إعراب لا إله إلا الله

إعراب-لا-اله-الا-الله


لما كان فهم المعنى يتوقف على معرفة إعراب الجمل؛ كان الاعتناء بمعرفة إعراب لا إله إلا الله أمر مهم؛ إذ إنه سبب لفهم معناها، ومعرفة الصواب في تفسيرها. ولهذا اعتنى العلماء بإعراب لا اله الا الله، وصنفوا في إعرابها مصنفات عدة. (١)

إعراب لا إله إلا الله


أهل السنة يوافقون النحاة في إعراب لا إله إلا الله؛ إلا أنهم قد يخالفونهم في تقدير خبر (لا النافية للجنس) المحذوف في لا إله إلا الله:

  • لا : نافية للجنس. (٢)
  • وإله : اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح؛ لأنه مفرد نكرة تضمن معنى الحرف. (٣)

واختلفوا في خبرها هل هو مذكور أو محذوف؟

فقال بعضهم: خبرها مذكور، وهو جملة الاستثناء (إلا الله).

وقال آخرون: خبرها محذوف، وهو الصواب، ثم اختلف هؤلاء في تقديره:

  • فقدره أكثر النحويين بكلمة (موجود).
  • وبعضهم بكلمة (ممكن).
  • وبعضهم بكلمة (لنا).
  • بعضهم بكلمة (معبود).
  • بعضهم بكلمة (حق)

والصواب تقديره بكلمة (حق)؛ لأن المعبود بحق هو الله وحده أما غيره من المعبودات فهي موجودة لكنها باطلة، كما قال تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).

ونفي وجود الآلهة مخالف للواقع، فهناك آلهة كثيرة دون الله موجودة، ولكن معبودة بالباطل، فقد حكى الله عن قوم نوح: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ)، وعن قوم موسى: (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)؛ فهذه أدلة وجود آلهة غير الله معبودة بالباطل.

ولأن النزاع بين الرسل وقومهم في كون آلهتهم حقا أو باطلا، قال تعالى: ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وأما إلهية الله: فلا نزاع فيها، ولم ينفها أحد ممن يعترف بالربوبية.

فثبت أن النفي ليس للوجود، وإنما للاستحقاق.

فإن نفي المعبود مطلقا ليس بصادق؛ فإن المعبودات واقعة كثيرا، من الشجر والحجر والكواكب وغير ذلك؛ فلا يصدق الإخبار عن النفي إلا إذا قيد بالاستحقاق. (٤) (٥) 

  • وإلا : أداة استثناء. (٦)
  • والله : لفظ الجلالة بدل من لفظ الإله، بدل بعض من كل. (٧)

وبناء على ما سبق:  فما ذكره من كون الخبر في لا إله إلا الله مقدر بكلمة موجود باطل من وجوه منها:

  • نفي وجود الآلهة مخالف للواقع، فهناك آلهة كثيرة دون الله موجودة، ولكن معبودة بالباطل.
  • أن تقدير الخبر بكلمة (موجود) يلزم منه أن يكون كل معبود بحق أو باطل هو الله؛ إذ الآلهة الموجودة المعبودة من دون الله كثيرة، وهذا هو مذهب أهل الاتحاد (عند القائلين به من الصوفية).

وعليه فإن الصواب هو تقدير الخبر بكلمة (حق) ، وأما تقديره بكلمة (موجود) فلا يكفى إلا إذا ذكر قيد الاستحقاق بحيث ينعت اسم لا (بحق) ، ويكون التقدير لا إله حقا موجود إلا الله وحينئذ يزول المحذور. (٨)

