معنى الشهادة: شهادة أن لا إله إلا الله

معنى-الشهادة-شهادة-أن-لا-إله-إلا-الله

معنى شهادة أن لا إله إلا الله

وصفت كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بالشهادة، وأضيفت كلمة الشهادة إليها، فقيل: شهادة أن لا إله إلا الله في نصوص كثيرة؛ إشارةً إلى أن لا إله إلا الله لا بد أن تكون شهادة يُشهد بها؛ فليست قولًا مجردًا، ولا اعتقادًا محضًا؛ وإنما هي (حتى ينتفع بها صاحبها) قولٌ صادق ناشئ عن علم واعتقاد.

شهادة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله اشتملت على ستة ألفاظ:
  1. أشهد
  2. أنْ
  3. لا
  4. إله
  5. إلا
  6. لفظ الجلالة (الله)

معنى لفظ أشهد


الشَّهادة في اللغة: مصدر الفعل الثلاثي المجرد (شَهِد)؛ ومعناه: الحضور والعلم والإعلام، والخبر القاطع، والمشهَد: محضر الناس، والمشاهدة: المعاينة.

ومنه ما سمي القتيل في سبيل الله: شهيدا؛ لأن ملائكة الرحمة تشهده (أي: تحضره)، أو لسقوطه على الشاهدة (وهي الأرض)، وقيل غير ذلك. (١)

وهذا اللفظ معناه في اللغة والشرع وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ (شهد)؛

كقوله تعالى:(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢)، وكقوله: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٣).

يدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان والإخبار، والإقرار لما شهد به (٤)، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها؛ وذلك أن الشهادة في الإسلام تتضمن كلام الشاهد وخبره وقوله، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه. (٥)

قال ابن تيمية: (الشهادة لا بد فيها من علم الشاهد وصدقه وبيانه، لا يحصل مقصود الشهادة إلا بهذه الأمور). (٦)

اقرأ أيضا: معنى الشهادة في الإسلام

مراتب شهادة أن لا إله إلا الله


وهذه الأمور هي مراتب شهادة أن لا إله إلا الله (٧)؛ وتوضيحها فيما يأتي:

أولًا: علمه بالمشهود له

فالشهادة لا تصح إلا عن علم يقيني لا يخالطه شك بالمشهود له وهو الله، ولذا قال تعالى: (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يشهد عنده: (أرأيت الشمس) قال: نعم. فقال: (على مثلها فاشهد أو دع) (٨)؛ فمن شهد غير عالم بالمشهود له فشهادته زور وميْن.

والأصل في الشهادة: أن تكون عن حضور ومشاهدة حسية.

قال ابن فارس: (الشهادة: الإخبار بما قد شوهد) (٩)، ثم استعملت فيما يتيقنه الإنسان في نفسه.

قال القرطبي: (وأصل الشهادة: الإخبار عما شاهد المخبر بحِسِّه، ثم قد يقال على ما يحققه الإنسان [ويتيقنه](١٠)، وإن لم يكن شاهدًا للحس؛ لأن المحقَّق علمًا كالمُدرك حسّا ومشاهدةً). (١١)

وقال ابن عطية: أصل (شهد) في كلام العرب: حضر، ومنه قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١٢)؛ ثم صُرفت الكلمة حتى قيل فيما تقرر علمه في النفس بأي وجه تقرر من حضور أو غيره: شهد يشهد). (١٣)

وعليه فلا بد أن يكون الشاهد متيقنًا صادقًا، وإلا فلو أخبر بخلاف ما يعتقد، أو مع تردد وشك لم تكن شهادته صادقة؛ ولا تكون كذلك إلا عن مواطأة للقلب، وموافقة للاعتقاد. (١٤)

لأن الشهادة باللسان فقط لا تكفي بدليل أن المنافقين يشهدون لله عز وجل بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم، فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فلا ينفعهم. (١٥)

ولهذا وُصفت الشهادة بالقطعية والتحقيق والجزم (١٦)؛ قال الفيروز آبادي: (الشهادة: خبر قاطع). (١٧)

وعليه فشهادة أن لا إله إلا الله تتضمن صدق الشاهد وتيقنه بمدلول كلمة التوحيد والعلم بحقيقة ما يشهد به؛ إذ لا يمكن أن يشهد الشاهد بما يجهله؛ فالجهل والشهادة متنافيان. (١٨)

فقول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله يتضمن علمه بذلك. (١٩)

