تعريف الشرط لغة وشرعا

تعريف-الشرط-لغة-وشرعا

خطاب الوضع


لما كان خطاب الشارع مما يتعذر على المكلفين سماعه، ومعرفته في كل حال، على تعاقب الأعصار وتعدد الأمم والقرون، لأن وسيلة التبليغ بواسطة الرسول البشري، ولما كان الرسول غير مخلد في الدنيا اقتضت حكمت الله تعالى نصب أشياء تكون أعلاما على حكمه، ومعرفات له، فكان ذلك كالقاعدة الكلية في الشريعة، تحصيلا لدوام أحكامها مدة بقاء المكلفين في دار التكليف، وتلك الأشياء التى نصبت معرفات لحكم الشرع، هي الأسباب والشروط والموانع وغيرها.

تعريف الشرط في اللغة


الشرط: إلزام الشئ والتزامه، وفي حديث بريرة: (قضاءُ الله أحقُّ، وشرطُ الله أوثقُ)؛ يريد ما أظهره وبينه من حكم الله بقوله: (وإنما الولاء لمن أعتق). (١) وهو مصدر: شرط ، يشرط ، شرطا ، ويجمع على شروط ، والشريطة كالشرط، يقال: قد شارطه ، وشرط له ضيعته يشرط وتشرط.

والشرط، بالتحريك: العلامة، والجمع أشراط، ومنه : أشراط الساعة: علاماتها.قال الله تعالى: (فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) (٢) أي علاماتها، والاشتراط: العلامة التي يجعلها الناس بينهم، واشتراط طائفة من إبله وغنمه، عزلها، وأعلم أنها للبيع. (٣)

خلاصة مفهوم الشرط في اللغة


الشرط مأخوذ من أصٍل واحد (شرَط)، وهو يدور على معنيين بحسب بنية الكلمة:

المعنى الأول: الشّرْط ـ بإسكان الراء ـ وهو إلزام الشيء والتزامه في العقود ونحوها. ويجمع على شروط، وشرائط.
والمعنى الثاني: الشرَط ـ بالتحريك ـ وهو العلامة اللازمة للشيء. ويجمع على أشراط.  ومنه: أشراط الساعة. قال تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) ومنه سمي الشُّرَط لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها. (٤)

والمعنى المراد بلفظ الشرط ههنا ـ إنما هو بالسكون بمعنى الإلزام، لا ما هو بالفتح بمعنى العلامة. (٥)

تعريف الشرط شرعا


الشرط في كلام أهل العلم له إطلاقان:

الأول: إطلاق عام، وهو اللازم في الشيء، سواء دخل في ماهية ذلك الشيء (٣) أو لم يدخل فيها. وهذا مطابق للمعنى اللغوي للشرْط (بإسكان الراء). (٦) وفي هذا يقول ابن تيمية: (وأما عند التحقيق فيجوز أن تكون الماهية أو شيء من صفاتها شرطا في صفة أخرى). (٧)  فبيَّن أن الشرط قد يكون داخلا في ماهية الشيء.

ومن ذلك إطلاق الفقهاء الشرط على ما هو ركن (٨) وذلك في مسائل كثيرة.

يقول الدسوقي المالكي: (لكن الفقهاء قد يتسَّمحون فيطلقون الشرط على الركن). (٩)

والثاني: إطلاق خاص، وهو ما خرج عن الماهية وهذا الإطلاق هو الغالب على علماء الأصول حيث يقولون في تعريف الشرط: : ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ويكون خارجاً عن ماهية ذلك الشيء؛ كالطهارة للصلاة، فإنه يلزم من انتفاء الطهارة انتفاء صحة الصلاة،  ولا يلزم من وجودها وجود صحة الصلاة؛ لجواز انتفائها لانتفاء شرط آخر. (١٠)

وهذا التعريف بالنظر للشرط اللازم في الشي ولا يصح بدونه، وهو ما يعرف بشرط الصحة عندهم. وأما "شرط الكمال" فهو دونه؛ فالشيء يصح بدونه، ولكن هو شرط يلزم لكماله؛ كسنن الصلاة، فهي شرط لكمال أجرها و لكن تصح بدونها.

الشرط عند الحنفية


عرفه الحنفية بتعاريف متقاربة نختار منها الآتي:
  • قال السرخسي: الشرط هو اسم لما يضاف الحكم إليه، وجودا عنده، لا وجوبا به. (١١)
  • وعرفه فخر الإسلام البزدوي بأنه: ما يتعلق به الوجود دون الوجوب (١٢)؛ وإليه ذهب النسفي. (١٣)
  • وعرفه الجرجاني بأنه: ما يتوقف عليه وجود الشئ، ويكن خارجا عن ماهيته، ولا يكون مؤثرا في وجوده. (١٤)

الشرط عند الشافعية


عرف الشافعية مفهوم الشرط بتعريفات تكاد تكون متقاربة، وقفت منها على ما يلى:
  • عرفه فخر الدين الرازي بأنه: الذي يقف عليه المؤثر في تأثيره، لا في ذاته. (١٥)
  • وعرفه البيضاوي بأنه: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر لا وجوده. (١٦)
  • وعرفه الآمدي بأن الشرط: ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه لا يكون سببا لوجوده، ولا داخلا في السبب (١٧)؛ وإليه ذهب ابن الحاجب (١٨)، والطوفي الحنبلي (١٩).

