ضوابط المدني

ضوابط-المدني

ضوابط المدني

للعلماء في ضبط القرآن المدني والمكي طريقان: السماع والقياس.

والقياس هو الضابط الذي يعرف بوساطته أن الآية أو السورة مدنية أو مكية وهو ليس مطردا بل مبني على الغالب والكثرة . ومرجعه إلی الألفاظ والتراكيب؛ ولكل من المدني والمكي ضوابط، تعرف بالتتبع والاستقراء . فماهي ضوابط المدني ؟

ضوابط السور والآيات المدنية 


١- كل سورة فيها حد أو فريضة فهي مدنية . (۱)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما السور المدنية ففيها الخطاب لمن يقر بأصل الرسالة ، كأهل الكتاب الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وکالمؤمنين الذين آمنوا بكتب الله ورسله ؛ ولهذا قرر فيها الشرائع التي أكمل الله بها الدين : كالقبلة ، والحج، والصيام ، والاعتكاف ، والجهاد ، وأحكام المناكح ونحوها ، وأحکام الأموال بالعدل كالبيع ، والإحسان كالصدقة، والظلم کالربا ، وغير ذلك مما هو من تمام الدين). (۲)

فإذا ما تتبعنا الآيات أو السور التي فصلت الفرائض وكيف يقسم الميراث على الورثة نجدها أنها مدنية؛ فمثلا سورة النساء عنيت منذ بدايتها من قوله تعالى :( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) إلى قوله تعالى: (وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).(٣)

كذلك سورة البقرة والأنفال والتوبة والأحزاب تعرضت في بعض آیاتها للفرائض وكيفية توزيعها وجميع تلك السور مدنية وكذلك الآيات والسور التي فصلت الحدود تعد من الجانب المدني فقد شرع الله لعباده كثيرا من الحدود والزمهم إقامتها كحد القتل والزنى والسرقة وفي تطبيق تلك الحدود وغيرها من حدود الله أمان للناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس حتى يرتدع أهل البغي والفساد .

وهذا التشريع من لدن العزيز في سلطانه الحكيم في أمره ونهيه الذي لا تخفى عليه مصالح عباده . 

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (٤)

۲ - كل سورة فيها أمر بالجهاد وبيان لأحكامه فهي مدنية .

كل سورة فيها ذكر الجهاد أو بيان لأحكامه فهي مدنیة حتى سورة الحج عند من يرى أنها مكية فآية الجهاد فيها مدنية . فلقد وردت آيات الجهاد في سورة آل عمران والنساء والأنفال والأحزاب والحديد والحشر . وضمت أحكامه وحضت عليه وفصلت أحكام الصلح والمعاهدات.

٣ - كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ماعدا سورة العنكبوت. (٥)

قال ابن تيمية معقبا على قول من قال: إن سورة الحديد مكية : (وقد قيل : إنها مكية ، وهو ضعيف ، لأن فيها ذكر المنافقين ، وذكر أهل الكتاب، وهذا إنما نزل بالمدينة). (٦)

 وقال مكي بن أبى طالب : ( كل سورة فيها ذكر المنافقين مدنية وزاد غيره سوى العنكبوت) (٧) فإنها مكية إلا إحدى عشرة آية من مقدمتها مدنية وهي التي ورد فيها ذكر المنافقين ؛ ومن خلال تتبع السور والآيات التي ورد فيها ذكر المنافقين نجدها في البقرة والنساء والمائدة والتوبة والأحزاب والحديد والحشر والمنافقون وجميع هذه السور مدنية.

٤ - كل سورة فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهي مدنية . (٨)

اختلف أهل العلم حول اطراد هذا الضابط ، فمنهم من يرى اطراده في السور المدنية قال ابن عطية: (وقد يجيء في المدني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وأما قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فصحيح). (٩)

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره أوجه الخطاب في السور المكية : (فلما هاجر النبي إلى المدينة ، وعز بها أهل الإيمان ، وكان بها أهل الكتاب خوطب هؤلاء، وهؤلاء، فهؤلاء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهؤلاء : (يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ) أو (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ولم ينزل بمكة شيء من هذا). (١٠)

ومن يرى عدم اطراد هذا الضابط مكي بن أبي طالب ، وابن الحصار  فقد نقل الزرکشي قول مكي : (هذا إنما هو في الأكثر وليس بعام ، وفي كثير من السور المكية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)). (١١)

ويبدو أن إطلاق ابن عطية وابن تيمية يستثنى منه سورة الحج عند من يرى أنها مكية ؛ إذ فيها قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٢) ؛ وأما ما ذكره مكي بن أبي طالب من أن كثيرا من السور المكية فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو قول مبالغ فيه .

المصادر والمراجع

(۱) الاتقان في علوم القرآن، السيوطي (۱-۱۸)
(۲) مجموع الفتاوی (١٥-١٦٠)
(٣) سورة النساء - الآية ٧ ،١٢
(٤) سورة البقرة ، الآية ۱۷۸ - ۱۷۹
(٥) انظر هذه الضوابط الثلاثة في : الإيضاح لمكي (١١٤)، جمال القراء (١-٢٤٧)، التسهيل العلوم التنزیل (١-٨) ، البرهان للزرکشي (۱۸۸-۱ )، مصاعد النظر (۱ -۱۹۱،۱۹۲)، الإتقان في علوم القرآن (١-٥٣) ، الزيادة والإحسان (۱۲ق/أ) .
(٦) مجموع الفتاوی ( ۱۹۳-۱۷ )
(٧) الاتقان في علوم القرآن (۱-۱۸)
(٨) انظر هذا الضابط في : فضائل القرآن لأبي عبيد (۲۲۲) ، المصنف لابن أبي شيبة (١٠-٥٢٢) ، مسند البزار (۳۳۹-۹)، المستدرك (۱۸-۳) ، الإيضاح لمكي (١١٤) ، دلائل النبوة للبيهقي (٧-١٩٤)، جمال القراء (١-٢٤٧)، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (۸-۱)، فضائل القرآن لابن كثير (۱۱-۱۲) ، البرهان للزرکشي (۱۸۹-۱)، مصاعد النظر (۱۹۱-۱ )، الإتقان (۰۲-۱) ، تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي (٦٣-٦٤) ، الزيادة والإحسان في علوم القرآن (۱۲ق/أ)
(٩) المحرر الوجيز (١-١٤١)
(١٠) مجموع الفتاوی (١٥-١٦٠)
(١١) البرهان (۱-۱۹۱)، وانظر : الإتقان (١-٥٢،٥٣) فقد نقل قول مكي وابن الحصار معا

(١٢) سورة الحج ، الآية ۷۷
أحدث أقدم