامي (٥٠،٥١)
(٩) وقد جمع ابن نجيم هذه الشروط بقوله: (وشرط صحة التعليق ؛ كون الشرط معدوما على خطر الوجود، كالتعليق بكائن تنجيز ، وبالمستحيل باطل، ووجود رابط حيث كان الجزاء مؤخرا وإلا تنجيزا، وعدم فاصل أجنبي من الشرط والجزاء. الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنفية النعمان (۳۹۷)
(١٠) مجلة الأحكام العدلية (م ۸۲). 
(١١) المدخل الفقهي العام (٥۰٥-۱)
(١٢) غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر ، لابن نجيم (٤-٤١)؛ وقد عزي التعريف إلى الزرکشي.
(١٣) (١٤) المدخل الفقهي العام (٥۰٤-۱)
(١٥) أخرجه مسلم / صحيحه (كتاب المساقاة، باب بيع البعير و استثناء ركوبه (۳٤/۱۱)، رواه البيهقي / السنن الکبری (٤-٤١)
(١٦) أصول الفقه الاسلامي (۲٥۰)؛ أحمد محمود الشافعي، أصول الفقه الاسلامي (۲۹۹)؛ المدخل الفقهي العام (٥۰٥-۱)
(١٧) يؤكد هذا ما قاله الرملي في شرح المنهاج : (وإن شرط وصف - يقصد ککون العبد كاتبا، أو الدابة حاملا أو لبونا، صح العقد مع الشرط، لأنه شرط يتعلق بمصلحة العقد، وهو العلم بصفات المبيع التي تختلف بها الأغراض، ولأنه التزم موجودة عند العقد، ولا يتوقف التزامه على إنشاء أمر مستقبل ، فلا يدخل في النهي عن بيع وشرط، وإن سمي شرطة تجوزأ، فإن الشرط لا يكون إلا مستقبلا ...). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (۹۰-۹)
وقال الزركشي في البحر المحيط: "من حق الشرط أن لا يدخل إلا على المنتظر، لأن ما انقضى لا يصح الشرط فيه ، ولهذا كانت الأفعال الواقعة بعد أدوات الشرط مستقبلة أبدا، سواء كان لفظها ماضيا أو مضارعا إلا أن تدخل الفاء، فإن الفعل يكون على حسب ما هو، نحو: إن يقم زيد فقد أكرمته ؛ فإن لم يكن فاء، فالأمر على ما قلناه إلا في (كان) وحدها، فإن المبرد نقل عنه أنها تبقى على مضيها، فتقول: إن كان زيد قائما قمت، و (كان) ماضية ، واحتج بقوله تعالى: "إن كنت قلته فقد علمته " (١٨) لأن قوله: (وإذ قال الله يا عیسی بن مريم أأنت قلت للناس) قد كان.
ومن جهة المعنى إنها مستغرقة للزمان، ألا ترى أنها لا تخص زمانا دون غيره، وزعم ابن السراج أن المبرد احتج بالآية ، قال : وفيها نظر، فلم يجزم، ولم يجعل الآية قطعية في المقصود هو الصحيح عدم خروجها عن سائر الأفعال، ونزل الآية على أن (إن) دخلت على فعل محذوف مستقبل، إما على إضمار (يكن) أي إن يكن قلته، وإما على إضمار القول، أي : إن أكن فيما أستقبل کنت قلته ، أي موصوفا بهذا، أو إن أقل كنت قلته. و الصحيح عند ابن مالك وغيره أن الشرط لا يكون غير مستقبل المعنى بلفظ "كان" وغيرها إلا مؤولا. لكن ما قاله مستدرك بـ (لو ،ما) ولمّا الشرطيتين؛ فإن الفعل بعدهما لا يكون إلا ماضيا. البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي ( ۳۳۱،۳۳۰-۳ )

أحدث أقدم