المراد بـ: شروط لا إله إلا الله
المراد بـ : شروط لا إله إلا الله الأمور التي يجب على العبد لزومها وتحقيقها حتى تتحقق شهادة لا إله إلا الله، وصحة الشهادة بها معلقة بوجود تلك الشروط واجتماعها، والتزامها والقيام بها علما وعملا، وهذه الشروط بمنزلة الأسنان للمفتاح كما قال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا له أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح. (١)
وشروط لا إله إلا الله ليست شروطا في قبول الإسلام الظاهر في الدنيا بل في نفع صاحبه في الآخرة وتأمل جميع الأدلة التي ذكرت في كون هذه الأعمال شروطا تجدها إنما هي في أمر الآخرة:
- قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. (٢)
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة). (٣)
- قال رسول الله ﷺ: (فمن لقيتَ وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستقينًا بها قلبه، فبشره بالجنة). (٤)
- وقال عليه الصلاة والسلام: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة). (٥)
- قال رسول الله ﷺ: (أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ من قال لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من نفسِهِ).
- وقوله: (لن يوافي عبدٌ يوم القيامة وهو يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار). (٧)
- وفي رواية: (فإنَّ الله حرَّم على النار مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). (٨)
- وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار). (٩)
كما أن هذه الشروط ليست في ثبوت عصمة الدم، والمال، وثبوت حكم الإسلام ظاهرا، وجريان أحكام الإسلام على صاحبها في الدنيا؛ فالإسلام الموجب للعصمة وغيرها من أحكام الدنيا، يكفى فيه الانقياد الظاهر ولو كان في باطنه غير مصدق لما ينقاد له في ظاهره:
- لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقِّها وحسابهم على الله). (١٠)
- وفي رواية لمسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به). (١١)
- وقوله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله. (١٢)
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل). (١٣)
- وفي رواية: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل). (١٤)
- وما أخرجه البخاري أيضا عن أسامة بن زيد يقول: بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحُرَقَة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي ﷺ فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، فقال: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. (١٤)
- ويدل على ذلك أيضا ما رواه البخاري بسنده عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين. (١٥)
فدلت بعض هذه الأحاديث على إظهار الانقياد للإسلام بشئ من لوازمه -كالشهادتين ونحوها- كافٍ في إثبات العصمة ابتداء وموجب لحقن دم المظهر لذلك، ووجوب الكف عمن نطق بما يحتمل معه دخوله في الإسلام.
وإنما اكتفى بالانقياد بالظاهر لتعاليم الإسلام، ولم يشترط الاعتقاد في الباطن لإثبات العصمة لدم المنقاد وماله، لأن الاعتقاد الباطن لا قدرة لأحد من الناس على الاطلاع عليه، وإنما يقدر على ذلك إلا الله عز وجل وحده، وإنما يطلع الناس على ما يظهر من أفعال المرء ، فإن ظهر منها ما يدل على الإسلام كان هذا كافيا لجريان أحكام الإسلام، ومنها عصمة الدم والمال ، فإن كان اعتقاده الباطن موافقا لما أظهره نفعه ذلك في الآخرة كما انتفع به في الدنيا، وإن خالف باطنه ما استفاد العصمة في الدنيا وحسابه في الآخرة على باطنه لله سبحانه وتعالى.
ووسائل الدخول في الإسلام كثيرة منها ماهو صريح كالنطق بالشهادتين، وهما شعار الإسلام صراحة، ومنها ما هو بطريق الدلالة ، كأن يرى من عرف بالكفر يصلى صلاة المسلمين ، ومنها ما هو بطريق التبعية كالحكم بإسلام الصغير تبعا لإسلام والديه ، وللفقهاء تفصيل في اعتبار هذه الوسائل موجبة لعصمة الدم والمال ، وإن كانت في مجملها مثبتة للعصمة عندهم.
والتصريح بالشهادتين من أقوى الطرق للدلالة على الدخول في الإسلام ، فهما مفتاح الإسلام وشعاره ، ولذا لم يختلف الفقهاء في إثبات العصمة بهما ووجوب حقن دم من نطق بهما ، وهي عصمة مؤقتة حتى يرى حاله بعد ذلك.
