المدني والمكي والفرق بينهما من حيث التعريف

الفرق-بين-المكي-و-المدني-من-حيث-التعريف

الفرق بين المكي والمدني


كان نزول القرآن الكريم على نبيه صلوات الله وسلامه عليه في مدى ثلاث وعشرين سنة تقريبا فبعضه نزل في مكة وبعضه الآخر نزل بالمدينة بعد الهجرة . فكان ينزل عليه القرآن أينما أقام في السفر والحضر فكان منه المكي ومنه المدني .

ولقد اختلفت وجهة أنظار العلماء في تعريف المدني والمكي : فمنهم من عرفهما باعتبار حال المخاطبين بهما . ومنهم من عرفهما باعتبار مكان نزولهما . ومنهم من عرفهما باعتبار زمان نزولهما .
وإليك تفصيل تلك التعاريف الثلاثة في المدني والمكي والفرق بينهما من حيث التعريف .

تعريفات المكي والمدني


من نظر إليها باعتبار مكان نزولهما


تباينت وجهات نظر أهل الشأن في مفهوم المكي والمدني، فنظر إليه بعضهم من زاوية المكان، فقال: ( ما نزل من القرآن الكريم في مكة فهو مكي ، وما نزل منه في المدينة فهو مدني ) (١)، ويشمل المدينة ضواحيها كالمنزل عليه في بدر وأحد ، ويشمل مكة ضواحيها كالمنزل عليه في منى وعرفات والحديبية.

وهذا التقسيم اعتبر المكان حدا للضبط .

وهذا التوجه محل نظر عند أهل التحقيق؛ لأنه يفضي إلى خروج آيات عدة من هذين الوصفين، فهناك من الآيات ما لم تنزل في مكة ولا في المدينة ، ولا في ضواحيهما ، كالنازل في تبوك والجحفة.

فقد صح أن ثمة آيات نزلت في غير مكة والمدينة، بل نزلت في الأسفار على سبيل المثال: قول الله تعالى : (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ) (٢) فقد نزلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو سافر لغزوة تبوك،

 وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (٣)، وغير هذا ليس بالقليل.

وقد أخذ العلماء على هذا التعريف بأنه تعريف غير جامع؛ ويـقضي إلى القول بأن في القرآن ما ليس مكيا ولا مدنيا ، وهو ما رأيناه في تقسيم ابن النقيب، حين قال: (ومنه ما ليس بمكي ولا مدني، ألجأ إليه اعتبار المكان) (٤).

وبهذا يتضح أن هذا التعريف غير حاصر لأنه يثبت الواسطة ولا ريب أن عدم الضبط في التقسيم يترك واسطة لا تدخل فيما يذكر من الأقسام وذلك عيب يخل بالمقصود الأول من التقسيم وهو الضبط والحصر. (٥)

من نظر إليهما باعتبار حال المخاطبين بهما


ثمة فريق نظر إلى المكي والمدني في ضوء خطابه للإنسان ، فما كان خطابا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فهو مكي ، وما كان خطابا بـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو مدني (٦) ؛ لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة، والإيمان كان الغالب على أهل المدينة.

ولقد اتخذ أصحاب هذا القول المخاطبين حدا للضبط .

ينسبون في هذا المقام لعبد الله بن مسعود قوله: ( كل شيء في القرآن (يا أيها الناس) أنزل بمكة، وكل شئ في القرآن نزل (يا أيها الذين آمنوا) أنزل بالمدينة). (٧)

ووجه استدلالهم بهذا الأثر هو أن الكفر كان هو السائد على جميع أرجاء المعمورة فخوطبوا بـ; (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فالخطاب لأهل مكة وإن كان غيرهم داخلا فيهم، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة ودخلوا في دين الله أفواجا خوطبوا بـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) .