المصادر والمراجع

(١) رسالة مسألة في كلمة الشهادة للزمخشري، ورسالة إعراب لا إله إلا الله لابن هشام، ورسالة في لا إله إلا الله لبدر الدين الزركشي، والتجريد في إعراب كلمة التوحيد للقاري، وعجالة ذوي الانتباه في تحقيق إعراب لا إله إلا الله للكوراني.(١٦) أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم ٤٨٧)
(٢) ومعنی کونها نافية للجنس: يعنى نفي الجنس شمول النفي واستغراقه لكل أفراد الجنس لذلك سماها النحاة "لا" التي للتبرئة، أي أنها تبرئ أفراد الجنس كلهم من معنى الخبر، قال الأزهري: (وحق (لا) (التبرئة) أن تصدق على "لا" النافية كائنة ما كانت لأن كل من برأته فقد نفيت عنه شيئا، ولكنهم خصوها بالعاملة عمل "إن" فإن التبرئة فيها أمكن). ويشبه النحاة "لا" النافية للجنس بـ"إن" في عملها لجملة من المبررات، منها مشابهتها لها في التوكيد فالأولى التوكيد النفي والثانية لتوكيد الإثبات، ولأن لكليهما صدر الكلام، ولأن "لا" النافية نقيضة "إن" والشيء يحمل على نقیضه . وحتى تكون "لا" نافية للجنس اشترط النحاة عدة شروط هي : أن تكون نافية وأن يكون المنفي بها الجنس كله. أن يكون نفي الجنس نصا (يصح تقدير "من" الاستغراقية) "لا رجل في الدار"، على تقدير: (لا من رجل في الدار). وأن يكون مدخولاها نكرتين ( المسند والمسند إليه). ألا يحصل بينها وبين المسند إليه.
(٣) وإله اسمها ، مبنى على الفتح في محل نصب، وهي واسمها في محل رفع بالابتداء، وقد ضُمنت (لا) مع اسمها معنى (مِنْ)؛ إذ التقدير: لا من إله، ولهذا كانت نصا في العموم، كأنه نفي كل إله إلا الله، وخبر (لا) محذوف للعلم به وتقديره عند أكثر النحويين (موجود)، وعند أهل السنة (حق) أي : لا معبود بحق إلا الله. اسم لا النافية للجنس مبني على ما ينصب به لو كان معربا، وهو الفتحة الظاهرة بآخره لأنه مفرد. ومذهب سيبويه: أنها واسمها في محل رفع بالابتداء، ولا عمل لها في الخبر. ومذهب الأخفش: أن اسمها في محل رفع وهي عاملة في الخبر.
(٥) ونازع فيه بعضهم ونفي الحاجة إلى قيد مقدر محتجا بأن نفى الماهية من غير قيد أعم من نفيها بقيد. وعلى هذا فيكون النفي منصبا على ماهية الآلهة دون ملاحظة أي قيد (أي: لا إله مطلقا إلا الله) والقائل بنفي الحاجة إلى تقدير هو الرازي في تفسيره حيث قال: (لا حاجة إلى التقدير بل نفي الماهية أقوى). قال الزركشي معقبا: والتقدير أولى جريا على القاعدة العربية في تقدير الخبر، وعلى هذا فالأحسن تقدير الأخير، لما ذكر، ولتكون الكلمة جامعة لثبوت ما يستحيل نفيه ونفي ما يستحيل ثبوته» وقال ابن مالك: (صدر الكلام نفي لكل معبود بحق، فيكون الواحد الحق توحيدا خالصا).
(٦)  إلا : ذكر الزركشي أن بعضهم ذكر أن (لا) في كلمة الشهادة بمعنى (غير) واستدل على ذلك بقوله: لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا، ثم بقول الشاعر: (وكلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أخُوهُ. لَعمرُ أبيكَ، إلاّ الفَرقدانِ) وهذا القائل منازع في هذا الفهم وإجماع العلماء على أنه يفيد التوحيد المحض وإطلاق الشارع لها غير مقيدة بقيد لا سيما في موضع البيان والتفسير دليل قطعي على أنه صريح فيه وأما حمل الآية على معنى ( غير ) فظاهر لأنها مرفوعة نعتا لآلهة لا أن المراد بها الاستثناء إذ المراد نفي المعية لانتفاء التمانع المنفي لانتفاء غير الله تعالى وهو الذي أورده المتكلمون في صورة التقسيم المسمى عندهم برهان الخلف [وهو ما يسمى عند المناطقة بالقياس الاستثنائي] الذي يقصد فيه إثبات المطلوب بإبطال ضده.
(٧) انظر: مسألة في كلمة الشهادة (١٣٥،١٦٤)، ورسالة إعراب لا إله إلا الله لابن هشام (٤٧،٦٥)، ورسالة في لا إله إلا الله (٦٤،٨٧)، والتجريد في إعراب كلمة التوحيد (١٥،٣١)، وعجالة ذوي الانتباه في تحقيق إعراب لا إله إلا الله (١٩٧،٢٠٨).
(٨) انظر: « معارج القبول » (۳۰۹/ ۱ ).(٢٤) تفسير السعدي (٣٩) [مؤسسة الرسالة، ط١، ١٤٢٠هـ]، وانظر: شرح العقيدة لابن عثيمين (٢٨٥) [دار ابن الجوزي، الرياض، ط٥، ١٤١٩ هـ]، وشرح رياض الصالحين له (٢-٢٥٩) [دار الوطن، ط١، ١٤٢٦هـ]
أحدث أقدم