قال الأنباري: (وقولهم: أشهد أن لا إله إلا الله: معناه عند أهل العربية: أعلم أنه لا إله إلا الله، وأبيِّن أنه لا إله إلا الله). (٢٠)

وقال عبد الرحمن بن حسن: (لا ريب أن الشهادة لا تكون شهادة إلا إذا كانت عن علم ويقين وصدق، وأما مع الجهل والشك فلا تعتبر ولا تنفع؛ فيكون الشاهد والحالة هذه كاذبًا؛ لجهله بمعنى الذي يشهد به). (٢١)

وغير خافٍ أن حصول اليقين والاعتقاد يقتضي حصول العلم ضرورة؛ غير أن التنصيص عليه في كلام أهل العلم لمزيد التوضيح ومزيد العناية.

والخلاصة التي تتحصل من العرض السابق: أن الشهادة: إخبارٌ عما تعلمه النفس وتتيقنه.

قال أبو العباس القرطبي في معنى قول المسلم: (أشهد): (أي أنطق بما أعلمه وأتحققه). (٢٢)

ومثله قول ابن عثيمين في معنى (أشهد): (أنطق بلساني معبرًا عما يُكنه قلبي من اليقين، وهو أنه لا إله إلا الله). (٢٣)

وقال أيضا: (وأشهد بمعنى أقر بقلبي ناطقا بلساني؛ لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب. وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس لا يستطيع النطق فإنه يكفي للعجز). (٢٤)

فمعنى الشهادة: أن يشهد بلسانه وبقلبه أنه لا معبود حق إلا الله، يشهد بلسانه ويؤمن.

ثانيًا: تكلم الشاهد وإقراره بهذا الذي علمه؛ فالشهادة كما أنها تقتضي اعتقادا وهو العلم واليقين بالمشهود له فهي تقتضي كذلك نطقا وإن لم يعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه.

فلا يكون الشاهد شاهدًا حتى ينطق ويتلفظ ويقول مخبرًا عما في نفسه، ومُعلِمًا عما يكنه فؤاده.

فهي إذن مُركبة من اعتقاد ولفظ. (٢٥)

فقول الموحد: (لا إله إلا الله) يعني: (أخبر بأني قاطع بالوحدانية). (٢٦)

قال ابن منده: (الشهادة فعلُه بالقلب واللسان، لا اختلاف بين المسلمين في ذلك). (٢٧)

فمتى اعتقد العبد مضمون كلمة التوحيد فلا يكون شاهدًا حتى ينطق بها.

قال محمد بن نصر المروزي: (والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه، يشهد بها لله بقلبه ولسانه، يبتدئ بشهادة قلبه والإقرار به، ثم يُثنّي بالشهادة بلسانه والإقرار به). (٢٨)

وإذا امتنع من النطق بلسانه (مع القدرة) فلا ينفعه ما اعتقده بقلبه خلافا لما عليه بعض أهل البدع.

قال ابن تيمية: (فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها). (٢٩)

ثالثًا: إعلامه وإخباره بها؛ فلا يسمى شاهدا حتى يُعلم غيره بما شهد به.

وهذا الإعلام نوعان؛ إما أن يكون إعلاما بالقول أو إعلاما بالفعل.

هذا إذا لم يكن ثمة عذر شرعي عن إعلام الغير؛ كالإكراه، أو اختفاء، أو ما أشبه ذلك مما تجوز فيه التَّقِيَّة. (٣٠)

رابعا: إلتزامه بمضمونها والأمر به. (٣١)

وهذا من شهادة الفعل، فالشهادة كما أنها تكون نطقا باللسان، فهي أيضا تكون عملاً بالأركان كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ) (٣٢) فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلونه، وكذا القائل لهذه الكلمة فلا بد أن يشهد بعمله على صدق شهادته، ولا يكون ذلك إلا بانقياد في الظاهر.

الخلاصة: معنى شهادة أن لا إله إلا الله : العلم بأن لا إله إلا الله، والنطق بذلك، والإعلام به، وكل شهادة هي بهذا المعنى، والشاهد عند القاضي لا يكون شاهدا حتى يكون علم ثم نطق؛ تكلم بذلك فأعلم به القاضي، فسمي شاهدا لأجل ذلك. (٣٣)

مسألة: عدم اشتراط لفظ أشهد

لا يشترط في التلفظ عند الدخول في الإسلام بكلمة الشهادة أن يقول: (أشهد)، فلو قال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) حُكم بإسلامه، وأن المراد بالشهادتين: ذلك، لا أن يقول: لفظ (أشهد)، وقد نقل الحليمي الاتفاق على ذلك.