الشرط عند المالكية


  • والشَّرْط في الاصطلاح عرفه الشَّاطبي بأنه: (ما كان وصفًا مكملًا لمشروطه فيما اقتضاه ذلك المشروط، أو فيما اقتضاه الحُكم فيه). (٢٠)
  • عرفه القرافي المالكي بأن الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته بل في غيره. (٢١)

التعريف المختار للشرط في الاصطلاح


الشرط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته بل في غيره (٢٢) وهو تعريف القرافي المالكي، وإليه ذهب أكثر أهلم العلم من الأقدمين والمعاصرين. (٢٣)

محترزات التعريف


  • ما يلزم من عدمه العدم: احتراز عن المانع، إذ لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم.
  • ولا يلزم من وجوده وجود: احتراز عن السبب، إذ يلزم من وجوده وجود.
  • لذاته: احتراز عن مقارنة الشرط وجود السبب، لأنه يلزم من وجوده الوجود، كما هو احتراز عن مقارنة الشرط قيام المانع، لأنه يلزم من وجوده العدم لكن لا لذاته، وهو كونه شرطا، بل لأمر خارج هو مقارنة السبب أو قيام المانع.
  • ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته بل في غيره: احتراز عن جزء العلة، فإنه يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، غير أنه يشتمل على جزء المناسبة في ذاته. (٢٤)

مسوغات الترجيح


  • التعريف جامع مانع، وأن ما سبقه من تعاريف لا تخلو من مطعن أو ملحظ.
  • رجحه صاحب "البحر المحيط" فقال: ذكر في الشرط حدود، أولاها: ما ذكره القرافي.
  • مالت إليه أفئدة أكثر العلماء المعاصرين.

حكم الشرط


أن من تركه جهلا أو نسياناً أو عمداً بطل العمل الذي هو شرط فيه. مثاله : الطهارة فهي شرط لصحة الصلاة، يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة الصحيحة شرعاً، و لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة.

المصادر والمراجع

(١) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب البيع والشراء مع النساء (٢-٧٥٦)
(٢) سورة محمد، الآية ١٨
(٣) معجم مقاييس اللغة: كتاب الشين، باب الشين والراء وما يثلثهما (٣-٢٦٠،٢٦١)؛ ابن منظور، لسان العرب؛ باب الطاء، فصل الشين (٧-٣٢٩،٣٣٠)؛ الفيروز أبادي، القاموس المحيط، فصل الشين (٨٦٩)
(٤) ينظر: معجم مقايس اللغة (٣-٢٢٧)،وتهذيب اللغة للأزهري (١١-٣٧٣،٣٧١)، والصحاح للجوهري (٣-١١٣٢)، ولسان العرب لابن منظور (٧-٨٢)، والمصباح المنير للفيومي (١١٣)
(٥) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون (٢-٤٢٠)
(٦) بأن يكون جزءا منها ـ أي الماهية للشيء ـ يتوقف تقومها عليه. والماهية ما به الشيء هو هو، سميت بها لأنه يسأل عنها "بما هو". [حاشية ابن عابدين] (١-٢٧٢)
(٧) درء التعارض (١٠٤-٥)
(٨) الركن هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، ويكون داخل في ماهية الشيء. انظر: التعريفات للجرجاني (١١٢)
(٩) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٣-٣٢٦)
(١٠) التحبير شرح التحرير في أصول الفقه للمرداوي (٣-١٠٦٧) ،)وشرح تنقيح الفصول، (٨٢)، والتعريفات للجرجاني (١٢٥) ،والبحر المحيط للزركشي (١-٣٠٩)،وحاشية ابن عابدين (١-٢٠٦)
(١١) أصول السرخسي (٢ - ٣٠٣)
(١٢) أصول البزدوي (٤ - ١٧٣)
(١٣) المنار بشرح إفاظة الأنوار -٢٤٧)
(١٤) التعريفات (١٣١)
(١٥) المحصول في علم الأصول (١-٨٩)
(١٦) منهاج الوصول إلى علم الأصول (٢-٤٣٧)
(١٧) الإحكام في أصول الأحكام (٢-٤٥٣)
(١٨) مختصر المنتهى بشرح بيان المختصر (٢-٢٩٨)
(١٩) شرح مختصر الروضة (١-٤٣٠)
(٢٠) الموافقات في أصول الشريعة (١-٢٦٢)
(٢١) أنواق البروق في أنواء الفروق (١-٦٢)
(٢٢) أنواق البروق في أنواء الفروق (١-٦٢)
(٢٣) تقريب الوصول لابن جزي (١٠٣)، نشر البنود على مراقي السعود (١-٢٥٢)، جمع الجوامع (٢-٥٥)، شرح الكواكب المنير لابن النجار (١-٤٥٢)، مذكرة في أصول الفقه (٥١)، أصول الفقه لأبو زهرة (٥٩)، أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف (١١٨)، نظرية الحكم للحصري (١٣٤)، أصول الفقه الإسلامي (٣٢٢)
(٢٤) الفروق (١-٦٢)، شرح التنقيح (٢٦٢)، نشر البنود على مراقي السعود (١-٤١)، شرح جمع الجوامع للمحلى (٢-٥٥،٥٦)، شرح الكواكب المنير لابن النجار (١-٤٥٢)، شرح مختصر التحرير لابن عثيمين (٣٩٠)
أحدث أقدم