إعراب كلمة لا إله إلا الله

إعراب-كلمة-لا-إله-إلا-الله

إعراب كلمة لا إله إلا الله


أهل السنة و الجماعة يوافقون النحاة في إعراب كلمة التوحيد لا إله إلا الله؛ إلا أنهم قد يخالفونهم في تقدير خبر ( لا النافية للجنس) المحذوف في هذه الكلمة. وحاصل ما ذكره أن:

(لا) : هي النافية للجنس (١)، العاملة عمل (إن)، وهي أقعد بالنفي (٢) العام من (ما).

ومعنی کونها نافية للجنس: أنها (تنفي الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشيء الذي دخلت عليه). (٣)

قال ابن هشام: (وهي التي أريد بها نفي الجنس على سبيل التنصيص لا على سبيل الاحتمال) . (٤)

وتسمى أيضا: (لا) التبرئة؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنی خبرها. (٥)

وأما كونها تعمل عمل ( إن ) - أي تنصب الاسم وترفع الخبر - فشرطه أن يكون اسمها و خبرها نكرتين (٦)؛

لأن «لا» تنفي نفيا عاما مستغرقا، فلا يكون بعدها معين. (٧)

(إله): اسم « لا » مبني (٨) على الفتح في محل نصب. (٩)

وخبر (لا) (١٠) محذوف على القاعدة في خبر (لا) إذا علم؛ حيث يكثر حذفه عند الحجازيين، ويلتزمه التميميون والطائيون. (١١)

قال ابن هشام: وقد كثر حذف خبر «لا» هذه حتى قيل إنه لا يذكر. (١٢)

وقال أبو حيان: « وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع «إلا »، نحو: لا إله إلا الله ». (١٣)

وذهب بعضهم إلى أن خبر «لا» غير محذوف؛ وهو الاسم المعظم « الله ». (١٤)

وهو غير صحيح؛ قال ابن هشام: (ويرُدُّه أنها [أي: «لا» لا تعمل إلا في نكرة منفية، واسم الله تعالى معرفة موجبة). (١٥)

فاتضح أن الصواب - وهو ما عليه أكثر العلماء - أن الخبر محذوف.

واختلفوا في تقديره إلى أقوال، أشهرها ما يأتي:

١- أنه: (موجود)، أو: (في الوجود) (١٥). وهذا التقدير خطأ لوجهين:

الأول: أنه يوهم معنی باطلا؛ ألا وهو الاتحاد؛ (فإن الإله هو المعبود، فإذا قيل: (لا معبود موجود إلا الله) ، لزم منه أن كل معبود عُبد بحق أو باطل هو الله؛ فيكون ما عبده المشركون من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والأحجار والملائكة والأنبياء والأولياء وغير ذلك هي الله ؛ فيكون ذلك كله توحيدا؛ فما عبد على هذا التقدير إلا الله؛ إذ هي هو، وهذا - والعياذ بالله - أعظم الكفر وأقبحه على الإطلاق، وفيه إبطال لرسالات جميع الرسل، وكفر بجميع الكتب، وجحود لجميع الشرائع، وتكذيب بكل ذلك، وتزكية لكل كافر من أن يكون كافرا؛ إذ كل ما عبده من المخلوقات هو الله ؛ فلم يكن عندهم مشركا بل موحدا، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا). (١٧)

ولا شك أن هذا اللازم يلتزمه أهل الحلول والاتحاد، وأما غيرهم - ممن قدر هذا التقدير - فلم يقصدوه بالتأكيد، بل ربما لم يخطر ببالهم، وعليه فلا يصح أن ينسب قولا لهم إلا أن يصرحوا بذلك. وإيراد هذا اللازم إنما هو لبيان بطلان هذا التقدير ؛ فإن لازم القول ليس بقول؛ لكنه يدل على صحته أو بطلانه.

الثاني: أن هذا التقدير فيه مخالفة للواقع، وإنكار حقيقة لا تجحد؛ ألا وهي وجود آلهة تعبد مع الله.