قال ابن القيم: (وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل الإسلام وشهد شهادة الحق، ولم يتوقف إسلامه على لفظ الشهادة). (٣٤)

المصادر والمراجع

(١) انظر: الصحاح (٢-٤٩٤) [دار العلم للملايين، ط٤، ١٩٩٠م]، ومقاييس اللغة (٣-٢٢١) [دار الفكر ببيروت، ط٢، ١٤١٨هـ]، والقاموس المحيط (٣٧٢) [مؤسسة الرسالة، ط٥، ١٤١٦هـ]
(٢) سورة آل عمران، الآية ١٨
(٣) سورة الزخرف، الآية ٨٦
(٤) القاموس المحيط (١-٦٥٥) باب الدال ـ فصل الشين، مفردات القرآن للراغب (٤٦٥-٤٦٨)، مادة (شهد)، معاني القرآن للزجاج (-١٣٥٦)، ومعالم التنز يل (٢-١٥،١٧) ، وزاد المسير (١-٣٥٢)، والجامع لأحكام القرآن (٤-٤٢)
(٥) انظر: بدائع التفسير: الجامع لما فسره الإمام ابن قيم الجوزية (١-٢١٧)
(٦) مجموع الفتاوى (١٤-١٨٧)
(٧) انظر: بدائع التفسير: الجامع لما فسره الإمام ابن قيم الجوزية (١-٢١٧)
(٨) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، برقم (15672) وذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/63). وعزاه إلى الحاكم في المستدرك، و البيهقي في الشعب من حديث طاووس عن ابن عباس مرفوعا ولفظه: (هل ترى الشمس) قال: نعم قال (على مثلها فاشهد أو دع). قال ابن حزم في المحلى (٩/٤٣٤): وهذا خبر لا يصح سنده؛ لأنه من طريق محمد بن سليمان بن مشمول، وهو هالك عن عبيد الله بن سلمة بن وهرام، وهو ضعيف؛ لكن معناه صحيح). وقال ابن الملقن في (البدر المنير) (٩/٦١٧): فيه نظر، وقال ابن حجر في (التلخيص) (٤/١٩٨): في إسناده محمد بن سليمان بن مسمول وهو ضعيف، وقال الألباني في تخريج الطحاوية (٩٠): ضعيف.
(٩) مجمل اللغة (٢-٥١٤)، والمصباح المنير مادة "شهد" ص ١٦٩
(١٠) في الأصل: يتقنه
(١١) المفهم (١-٨٧). وانظر: تيسير الكريم الرحمن (١٢٥)
(١٢) سورة البقرة، الآية ١٨٥
(١٣) المحرر الوجيز (٢٨٣)، والمفردات (٢٦٧)
(١٤) كنز السعادة في شرح الشهادة (٣٢)
(١٥) شرح الأربعين النووية، ابن عثيمين (٢٩) [دار الثريا للنشر، ط٣، ١٤٢٥هـ]
(١٦) فتح المجيد (١-٢٤٩)
(١٧) القاموس (١-٣٠٦)
(١٨) انظر: تيسير العزيز الحميد (١-٢٠٥،٢٠٦)، وحاشية كتاب التوحيد (٢٥)
(١٩) انظر: المصباح المنير (٣٢٥)
(٢٠) الزاهر في معاني كلمات الناس (١-٣٢)
(٢١) قرعة عيون الموحدين (١٠)
(٢٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١-٨٧)
(٢٣) القول المفيد على كتاب التوحيد (١-١٥٢)
(٢٤) القول المفيد على كتاب التوحيد (١-١٥٢)
(٢٥) تفسير الجلالين (٦٧)
(٢٦) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (٢-٤٣٢)
(٢٧) الإيمان (١-٣٣٢)؛ وانظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (٢-٤٣٢،٤٣٣)
(٢٨) تعظيم قدر الصلاة (٢-٧٠٧)، الإيمان لابن منده (١-٣٠٥)
(٢٩) مجموع الفتاوى لابن تيمية، كتاب الإيمان، (٣٣٠)
(٣٠) شرح الأربعين النووية، صالح آل الشيخ (٨٦)
(٣١) بدائع التفسير، ابن قيم الجوزية (١-٢٢٠)
(٣٢) سورة التوبة، الآية ١٧
(٣٣) شرح الأربعين النووية، صالح آل الشيخ (٨٦)
(٣٤) مدارج السالكين (٣-٤٧١)، ومثله في الطرق الحكمية (٢-٥٤٠)
أحدث أقدم