دليل تعيين شروط لا إله إلا الله وحصرها

دليل-تعيين-شروط-لا-إله-إلا-الله-وحصرها

دليل تعيين شروط لا إله إلا الله وحصرها


دلیل تعيين شروط لا إله إلا الله وحصرها هو التتبع والاستقراء (١) والنظر في النصوص الشرعية؛ فالاستقراء التام للنصوص الشرعية دليل يُحدُّ به الشيء ويُعَد؛ فأهل العلم إذا بذلوا الجهد في استقراء النصوص وتتبعها وخرجوا بنتيجة ما كانت تلك النتيجة التي توصلوا إليها صحيحة يقينية لا وجه لإبطالها، لأنها قضية كلية مستندة إلى النصوص الشرعية؛ فإبطالها أو التشكيك فيها يعد قدحا في تلك النصوص، وهو أمر لا يسوغ.

والأخذ بالاستقراء كدليل يتم به الشيء و لا خلاف فيه بين أهل العلم بل عليه إجماع أهل العلم من كل فن.

يقول ابن عثيمين : (والاستدلال المبني على التتبع والاستقراء ثابت حتى في القرآن كما في قوله تعالی: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا) (٢). الجواب: لا هذا ولا هذا. ولهذا قال تعالى: (كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ) (٣). (٤)

والفائدة المتحصلة من هذا الحصر هو شرح كلمة التوحيد وإيضاحها وتقرير أحكامها؛ كشأن تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة، ونحو ذلك من تقسیمات أهل العلم وتفريعاتهم التي يوردونها لتقرير المعلوم وتأكيد حكمه، وبيان معناه.

ودلائل هذه الشروط كثيرة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومما يدل على وقوع هذا الاستقراء عدُّ هذه الشروط وتداولها في كلام أهل العلم، حيث نصوا على أنها سبعة شروط؛ ومن ذلك ما قاله حافظ أحمد حكمي:

 وبشروط سبعة قد قيدت ...وفي نصوص الوحي حقا وردت
فإنه لم ينتفع قائلها بالنطق... إلا حيث يستكملها. (٥)

وهو استقراء صحیح تام، وذلك لأمرين:

  • أنه لم يقع استدراك من أهل العلم على هذا الحصر من حيث الإجمال، وإن وقع في التفصيل.
  • ترابط هذه الشروط وتلازمها حتى إنها كالشيء الواحد الذي لا يمكن الفصل بينه؛ فبعضها يكمل بعضا.

ومما يوضح الترابط بين هذه الشروط خاصة: أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تكون شهادة معتبرة إلا:

  •  إذا كانت عن علم تام بمعناها، 
  • والعلم بمعناها لا يكون تاما إلا مع اليقين.
  • واليقين لا يتحقق إلا بالتصديق، 
  • والتصديق يقتضي القبول، 
  • والقبول مستلزم للانقياد الصادق لأنه تحقيق الانقياد الصادق، 
  • والانقياد الصادق يستلزم الإخلاص، 
  • والإخلاص يقتضي الكفر بالطاغوت،
  • والكفر بالطاغوت مستلزم للمحبة لهذه الكلمة وما تضمنته من إخلاص التوحيد لله.

فانظر ، كيف انبنت هذه الشروط بعضها على بعض، وتضمن بعضها البعض حتى كأنها ترجع إلى شرط واحد.
ومما يدل على صحة هذا الترابط بين شروط لا إله إلا الله امتناع وجود شرط منها في حق المشرك.

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في حق من أشركوا بالله: (وهؤلاء وإن قالوا "لا إله إلا الله" فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة العظيمة).

ثم برهن ذلك بقوله: ((لأن المشرك جاهل بمعناها، ومن جهله بمعناها جعله لله شريكا في المحبة وغيرها، وهذا هو الجهل المنافي للعلم بما دلت عليه من الإخلاص، ولم يكن صادقا في قولها، لأنه لم ينف ما نفته من الشرك ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص، وترك اليقين أيضا؛ لأنه لو عرف معناها وما دلت عليه لأنكره (يعنى: الشرك) أو شك فيه، ولم يقبله وهو الحق، ولم يكفر بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًا لِلَّهِ) لأنهم أخلصوا له الحب فلم يحبوا إلا إياه، ويحبون من أحبه ويخلصون أعمالهم جميعا لله، ويكفرون بما عبد من دون الله). (٦)

وأيضا: أن النبي قد رتب دخول الجنة على كل شرط منها على حدته، ولا يدل ذلك على المغايرة بينها، لأنه ما من شرط من هذه الشروط إلا وله ما ينقضه ويذهب بأصله.

فلو قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه، وهو غير عالم بمعناها أو شاك فيه لم يصح إيمانه بمجرد إخلاص قلبه.

