معنى أركان لا إله إلا الله

أركان-لا-إله-إلا-الله

أسلوبا النفي والإثبات من الأساليب العربية المعروفة، والعرب تستعملهما لحصر الشيء وقصره عما سواه؛ فالجمع بينهما في الكلام يفيد الحصر والقصر بل أبلغ أنواعه؛ ولما كان التوحيد هو حق الله المحض الخالص على عباده الذي لا يجوز أن يشاركه فيه أحد كائن من كان ورد محصورا مقصورا عليه بهذين الأسلوبين: النفي العام، والإثبات الخاص.

قال ابن القيم: وطريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات، فينفي عبادة ما سوى الله ويثبت عبادته، وهذا هو حقيقة التوحيد، والنفي المحض ليس بتوحيد، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمنا للنفي والإثبات، وهذا حقيقة لا إله إلا الله. (١)

أركان لا إله إلا الله


تضمنت كلمة التوحيد لا إله إلا الله ركنين:
  • الأول : النفي في قوله (لا إله).
  • الثاني: الإثبات في قوله (إلا الله).

الركن الأول: النفي؛ وهو نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى من جميع المخلوقات كائناً من كان.

الركن الثاني: الإثبات ؛ وهو إثبات الألوهية لله وحده دون سواه، فهو الإله الحق وما سواه من الآلهة باطل؛ قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). (٢)

ولا يتم إيمان عبد إلا بتحقيق هذين الركنين الذي هو حقيقة العروة الوثقى، كما قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ). (٣)

قال ابن كثير: (أي: من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي : فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم). (٤)

الركن الأول من أركانها: النفي


المقصود به: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة من كانت: وذلك بالكفر بعبادتها ونبذ ذلك بالعداوة والبغضاء، وهي التي عبر الله عنها في كثير من كتابه بالطاغوت.

قال الله تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ). (٥)

فلا يتم التمسك بالعروة الوثقى لا إله إلا الله إلا بتحقيق الركنين:
  • الكفر بالطاغوت
  • الإيمان بالله

والإيمان بالله متضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده؛ الإيمان بربوبيته؛ الإيمان بألوهيته؛ والإيمان بأسمائه وصفاته.

وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). (٦)

فحقيقة دعوة الرسل عبادة الله والكفر بالطاغوت وهي فحوى قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). (٧)

وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ). (٨)

فجعل البشرى بالجنة لعباده الذين أنابوا إليه واجتنبوا الطاغوت.

ومن خلال هذه الآيات يتبين أن الكفر بالطاغوت ركن لا يتم إيمان العبد بدونه وهو مقتضى كلمة الشهادة لا إله إلا الله.

يتجلى ذلك أكثر عندما نتأمل قول إبراهيم لأبيه وقومه : (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)). (٩)

ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه و حسابه على الله ). (١٠)

وقوله صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان). (١١)

وفي رواية: (بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: على أنْ يُعبدَ اللهُ ويُكفرَ بما دونهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ). (١٢)

فهذه الرواية تبين معنى الشهادة أن لا إله إلا الله في هذا الحديث؛ فلا إله إلا الله تعنى : أن يعبد الله ويكفر بما دونه. ومن هنا يعلم أن الكفر بما يعبد من دون الله أو بالطاغوت ركن كلمة التوحيد وأساسه.

  • كما قال الله تعالى عن إبراهيم ومن معه: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). (١٣)
  • وقال تعالى عنه عليه السلام: (قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ). (١٤)
  • وقوله: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلّا جَعَلْنَا نَبِيّا (٤٩)). (١٥)
  • وقال عن نوح عليه السلام وإعلانه براءته من شرك قومه: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ). (١٦)
  • وعلى شاكلتها تبرؤ هود عليه السلام من شرك قومه حيث قال لقومه: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ). (١٧)
  • وقال تعالى أمرا نبيه : (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ) (١٨)

وبانتظام عقد هذين الأمرين: عبادة الله وحده، والبراءة مما سواه تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله. غير أنها لا تنفع العبد ما لم يضم إليها الشهادة (محمد رسول الله) المقارنة إليها؛ وهذا الأمر من الوضوح بمكان؛ فإذا كانت لا إله إلا الله تقتضى عبادة الله وحده؛ فأي عبادة لمن لم يؤمن برسالته؟!.

تصور الإثبات متقدم على تصور النفي

من الجدير ذكره ههنا أن بعض المتكلمين قد أورد استفسارا أن تصور الإثبات متقدم على تصور النفي، بدليل أن الواحد منا يمكنه أن يتصور الإثبات وإن لم يخطر بباله العدم، ويمتنع عليه أن يتصور العدم إلا وقد تصور الإثبات أولا؛ إذ النفي فرع  عن الإثبات لأن العدم المطلق غير معقول، بل العدم لا يعقل إلا إذا أضيف إلى موجود معين.

فمثلا: إذا قلنا عدم السواد فلا نفهم عدمه إلا إذا فهمنا السواد، فثبت إذا أن تصور الإثبات مقدم على تصور النفي، وأنه أسهل فهما، فما السبب في أن جعل النفي الذي هو فرعً على الإثبات الذي هو الأصل في كلمة شهادة التوحيد لا إله إلا الله؟ (١٩)

وأجيب بأمور، منها:
  • أن التقديم والتأخير في كلمة التوحيد باعتبار اللفظ وأما المعنى فالكلام مثبت لأن معناها: (الله مستحق للعبادة وحده). 
  • أن نفي الإلهية عن غيره ثم إثباتها له آكد في الإثبات لأن تقدم النفي على الإثبات أبلغ في الحصر، فإن قولنا: ليس في البلد عالم غير فلان آكد في المدح من قولنا: فلان عالم البلد، لأن الثاني لا يمنع المشاركة لغيره في العلم بخالف الأول فإنه يمنع المشاركة.
  • أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض، فهو عدم، وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بعدم إثباتٌ لا يمنع المشاركة.
  • إنما بدأ بالنفي، لأن النفي تفريغ القلب، فإذا كان القلب خاليا ارتسام التوحيد فيه.
  • أن التخلي قبل التحلّي كما هو القاعدة عند أهل العلم، ولذا قدم الكفر بالطاغوت على الإيمان في قوله تعالى (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) تقديم الشرط على مشروطه.

المصادر والمراجع

(١) بدائع الفوائد (١-٢٣٦)
(٢) سورة الحج، الآية ٦٢
(٣) سورة البقرة، الآية ٢٥٦
(٤) تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) (١-٢٨٤)
(٥) سورة البقرة، الآية ٢٥٦
(٦) سورة النحل، الآية ٣٦
(٧) سورة الأنبياء، الآية ٢٥
(٨) سورة الزمر، الآية ١٧
(٩) سورة الزخرف
(١٠) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إلا إلا الله محمد رسول الله، رقم (٣٧)
(١١) أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم ٨)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ١٦)
(١٢) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام ، رقم (١٦)
(١٣) سورة الممتحنة، الآية ٤
(١٤) سورة الشعراء
(١٥) سورة مريم
(١٦) تفسير سورة هود، الآية ٣٥
(١٧) سورة هود، الآية ٥٤
(١٨) سورة يونس، الآية ٤١
(١٩) انظر: شرح أسماء الله الحسنى للرازي (١٣٢)، ومعنى لا إله إلا الله للزركشي (٥١)
أحدث أقدم