قال القرافي: « فإن نفي المعبود مطلقا ليس بصادق؛ فإن المعبودات واقعة كثيرا، من الشجر والحجر والكواكب وغير ذلك؛ فلا يصدق الإخبار عن النفي إلا إذا قيد بالاستحقاق. (١٨)

بقي التنبيه على أمر مهم؛ وهو: أن كثيرا ممن قدر الخبر (بموجود) أو (في الوجود) يفسرون الإله: (المعبود بحق)؛ فيكون معنى (لا إله إلا الله) عندهم: لا معبود بحق في الوجود إلا الله. وهذا صواب. (١٩)

فهؤلاء وإن كان تفسيرهم للإله فيه نظر  إلا أنهم قد وافقوا الحق في معنى الشهادة، والله أعلم.

۲- أن تقدير الخبر: «لنا (٢٠)؛ فيكون معنى لا إله إلا الله: لا معبود لنا إلا الله.

وهذا التقدير غير صحيح؛ إذ لو كان المراد ذلك لكانت الشهادة توحيدا لإلهنا لا توحيدا للإله المطلق (٢١). أي أنه يمكن قد يفهم من هذا التقدير : أن إلهنا هو الله وحده، ويصح أن يكون لغيرنا إله سواه؛ وهذا باطل.

٣- أن الخبر: (حق) أو (بحق)؛ فيكون معنى لا إله إلا الله: لا معبود حق أو بحق إلا الله. وهذا هو التقدير الصواب (٢٢) الذي لا يصح غيره، وهو الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

قال الزركشي: « فالأحسن تقدير الأخير (أي: بحق) لما ذُكر، ولتكون الكلمة جامعة لثبوت ما يستحيل نفيه، ونفي ما يستحيل ثبوته » (٢٣)

(إلا): أداة استثناء، وهي حرف باتفاق. (٢٣)

(الله): اسم الجلالة بعد «إلا » فيه بحث واختلاف طويل، من جهة کونه مرفوعا أو منصوبا (٢٤)، وإذا كان مرفوعا هل على الخبرية أو البدلية أو على غير ذلك؟

والراجح: وهو الذي عليه أكثر العلماء - أنه مرفوع، وهو الفصيح الغالب في اللغة في مثل هذا التركيب، بل لم تأت كلمة التوحيد في كتاب الله بنصب الاسم بعد «لا» في قراءة ولو شاذة". (٢٥)

قال الكفوي: « ففيه وجهان: الرفع؛ وهو الأرجح؛ لأن السباع والأكثر: الرفع، والنصب؛ وهو مرجوح، ولم يأت في القرآن غير الرفع . (٢٦)

والصحيح أنه بدل لا خبر، (وهو المشهور الجاري على ألسنة المعربين). (٢٧)

والأقرب - فيما يظهر - والأبعد عن الإشكالات والإيرادات: أنه بدل من الضمير المستكن - المستتر - في الخبر المحذوف.

قال ابن هشام: (وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين). (٢٨)