وعلى ذلك فمتى أظهر غير المسلم الانقياد نطقا بالشهادتين وجب الكف عنه دون ضرورة لاستبطان أمره أو الكشف عما في قلبه ، فإن أظهر بعد ذلك بقية أركان الإسلام فهو المسلم الذي له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وإن أظهر ما كان عليه من الكفر وترك الإذعان والانقياد لتعاليم الإسلام، ولم يقم أركانه كان مرتدا عن الإسلام بعد الدخول فيه، فتسقط عصمته لردته وسواء في ذلك كان انقياده وإذعانه للإسلام ناشئا عن إرادته ورغبته، أو كان متخوفا من القتل إن لم يذعن وينقاد للإسلام.
وهذا الأصل لا يحتاج إلى بيان وإنما غرضنا في ذلك بيان بعض الذين يخلطون بين الحكم الدنيوي والأخروي ويظنون أنه يلزم من الحكم بإسلام الشخص؛ الحكم له بالنجاة في الآخرة، أو يظنون أن من قال لا إله إلا اله لا يكفر أبداً!، أو يظنون أن هذه الشروط التي ذكرها العلماء لكلمة التوحيد لا بد منها حال النطق بكلمة التوحيد ليحكم بإسلامه، بل الصواب أن مجرد النطق بكلمة التوحيد لا ينجي العبد عند الله إلا بعد الإتيان بشروطها هذا في الآخرة.
وأما بالنسبة للحكم الدنيوي فمجرد النطق كاف في الحكم بإسلام المرء حتى يتبين ما يناقض ذلك.
قال ابن المنذر : (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام، وهو بالغ صحيح يعقل: أنه مسلم ، فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد). (١٦)
المصادر والمراجع
(١) رواه البخاري معلقاً قبل حديث (١٢٣٧)، ووصله أبو نعيم في حلية الأولياء (٤-٦٦). وانظر تغليق التعليق لابن حجر (٢-٤٥٣،٤٥٤)
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٢٧) واللفظ له، ومسلم (٩٤)
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٢٧)، من حديث أبي هريرة
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٣١)
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٢٦)
(٧) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، رقم الحديث (٦٤٢٣)
(٨) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر (٣٣)
(٩) أخرجه البخارى في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم (١٢٨)
(١٠) أخرجه مسلم حديث (٢٠)، وأخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (١٣٩٩)، وأخرجه أبو داود في كتاب الزكاة (١٥٥٦،١٥٥٧)، وأخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (٢٦٠٧)، وأخرجه النسائي في كتاب الزكاة باب مانع الزكاة (٢٤٤٢).
(١١) أخرجه مسلم (١٣٥) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.
(١٢) أخرجه البخاري عن ابن عمر واللفظ له. صحيح البخاري ، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم (٢٥)
(١٣) مسلم في صحيحه، برقم: ۲٢، کتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وابن منده في كتاب الإيمان: (۱-۱۷٦)
(١٤) مسلم في صحيحه، برقم: ۲۳، کتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وابن منده في كتاب الإيمان: (۱-۱۷٥)
(١٥) متفق عليه
(١٦) الإشراف على مذاهب أهل العلم (٢-٢٦٠،٢٦١)؛ الجامع لأحكام القرآن (٩-٦٣٩٧)؛ جامع العلوم والحكم (١٠١)؛ فتح المبين لشرح الأربعين لابن حجر (١٢٨)
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٢٧) واللفظ له، ومسلم (٩٤)
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٢٧)، من حديث أبي هريرة
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٣١)
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا ، رقم الحديث (٢٦)
(٧) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، رقم الحديث (٦٤٢٣)
(٨) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر (٣٣)
(٩) أخرجه البخارى في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم (١٢٨)
(١٠) أخرجه مسلم حديث (٢٠)، وأخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (١٣٩٩)، وأخرجه أبو داود في كتاب الزكاة (١٥٥٦،١٥٥٧)، وأخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (٢٦٠٧)، وأخرجه النسائي في كتاب الزكاة باب مانع الزكاة (٢٤٤٢).
(١١) أخرجه مسلم (١٣٥) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.
(١٢) أخرجه البخاري عن ابن عمر واللفظ له. صحيح البخاري ، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم (٢٥)
(١٣) مسلم في صحيحه، برقم: ۲٢، کتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وابن منده في كتاب الإيمان: (۱-۱۷٦)
(١٤) مسلم في صحيحه، برقم: ۲۳، کتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وابن منده في كتاب الإيمان: (۱-۱۷٥)
(١٥) متفق عليه
(١٦) الإشراف على مذاهب أهل العلم (٢-٢٦٠،٢٦١)؛ الجامع لأحكام القرآن (٩-٦٣٩٧)؛ جامع العلوم والحكم (١٠١)؛ فتح المبين لشرح الأربعين لابن حجر (١٢٨)