 واستدلال أصحاب هذا الاصطلاح بهذا الأثر أمر غير مسلم، إذ إن المسألة أوسع بكثير من أن تحصر في مصطلحات وردت في قلة من الآيات يكون المعول عليها في تحديد سور بأكملها أهي مكية أم مدنية؟ من السور تخلو منها.

فإن هناك في القرآن الكريم آيات كثيرة ليست مصدرة بأحدهما نحو قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٨)؛ وقوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ). (٩)

وتعقب أيضا بأنه غير مطرد فسورة النساء مدنية وصدرت بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (١٠). وجاء فيها أيضا قوله تعالی: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ) (١١) وقوله تعالی فی سورة البقرة المدنية : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ). (١٢)

وبذلك نستخلص أن هذا التعريف غير شامل لجميع الشروط إذ أن مبنى التقاسيم والتعاريف يقوم على الضبط والانحصار والاطراد.


من نظر إليهما باعتبار زمان نزولهما


وهذا أصح وأشهر الاعتبارات وأضبطها وعليه جمهور العلماء وهو : (أن المدني مانزل بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإن كان نزوله بمكة أو ضواحيها ويدخل فيه مانزل عليه في سفره والمكي مانزل قبل هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ). (١٣)

وقد اتخذ هذا التقسيم الزمان حدا للضبط ولن نجد زمانا أليق للتمييز بين المكي والمدني إلا الهجرة .

وهو تقسیم حاصر وضابط ومطرد بخلاف سابقيه ، وذلك لأنه تنعدم على القول به الواسطة، ولا تخرج عنه آية من الآيات .

فالآيات إما أن يكون نزولها قبل الهجرة فنطلق عليها مكي أو بعد الهجرة فنطلق عليها مدنية دون النظر إلى مكان النزول بالذات .

وعليه فقوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت علیکم نعمتی ورضيت لكم الإسلام دينا ) (١٤) مدنية مع أنها نزلت في عرفة في حجة الوداع بمكة؛ 

وبناء على ذلك فإن كل ما نزل من القرآن الكريم قبيل الهجرة يطلق عليه مكي سواء أنزل في مكة أم في الطائف أم في أي جهة أخرى؛ وكل ما نزل عليه بعد الهجرة يطلق عليه مدني سواء أنزل بالمدينة أم في الغزوات أم الأسفار أم في طريقه إلى الهجرة.

ومن خلال هذا العرض نخلص إلى أن هذا التعريف هو أصح وأرجح الأقوال ، قال ابن عثيمين: (وهذا التقسيم هو الصحيح، وهو الراجح). (١٥)

المصادر والمراجع

(١) الإتقان في علوم القرآن (١-٩)؛ ومناهل العرفان، (١-١٨٦)
(٢) سورة التوبة، الآية ٤٢
(٣) سورة التوبة، الآية ٦٥
(٤) الإتقان في علوم القرآن (١-٩)
(٥) مناهل العرفان في علوم القرآن (١-١٨٦)
(٦) انظر الاتقان في علوم القرآن للحافظ جلال الدين السيوطی ( ۹۱)
(٧) أخرج قول ابن مسعود هذا: البزار في مسنده (٤-٣٣٦) والحاكم في المستدرك (٣-١٨) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (٧-١٤٤)؛ وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٠-٢٥١)؛ وأبو عبيد في فضائله (٢-٢٠٢)، وابن الضريس في الفضائل أيضا (٧٩) ، ثلاثتهم عن علقمة مرسلا، وصحح الدارقطني أنه مرسل عن علقمة (العلل ٥-١٦٥)، وأشار إلى ذلك البزار أيضا.
(٨) سورة البقرة، الآية: ٤٣
(٩) سورة العلق، الآية: ۱-۲
(١٠) سورة النساء، الآية: ۱
(١١) سورة النساء، الآية: ۳۷
(١٢) سورة البقرة، الآية: ۲۱
(١٣) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (١-٩)
(١٤) سورة المائدة، الآية: ٣
(١٥) شرح أصول التفسير (١١٤)
أحدث أقدم