ما الفرق بين الركن والشرط

ما-الفرق-بين-الركن-و-الشرط

تعريف الركن


قد ورد الركن في لغة العرب بمعنى جانب الشئ الذي يستند إليه ويقوم به؛ يقول ابن فارس: (فركن الشئ، جانبه الأقوى، وهو يأوي إلى ركن شديد، أي عزة ومنعة) (١). ويقول الفيروز آبادي: (الركن بالضم الجانب الأقوى) (٢)، ويقول ابن منظور: (أركان الشئ جوانبه، التي يستند إليها ويقوم بها) (٣)؛ ويقول صاحب المصباح: (ركن الشئ جانبه، وأركان الشئ أجزاء ماهيته).

وأما معناه الاصطلاح الفقهي فهو ما كان جزءا من حقيقة الشئ، فإن الفقهاء والأصوليين وإن اختلفت عباراتهم فيه، فإنهم متفقون عليه. فبعضهم يقول: في عرف الفقهاء ركن الشئ ما لا وجود لذلك الشئ إلا به. (٤) وبعضهم يقول: أما الركن ، فهو ما يتقوم به الشئ وهو جزؤه. (٥)

وبعضهم يقول: الركن ، هو ما توقف الشئ على وجوده، وكان جزءا من حقيقته (٦)، وبعضهم يقول: الركن ما يتقوم به الشئ، أي يدخل في قوامه فيكون جزءا منه (٧) وبعضهم يقول: الركن هو ما يلزم من عدمه العدم، ومن وجوده الوجود، مع كونه داخلا في الماهية. (٨)

فهذه التعريفات كما ترى وإن اختلفت في العبارات، إلا أنها متفقة في المعنى.

ومن أمثلة الركن: قراءة القرآن في الصلاة، القيام والركوع والسجود في الصلاة، فإن كل واحد من هذه ركن للصلاة، لتوقف وجودها في نظر الشارع على تحققه، وهو جزء من حقيقة الصلاة.

تعريف الشرط


يعتبر الشرط من الأحكام الوضعية في الفقه، ويعرّف الشرط في اللغة بأنّه الإلزام ويأتي كذلك بمعنى العلامة، فيُقال: أشراط الساعة؛ أي علاماتها، قال ابن فارس : (الشين والراء والطاء أصل يدل على علم وعلامة، وما قارب ذلك من علم، الشرط: العلامة. وأشراط الساعة: علاماتها. ومن ذلك الحديث حين ذكر أشراط الساعة، وهي علاماتها). (٩)

أمّا في الاصطلاح الشرعي فيُعرّف الشرط بأنّه الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته بل في غيره (١٠)، وهذا التعريف للشرط في الاصطلاح درج على ذكره أكثر الفقهاء في كتبهم؛ وهو تعريفه عند جمهور الأصوليين.

من أمثلة الشرط: الحول في الزكاة، فإنه يلزم من عدمه عدم وجوب الزكاة، ولا يلزم من وجوده وجوبها، لاحتمال النصاب، ولا عدم وجوبها، لاحتمال وجود النصاب.

وكذلك الطهارة، فإنها شرط في صحة الصلاة، لأنها وصف يتوقف عليه وجود الصلاة شرعا، وليست الطهارة جزءا من الصلاة ، ولكن لا يلزم من عدمها عدم الصلاة شرعا، ولا يلزم من وجودها وجودها، فقد يتطهر ولا يصلى، وقد يصلى فلا تصح صلاته ، لفقد ركن أو وجود مانع.

الفرق بين الركن والشرط 


من خلال تعريف الشرط والركن تبين أن ثمة وفقا وفرقا بينهما:

أما الوفق:

فإن كلا منهما يتوقف عليه وجود الشيء دون وجوبه، ويلزم من عدمه عدم الشئ ، هذا فيما يخص الشرط الشرعي لا اللغوي، لأن الثاني يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم كالسبب.

مثاله: كما لو قال رجل لآخر: إن سافر مدينك فأنا كفيله حتى يرجع، أو قال لعبده: إن حفظت كتاب الله ، فأنت حر، أو قال لمطلقته رجعيا: إن قرأت آداب المعاشرة فقد راجعتك.