فإذا ثبت أن هذه الشروط متلازمة ومنبنية بعضها على بعض، فقد يرد سؤال هنا، وهو:

لماذا هذا السبر والتقسيم (٧) لهذه الشروط؟ فلماذا لا يكتفي بأعلى هذه الشروط، لأنه متضمن للأدنی؟

ويقال في الجواب عن هذا السؤال:

أن تقسيم أهل العلم لهذه الشروط له اعتبارات ومقاصد صحيحة، وذلك كما يلي:

1. أن هذا السبر والتقسيم هو بالنظر إلى الأدلة حيث نصت الأدلة الشرعية على أفراد هذه الشروط ورتبت صحة الشهادة عليها.

2. أن ذكر النوع مع جنسه أمر متقرر في الشريعة، وذلك لبيان أهمية هذا النوع والتأكيد على لزومیته؛ كذكر الأعمال بعد الإيمان مع أن الإيمان متضين لها. وكذكر بقية أركان الإيمان بعد الإيمان بالله مع أن الإيمان بالله متضتين لها. ففي ذكر الخاص بعد العام فوائد ومقاصد، ومنها أيضا أن العام لا يتصور إلا بعد معرفة أفراده.

يقول ابن تيمية: (فتصور العام وشموله لتلك الأفراد مسبوق بتصور تلك الأفراد). (٨)

3. بيان أن الإيمان ينقسم ويتجرأ، ويتفاضل بعضه على بعض. وفي ذلك رد على الخوارج والمرجئة والمعتزلة القائلين بأن الإيمان لا ينقسم ولا يتجرأ ولا يتفاضل بل هو شيء واحد، والناس في أصله سواء.

4. الرد على أهل البدع ممن يحد أصل الإيمان بعض شعبه وأجزائه. كتعريف المرجئة للإيمان بأنه تصديق القلب فقط أو معرفته بالله دون انقياد الجوارح.

ومن الجدير ذكره هنا أن هذا الحصر لشروط كلمة التوحيد هو حصر إجمالي ليس تفصيليا؛ لأن هذه الشروط هي كالأصول لسائر شروط صحة الإيمان، فشروط صحة الإيمان الأخرى ترجع وتؤول إليها، لأنها متفرعة عنها؛ إذ هذه الشروط السبعة دالة عليها إما بالتضمن أو بالاستلزام.

ثم هنا مسألة أخيرة مهمة نختم بها الكلام ، وهي:

هل هذا الاستقراء لهذه الشروط هو استقراء تام أو ناقص (٩)؟

تقدم معنا أن هذا الاستقراء صحیح تام، ولكن ينبغي أن يعلم أن التمام هنا هو باعتبار الإجمال لا التفصيل، فهو استقراء تام أي: في المعنى والحصر باعتبار الإجمال، أما باعتبار التفصيل فهو استقراء ناقص باعتبار العد، تام باعتبار المعنی (١٠)، ولذا فهو يقبل الزيادة من جهة الحصر (4).

وذلك لا يقدح في صحة الحصر في كونها سبعة شروط، لأن ما لم يذكر هو داخل تحتها ضمنا.

المصادر والمراجع

(١) الاستقراء، مصدر من استقريت الشيء إذا تتبعته. وهو نوعان: تام، وهو : إثبات الحكم الكلي لثبوته في جزئياته، وهو يفيد اليقين، والبعض يعبر عنه بالقياس المقسم، وناقص وهو: الحكم على كلي لوجوده في أكثر جزئياته، وهو ظني. وسمِّي استقراء لأن مقدماته لا تحصل إلا بتتبع الجزئيات. والفرق بين الاستقرائي التام والاستقرائي الناقص أن التام لا يقبل الزيادة أو النقص، بخلاف الناقص فهو يقبل الزيادة أو النقص. انظر : التعريفات للجرجاني (١٨)؛ والمواقف في علم الكلام للإيجي (١-١٨٢)
(٢) سورة مريم، الآية: ٧٧،٧٨
(٣) سورة مريم، الآية: ٧٩
(٤) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (١-٨٣،٨٤)
(٥) معارج القبول شرح سلم الوصول (٢-٤١٨،٤١٩)
(٦) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (١٣٥)
(٧) السبر و التقسيم في اصطلاح الأصوليين حصر الأوصاف في الأصل المقيس عليه، و إلغاء بعضها ليتعين الباقي للعلية. انظر: التقرير والتحبير (248 / 3)، والمعجم الوسيط (413-1)
(٨) بيان تلبيس الجهمية (٢-٤٧٢)
(٩) تقدم أن الناقص هو الذي يقبل الزيادة.
(١٠) المراد هنا أن المعنى لا ينقسم، فهو مطرد في جميع أفرادها، فهي شروط صحة ترجع إلى معنى واحد.
أحدث أقدم