الشرط الشرعي
تقدم لنا في تعريف الشرط لغة وشرعا أن ذكرنا جملة من التعريفات التي ذكرها الأصوليون في تعريف الشرط شرعا، ومنها ما ذكره القرافي بأنه الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته، بل في غيره (١)؛ ولزوم عدم المشروط من عدم الشرط وعدم لزوم وجود المشروط من عدمه من وجوده، عن طريق الشرع.
ولهذا يقول محمد علي بن حسين المالكي في الفرق بين الشرط الشرعي وبين غيره من الشروط العقلية والعادية واللغوية : (إن ارتباط الشرط بالمشروط إن كان معناه: أن الله ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع، فهو الشرط الشرعي ). (٢)
ويقول الفتوحي: الشرط الشرعي ما جعله الشارع شرطا ، وإن أمكن وجود الفعل بدونه. (٣)
وعلى هذا الشرط الشرعي هو الذي يكون اشتراطه بحكم الشارع، كالشروط التي اشترطها الشارع في العقود والتصرفات، والتي اشترطها للعبادات والحدود وغير ذلك، أو هو: ما كان توقف المشروط فيه على وجود الشرط بحكم الشارع ووضعه لما في ذلك الشرط من الملائمة للفعل، والتكمیل له. (٤)
وجعل تحققه لازما لتحقق أمر آخر رُبِط به عدما، بحيث إذا لم يتحقق الشرط لم يتحقق ذلك الأمر، وإن وجد الشرط، فلا يلزم منه وجود المشروط.
فالزوجية مثلا شرطٌ لإيقاع الطلاق، فإذا لم توجد زوجية لم يوجد طلاق، ولا يلزم من وجود الزوجية وجودُ الطلاق. والوضوء شرطٌ لصحة إقامة الصلاة، فإذا لم يوجد وضوء، فلا تصح إقامة الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء إقامة الصلاة. وكذا جميع الشروط التي اشترطها الشارع في العبادات والمعاملات والجنايات وغير ذلك. (٥)
وبناء على ذلك يقول محمد الأمين الشنقيطي في تعريف الشرط الشرعي في الاصطلاح عند أهل الأصول : هو ما لا يلزم من وجوده لذاته وجود ولا عدم، ولكنه يلزم من عدمه عدم المشروط ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، فإن وجود الطهارة لا يلزم منه وجود الصلاة ولا عدمها لأن المتطهر قد يصلي وقد لا يصلي ، بخلاف عدم الطهارة فإنه يلزم منه عدم الصلاة الشرعية . (٦)أمثلة على الشرط الشرعي
1- الطهارة وستر العورة؛ فإن الشارع جعل كلا منهما شرطا في الصلاة ؛ فيتوقف على وجود كل منهما صحة الصلاة وسقوط الطلب عن المكلف شرعا، لما في الطهارة وستر العورة من الملاءمة لما شرعت له الصلاة.
٢ - حولان الحول بالنسبة للزكاة ، فإنه شرط لإيجابها على وجه يتحتم معه فعلها و أداؤها بحكم الشارع ووضعه ؛ فإذا لم يحل الحول على ملك النصاب فلا يوجد هذا الوجوب، وذلك لما في حولان الحول من الملاءمة للسبب في وجوب الزكاة وهي الغنى.
٣ - الشهود للنكاح ؛ فقد أراد الله تعالى أن يحوط عقد النكاح بضمانات تکفل استقراره، وتضمن عدم إنكاره نظرا لأهميته في حفظ الإنسان وكرامة الأسرة، فجعل الشهادة شرط لصحة عقد النكاح، قال صلى الله عليه وسلم : (لا نکاح إلا بولي وشاهدي عدل) . (۷)
٤ - الشروط العامة والخاصة للعقود؛ فإن ثمة عقود عامة، وأخرى خاصة للعقود، فالأولى نحو: أهلية المتعاقدين؛ وقابلية محل العقد لحكمه ، وأن لا يكون العقد ممنوعا بمقتضی نص شرعي، وأن يكون العقد مفيدا إلى غير ذلك؛
والثانية : نحو ما سبق ذكره من اشتراط الشهود لانعقاد النکاح دون غيره من العقود؛ وكالتسليم في العقود العينية (٨)، وهي التي يتوقف فيها تمام الالتزام على تسليم العين، إذ لا تعتبر تامة إلا إذا حصل تسليم العين التي هي موضوع العقد، ولا يكفي فيها الإيجاب والقبول؛ وهي خمسة: (الهبة، والإعارة، والإيداع، والقرض، والرهن) ؛ وعلة اشتراط القبض لتمامها التبرع، وعلى هذا الأساس وضعت القاعدة القائلة (لا يتم التبرع إلا بالقبض). (٩)
أنواع الشرط الشرعي
- شرط وجوب : ما يصير الإنسان عند بلوغه وعلمه به مكلفا شرعا بهذا الشرط ملزما في الحكم بقيامه ومأمورا به ، كالطهارة مثلا من دماء الحيض والنفاس التي تعد شرطا في وجوب الصلاة ، وتحقق وجود الوارث عند موت المورث ، التي هي شروطا لامتلاك مال الميت وجوبا ، مع تحقق الشروط الأخرى وانتفاء الموانع .