أما الركن: فيمثل له بالركوع والسجود إذ هما ركنان يتوقف عليهما وجود الصلاة ، فإذا اختلا أو واحد منهما بطلت الصلاة؛ وكذا الإيجاب والقبول في العقود، فإنه رکن يتوقف عليه وجود العقد، وبعدمه لا يتصور وجود العقد.

أما الشرط الشرعي: فيمثل له بالحول، فإنه شرط للنصاب، فإذا حصل مكملا للسبب ترتب عليه حكم الزكاة، وكذا حرز المثل بالنسبة للمسروق، فإنه شرط له، إذ لا بد للمال المسروق حتى يعتبر سرقة يترتب الحكم عليها أن يؤخذ من حرز مثله، وأن يكون خفية.

والحق أن هذا المعنى: أي ما يوجد الحكم عند وجوده ، و ينعدم عند عدمه (ليس مطردا في جميع الأمثلة ، إلا إذا قيدنا غير المطرد منها بقولنا: إذا لم يكن عذر يعجز به المكلف عن تحصيل الشرط) (١١)؛ لأن ثمة شروطا لا تترتب عليها مشروطاتها مقرونة بعذر؛ كطهارة الثوب فإنها شرط لصحة الصلاة، فإذا دخل المكلف في الصلاة، ثم أدرك أثناءها أنه قد نال ثوبه نجاسة، ولم يستطع إزالتها، فصلاته صحيحة؛

وكذا ستر العورة، فإنه شرط لصحة الصلاة، فإذا انكشفت العورة، ولم يفحش المكشوف ولو طال الزمن لم يعد الصلاة إن لم يتعمده. (١٢)

أما الفرق:

فإن الركن جزء من ماهية الشيء بخلاف الشرط فإنه خارج عنها؛ فالإيجاب والقبول رکن عقد النكاح، وهو جزء منه، وحضور الشهود شرط فيه، وهو خارج عنه، وكذا الركوع أو السجود فإنه ركن الصلاة وهو جزء منها، والطهارة شرط في صحة الصلاة، وهي خارجة عنها.

على أن العبادات إذا فقدت ركنا أو شرط، فحكمها واحد وهو البطلان عند المذاهب جميعها؛ أما المعاملات فإذا فقدت رکنا أو شرطا فحكمها البطلان عند الجمهور، إذ الفعل عندهم لا يتجاوز أحد أمرين (الصحة أو البطلان)، بخلاف الحنفية فهم يفرقون بين العبادة ، والمعاملة،

ففي الأولى يوافقون الجمهور، أما الثانية ففعلها يتردد بين أحكام ثلاث (الصحة أو البطلان أو الفساد)، فإذا فقد ركنا فالبطلان، وإذا فقد شرط فالفساد.

المصادر والمراجع

(١) معجم مقاييس اللغة، مادة (ركن)
(٢) القاموس المحيط، مادة (ركن)
(٣) لسان العرب، مادة (ركن)
(٤) كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعلاء الدين البخاري (٣-١٠٦٤)
(٥) فصول البدائع في أصول الشرائع (١-٢٣٩)
(٦) أصول الفقه الإسلامي (٢٥١)
(٧) أصول الفقه (٣٤٤)
(٨) أصول الفقه (١-١١٩)
(٩) معجم مقاييس اللغة، مادة (شرط)
(١٠) أنواق البروق في أنواء الفروق (١-٦٢)
(١١) المبدع في شرح المقنع (١-٣٣٤)، حاشية الروض شرح زاد المستقنع (١-٤٦٠)
(١٢) لقول عمرو بن سلمة: (كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا، وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومه ، فعلمهم الصلاة فقال: "يؤمكم اقرؤكم" وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدموني ، فكنت أؤمهم ، وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عنى ، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصا عمانيا،....). صحيح سنن أبي داود (١-١١٦) وفي رواية أخرى قال: (فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق ، فكنت إذا سجدت خرجت إستي)، ولما لم ينكر عليه أحد، أو يحكم على صلاته بالبطلان دل ذلك على صحتها.
أحدث أقدم