المصادر والمراجع

(١) خلاف التي أريد بها نفي الوحدة؛ وهي التي تعمل عمل «لیس »، نحو: لا رجل في الدار بل رجلان. انظر: « شرح قطر الندى » (۱۸۹). قال ابن هشام: « ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله: لا إله إلا الله - برفع « إله » – لاحتمال نفي الوحدة فقط » « مغني اللبيب » (۲/ ۳۶۷). وهذا الحكم قد يكون له وجهه قبل ضعف اللسان العربي وغلبة العجمة؛ وأما بعد ذلك فلا يتجه ما قاله في حق من نطق بكلمة الشهادة معتقدا معناها ولحن هذا اللحن.
(۲) قال ابن مالك: « عمل إن اجعل للافي نكرة مفردة جاءتك أو مكررة » ألفيته ( ۵ / ۲) - مع «شرح ابن عقیل ». وسبب عمل «لا» عمل « إن » أمران: ۱- شبهها لها؛ لدخولها على المبتدأ والخبر. ٢- أنها نقيضة « إن »؛ لأن «لا» للنفي، و« إن » للإيجاب. قال ابن یعیش: « وحق النقيض أن يخرج على حق نقيضه في الإعراب » « شرح المفصل » (۱-۱۰٥).
(٣) ضیاء السالك إلى أوضح المسالك (١-٣٠١). وسبب كونها نافية للجنس: أنها واقعة في جواب نحو: هل من رجل في الدار؟ فدخول « من » هنا لاستغراق الجنس، ولذا اختصت بالنكرات لشمولها، والجواب قدر فيه « من » التي هي للاستغراق؛ فيكون التقدير: لا من رجل في الدار؛ ليكون النفي عاما، ثم حذفت « من» من الكلام تخفيفا وتضمن الكلام معناها. انظر: « أسرار العربية » للأنباري (۹۹)، و« شرح المفصل » (۱/ ۱۰٥)، و« التصريح على التوضيح » (۱/ ۲۳۹).
(٤) «شرح شذور الذهب » (۲۰۹).
(٥) «ضیاء السالك » (١-٣٠١). وانظر: « مغني اللبيب » (۱-۲۳۷)، و«شرح ابن عقیل » (۲-٥)، و« التصريح على التوضيح » (۱/ ۲۳٥).
(٦) انظر: « أسرار العربية » (۱۰۰)، و« شرح الشذور » (۲۰۹-۲۱۰)، و« شرح قطر الندى» (۱۸۹)، و« أوضح المسالك » (۳٥۱-۱)، و« مغني اللبيب » (۱۲۳۸)، و« شرح ابن عقیل » ( ٦-٢)، و« ارتشاف الضرب » (۱۲۹۰). 
(٧) انظر : «شرح المفصل » (۱۰۳-۲). 
(٨) فإن من المتقرر أن اسم «لا» إذا كان مفردا – أي ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف - فإنه يبني على ما ينصب به لو كان معربا. انظر: « مغني اللبيب » (۱/۱۳۸)، و« شرح قطر الندى » (۱۹۰). 
واختلفوا في سبب بناء اسم «لا»؛ فقيل: لتضمنه معنی « من » الاستغراقية، وقيل: لتركبه مع «لا» ترکیب خمسة عشر، وكثير من المحققين على الثاني، وهو اختیار سیبویه. على أنه إذا قيل إن سبب بناء « خمسة عشر » تضمن معنى حرف العطف فقد رجع القول الثاني إلى الأول. انظر: « شرح المفصل » (۱۰۹/ ۱ ). وذهب بعض الكوفيين إلى أن اسم «لا» منصوب، وحركته حركة إعراب، والصواب الأول. انظر: «أسرار العربية» (۹۹-۱۰۰)، و« شرح المفصل» (106/۱ )، و« ارتشاف الضرب» (۱۲۹٩). 
(٩) قال ابن یعیش: « وځص بالفتحة لأنها أخف الحركات، وليس الغرض إلا تحریکه؛ فلم يكن بنا حاجة إلى تكلف ما هو أثقل منها » « شرح المفصل » ( ۱۰۹/ ۱ ).
(١٠) ذهب بعض النحاة إلى أن «لا» لا ترفع خبرا؛ وإنما الخبر مرفوع بالمبتدأ. والمختار أنها تعمل في المبتدأ والخبر؛ لأنها داخلة عليها؛ فهي تقتضيها جميعا، وما اقتضى شيئين وعمل في أحدهما عمل في الآخر. انظر: «شرح المفصل » (۱۰۹/ ۱ ). 