- وأما شرط الصحة : فهو ما جعل وجوده سببا في حصول الاعتداد بالفعل وصحته مثل : الطهارة ، وستر العورة ، واستقبال القبلة .
- و شرط الأداء : هو حصول شرط الوجوب مع التمكن من إيقاع الفعل ، فيخرج بذلك الغافل والنائم والساهي ونحوهم ، فإنهم غير مكلفين بأداء الصلاة مع وجوبها عليهم .
الفرق بين شرط الصحة وشرط الوجوب
الفرق بين شرط الصحة وشرط الوجوب هو الفرق بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي أو بين خطاب التكليف وخطاب الوضع؛ فشرط الوجوب هو ما يصير به الإنسان مكلفا، ولا يلزم المكلف تحصيله لأنه ليس باستطاعته سواء دخل تحت قدرته أم لم يدخل، أمَّا شرط الصحة كالوضوء للصلاة، ويلزم المكلف تحصيله، فهو ما جعل الشارع وجوده سببًا في حصول الاعتداد بالفعل وصِحته، وضابط الفرق بين شرط الوجوب وشرط الصحة هو عين الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع لأن شرط الوجوب من خطاب الوضع، وشرط الصحة من خطاب التكليف إلا أن صحة الواجب قد تشترط لها شروط الوجوب من حيث هي شروط في الوجوب؛ لذلك حصل التلازم الرابط بين شرط الوجوب وشرط الصحة. (١٠) ،
وشرط الأداء: التمكن من الفعل، والفرق بين شرط الوجوب، وشرط الأداء، أن كل ما لا يطلب من المكلف كالذكورة، والحرية، يسمى شرط وجوب وما يطلب منه كالخطبة والجماعة يعنى للجمعة يسمى شرط أداء. (١١)
المصادر والمراجع
(١) أنواق البروق في أنواء الفروق (١-٦٢)
(٢) تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية (١-٥٩)
(٣) شرح الكوكب المنير المسمى مختصر التحرير في أصول الفقه (١٠٢)
(٤) نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون (٣١)
(٥) كشاف اصطلاحات الفنون (١-٧٥٣)؛ تعريفات الجرجاني (٦٧)؛ كليات أبي البقاء (٣-٦٤)
(٦) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (٦١)
(۷) أخرجه الدارقطني ، سنن الدارقطني (۳-۲۲۹، ۲۲۲)؛ وبذيله التعليق المغنى على الدارقطني لأبي الطيب محمد أبادي، وقد قال عن الحديث (رجاله ثقات) ( ۲۲۲-۳ )؛ وضعفه صاحب الإرواء: انظر الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (۲٥۱-٦). وقد ورد الحديث برواية صحيحة (لا نکاح إلا بولي) انظر : البخاري ، صحيحه ، کتاب النکاح، باب من قال لا نکاح إلا بولي (۱۹۷۰ / ٥)، أبو داود ، سننه كتاب النكاح باب في الولي ( ۲۲۹/ ۲ )؛ الحاكم: أبو عبدالله الحاكم النيسابوري / المستدرك ، کتاب النکاح، لا نکاح إلا بولي (۱٦۹/۲)
(٨) مصدر تسميتها بهذا الاسم هم أهل الحقوق
(٩) انظر: صدر الشريعة، والتفتازاني / التوضيح مع التلويح (١٤٥-۲ )؛ ابن نجيم / فتح الغفار (۷٤/ ۳ )، الرهاوي / حاشيته على المنار (۹۲۲): ابن الحاجب، والأصفاني / مختصر المنتهي مع شرحه البيان (۲۹۹/۲ )؛ الرازي / المحصول (ج۱ ق ۸۹ / ۳ ) البيضاوي، والبدخشي / المنهاج مع شرحه مناهج العقول (١٤۹/۲ )؛ السبكي / الإبهاج (۱۰۸ / ۲ )، الطوفي / شرح مختصر الروضة (۶۳۲ /١)؛ ابن النجار / شرح الكوكب المنير (٤٥٥ -١)؛ ابن بدران / المدخل (۱۹۲)؛ ابن قدامة وآثاره الأصولية (٥۷/۲)؛ نظرية الشروط (ص ۳۲)؛ الحكم الشرعي (٥۹)؛ المدخل الفقهي العام (۳٤۱)
(١٠) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (٦١)؛ في اعتبار الشرط الشرعي بأنواعه للشيخ فركوس.
(١١) إنما ذكرت الفرق بين شرط الوجوب والصحة، وبين شرط الوجوب وشرط الأداء، لأن العلماء منهم مـن جعل الكثير من المسائل شرط صحة، ومنهم من جعلهـا شرط وجـوب. ينظـر: شرح الكـافي البـزودي(١-٤٧١)؛ والأصـل الجـامع لإيضـاح الـدرر (١-١٥)؛ أصول الفقه (٥٢)؛ ونشر البنـود(١-٤٣)
(٢) تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية (١-٥٩)
(٣) شرح الكوكب المنير المسمى مختصر التحرير في أصول الفقه (١٠٢)
(٤) نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون (٣١)
(٥) كشاف اصطلاحات الفنون (١-٧٥٣)؛ تعريفات الجرجاني (٦٧)؛ كليات أبي البقاء (٣-٦٤)
(٦) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (٦١)
(۷) أخرجه الدارقطني ، سنن الدارقطني (۳-۲۲۹، ۲۲۲)؛ وبذيله التعليق المغنى على الدارقطني لأبي الطيب محمد أبادي، وقد قال عن الحديث (رجاله ثقات) ( ۲۲۲-۳ )؛ وضعفه صاحب الإرواء: انظر الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (۲٥۱-٦). وقد ورد الحديث برواية صحيحة (لا نکاح إلا بولي) انظر : البخاري ، صحيحه ، کتاب النکاح، باب من قال لا نکاح إلا بولي (۱۹۷۰ / ٥)، أبو داود ، سننه كتاب النكاح باب في الولي ( ۲۲۹/ ۲ )؛ الحاكم: أبو عبدالله الحاكم النيسابوري / المستدرك ، کتاب النکاح، لا نکاح إلا بولي (۱٦۹/۲)
(٨) مصدر تسميتها بهذا الاسم هم أهل الحقوق
(٩) انظر: صدر الشريعة، والتفتازاني / التوضيح مع التلويح (١٤٥-۲ )؛ ابن نجيم / فتح الغفار (۷٤/ ۳ )، الرهاوي / حاشيته على المنار (۹۲۲): ابن الحاجب، والأصفاني / مختصر المنتهي مع شرحه البيان (۲۹۹/۲ )؛ الرازي / المحصول (ج۱ ق ۸۹ / ۳ ) البيضاوي، والبدخشي / المنهاج مع شرحه مناهج العقول (١٤۹/۲ )؛ السبكي / الإبهاج (۱۰۸ / ۲ )، الطوفي / شرح مختصر الروضة (۶۳۲ /١)؛ ابن النجار / شرح الكوكب المنير (٤٥٥ -١)؛ ابن بدران / المدخل (۱۹۲)؛ ابن قدامة وآثاره الأصولية (٥۷/۲)؛ نظرية الشروط (ص ۳۲)؛ الحكم الشرعي (٥۹)؛ المدخل الفقهي العام (۳٤۱)
(١٠) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (٦١)؛ في اعتبار الشرط الشرعي بأنواعه للشيخ فركوس.
(١١) إنما ذكرت الفرق بين شرط الوجوب والصحة، وبين شرط الوجوب وشرط الأداء، لأن العلماء منهم مـن جعل الكثير من المسائل شرط صحة، ومنهم من جعلهـا شرط وجـوب. ينظـر: شرح الكـافي البـزودي(١-٤٧١)؛ والأصـل الجـامع لإيضـاح الـدرر (١-١٥)؛ أصول الفقه (٥٢)؛ ونشر البنـود(١-٤٣)