(١١) انظر: «منهج السالك » (۸۹)، و« شرح الشذور » (۲۱۱)، و « أوضح المسالك » (۳۷۰- ۳٤۹ / ۱ )، و « مغني اللبيب » (۱/ ۲۳۹)، و« شرح ابن عقیل » (۲/ ۲٥)، و ارتشاف الضرب » (۱۲۹۹)، و« شرح المفصل » (۱۰۷/ ۱ ). وقال ابن مالك: « وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر » الألفية (۱۱ / ۲ ) مع «شرح ابن عقیل » ومن أمثلته: قوله تعالى: وقالوا لا ضير 4 [الشعراء: 50] أي علينا، وقوله: فلا فوت [سبأ: 51] أي لنا، ويقولون: لا بأس: أي عليك. 
(١٢) « مغني اللبيب » (۲/ ۱۳۱). 
(١٣) «ارتشاف الضرب » (۱۳۰۰). 
(١٤) نقل هذا القول غير واحد؛ منهم: ابن هشام في « مغني اللبيب » (۲/ ۵۷۲)، وابن يعيش في « شرح المفصل » (۱/ ۱۰۷).
(١٥) «مغني اللبيب » (۲/ ٥۷۲). وانظر: « شرح المفصل » (۱/ ۱۰۷) فقد ذكر مثله،
وأضاف وجها آخر. 
(١٦) انظر: «ارتشاف الضرب » (۱۳۰۰)، والمفصل - مع شرحه لابن يعيش (۱۰۷/۱ )، و« معنى لا إله إلا الله » (74)، و« تفسير الرازي » (۱٤۹/۲ )، و« الجامع لأحكام القرآن » (۲۰۹ / ۳ )، و« البحر المحيط » (۱/ ۹۳۷) و« مغني اللبيب » (۲/ ۷٤۷).
(١٧) « معارج القبول » (۱/ ۳۰۵). 
(١٨) «الاستغناء في أحكام الاستثناء » (۳۹۰-۳۹۹). وانظر: « معنى لا إله إلا الله » (74). (١٩) انظر: « معارج القبول » (۳۰۹/ ۱ ).
(١٩) انظر : « تفسير الرازي » (١٤٩٤)، و« البحر المحيط » (-١٤٦٣)، و« معنى لا إله إلا
الله » (74).
(٢٠) انظر : « تفسير الرازي » (١٤٩-۹ )، و« البحر المحيط » (-١٤٦٣).
(٢١) انظر: « معارج القبول » (١-۳۰٥)، و« مجموع فتاوى »  الشيخ عبد العزيز ابن باز (۱/ ۲۲۱).
(٢٢) « معنى لا إله إلا الله » (۷٥). وانظر : « الاستغناء في أحكام الاستثناء »(۳۹۰-۳۹۹)، و« الكليات « (۹۷٤)، و« فتح القدير » (۲۷۱-۱).
(٢٣) انظر الكلام عليها في: «الاستغناء في أحكام الاستثناء » (۱۰۳)، و« مغني اللبيب »
(۷۰/۱)
(٢٤) انظر: ما نقله ابن هشام في رسالته: « إعراب لا إله إلا الله » (٤٧) - مجلة الجامعة
الإسلامية ( العددان ۸۱-۸۲). وقد أوصل الأقوال في رفعه إلى سبعة أقوال، کابين أن
للنصب وجهين إعرابيين، انظر هما في هذه الرسالة (63).
(٢٥) انظر: مقدمة تحقيق رسالة ابن هشام السابقة للدكتور حسن بن موسى الشاعر؛ فقد قام بتتبع نصوص القرآن والسنة وأشعار العرب للوقوف على حالات الاسم الواقع بعد «إلا » في كلمة التوحيد وما جاء على نمطها، وخلص إلى أن الرفع هو الفصيح الغالب في اللغة، وهو الذي لم يرد في القرآن - ولو في قراءة شاذة - والسنة سواه، وأن النصب قد ورد في بعض الأبيات الشعرية على قلة. انظر مقدمته (٤٣).
(٢٦) « الكليات » (۹۷۲).
(٢٧) المصدر السابق.
(٢٨) «إعراب لا إله إلا الله » (٥٣) - مجلة الجامعة الإسلامية ( العددان ۸۱-۸۲).
وممن اختار هذا القول: أبو حيان في تفسيره (1/ 463)، والكفوي في « الكليات » (۹۷۳)، والأزهري في « التصريح » (۱/ ۳٥۱)، والسويدي في « العقد الثمين » (۲۹۰) - مع التوضيح والتبيين، والعثيمين في « القول المفيد » (۱/ ۱۰۲).
أحدث أقدم