هل شروط لا إله إلا الله : سبعة أم ثمانية أم تسعة أم أربعة؟

هل-شروط-لا-إله-إلا-الله-سبعة-أم-ثمانية-أم-تسعة-أم-أربعة

هل شروط لا إله إلا الله : سبعة أم ثمانية أم تسعة أم أربعة؟


بالنظر إلى مناح أهل العلم ومذاهبهم في عدّ شروط شهادة أن لا إله إلا الله نجد أن هذه المذاهب والمناحي في عدها مختلفة عند التفصيل لا تنافي بينهما عند التحصيل؛ فالمفصل في قول البعض هو مجمل في قول الآخر. ومما يبين ذلك : أن من عدّها سبعة شروط لم يغفل ما زاده الآخرون من شرطي الكفر بالطاغوت والموافاة على كلمة التوحيد.

فالكفر بالطاغوت لا ينازع في اعتباره شرطا من لم يعده في الشروط، ولكن قد يراه داخلا أو مندرجا تحت شرط الإخلاص والمحبة، وذلك للتلازم والتداخل الشديد بين الإخلاص والكفر بالطاغوت وبين المحبة والكفر بالطاغوت إذ بهما تمام معناه.

وأما الموافاة على كلمة التوحيد فهي تدخل ضمنا تحت شرط الإنقياد. بل جميع الشروط يجب أن يوافي عليها؛ فيموت العبد عالما موقنا بمعنى لا إله إلا الله، صادقا مخلصا في قولها، منقادا قابلا لها.

وأما من عدّها أربعة شروط فهو يخرَّج قوله على أمرين: الأول: إما أنه ذكر بعض الشروط كما يفهمه قوله: (أن الاعتداد بالنطق بها له شروط منها)؛ فتكون (من) تبعيضية. الثاني: أو أنه اكتفى بشرط العلم عن الشروط القلبية الأخرى بدليل أنه أورد مع أدلة شرط العلم أدلة شرط الإخلاص والصدق واليقين. (١) واكتفى بشرط التسليم والرضا على شرط القبول والمحبة.

فالحاصل أن كلامه متضمن للشروط السبعة المشهورة عند أهل العلم؛ أما ما زاده الآخرون من شرط الكفر بالطاغوت والموافاة؛ فالكلام هنا كالكلام هناك؛ إذ لا فرق، ما دام أن كلامه قد اشتمل الشروط السبعة المشهورة عند أهل العلم.

فبان إذا أن هذه الأقوال متفقة مؤتلفة؛ فما زاده البعض لم ينفه الآخر، ولكن منهم من أجمل ومنهم من فصل، والتفصيل فرع عن الإجمال؛ ولا تعارض بين فرع وأصله؛ فجميع هذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، ولا يحتج على من فصل أو أجمل في حصرها.

والفائدة المتحصلة من هذا الحصر المتقدم هو شرح كلمة التوحيد وإيضاحها وتقرير أحكامها؛ كشأن تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة، ونحو ذلك من تقسيمات أهل العلم وتفريعاتهم التي يوردونها لتقرير المعلوم وتأكيد حكمه، وتقریب معناه.

وهذا الحصر لا يعني بالضرورة أن لا تكون أعمال القلوب الأخرى؛ كالخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة من أركان الإيمان وشروط صحة التوحيد، إلا أن هذه الشروط السبعة أو الثمانية المنصوص عليها في كلام أهل العلم هي كالأصول لسائر الأعمال؛ فسائر أعمال القلوب الأخرى متفرعة عنها؛ إذ هي دالة عليها إما بالتضمن أو بالالتزام. (٢)

فالتوكل مثلا هو داخل تحت شرط الإخلاص؛ لأن التوكل معناه الشرعي اعتماد القلب على الله تعالى في جلب نفع أو دفع ضر؛ واعتماد القلب على الله هو من إخلاص التوحيد لله؛ إذ لا يجوز تعليق التوكل بغير الله تعالى لأنه من الشرك. كما أن التوكل أيضا من معانيه الثقة بالله رب العالمين، فبهذا المعنى يكون داخلا أيضا تحت شرط اليقين.

وأيضا: فالتوكل مرجعه إلى علم العبد بربه وأنه مفتقر إليه في كل أموره وفي جميع شؤونه، فبهذا الاعتبار يكون التوكل من لوازم العلم والمعرفة بالله لك.

وفي ذلك يقول ابن القيم - رحمه الله : (فإن التوكل يجمع أصلين : علم القلب وعمله؛ أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك؛ وأما عمله: فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أمره إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك، ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه. فبهذين الأصلين يتحقق التوكل، وهما جماعه، وإن كان التوكل دخل في عمل القلب من عمله كما قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب، ولكن لا بد فيه من العلم وهو إما شرط فيه وإما جزء من ماهيته). (٣)

وأما الرجاء والخوف فهما من لوازم شرط الانقياد العملي بحقوق لا إله إلا الله؛ لأنه متی انقدح في قلبه قادح الخوف والرجاء تحرك للعمل طلبا للخلاص من الخوف ورغبة في حصول المرجو، فيكون محققا لشرطي الخوف والرجاء.

يقول ابن تيمية مقررا ذلك: (وإذا كان الإنسان لا يتحرك إلا راجيا وإن كان راهبا خائفا لم يسع إلا في النجاة، ولم يهرب إلا من الخوف، فالرجاء لا يكون إلا بما يلقى في نفسه من الإيعاد بالخير الذي هو طلب المحبوب، أو فوات المكروه . فكل بني آدم له اعتقاد فيه تصديق بشيء وتكذيب بشيء، وله قصد وإرادة لما يرجوه مما هو عنده محبوب ممكن الوصول إليه، أو لوجود المحبوب عنده، أو لدفع المكروه عنه . والله خلق العبد يقصد الخير فيرجوه بعمله، فإذا كذب بالحق فلم يصدق به ولم يرج الخير فيقصده ويعمل له كان خاسرة بترك تصديق الحق وطلب الخير). (٤)

كما أن للخوف تعلقا بشرط العلم من جهة كماله ونقصه، فكلما كان العبد بالله أعلم كان له أطوع وأخوف كما قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). (٥) (٦)

وأيضا فالخوف الذي يصح به الإيمان إنما يتولد كما قال ابن القيم من تصديق الوعيد وذكر الجناية ومراقبة العاقبة (٧)، فيكون من لوازم التصديق بمعنى الشهادة. وهذا بخلاف الرغبة فهي تتولد من ملاحظة الإيعاد بالخير، فتكون من لوازم التصديق بالوعد الأخروي. (٨)

كما أن الخوف والرجاء لهما تعلق بشرط المحبة من جهة تحققها، فلا تتحقق المحبة إلا بهما، فتكون المحبة متضمنة لهما .يقول ابن القيم: (ومقام المحبة جامع لمقام المعرفة والخوف والرجاء والإرادة؛ فالمحبة معنى يلتئم من هذه الأربعة وبها تحققها). (٩)

ولعل وجه ذلك (والله أعلم)، فلأن المحبة لا تستقر إلا بعد العلم والمعرفة بصفات المحبوب التي لأجلها يُحب؛ فإن للمحبة داعيان . كما قرر ذلك ابن القيم هما: الجلال والجمال. (١٠)

كما أن الخوف والرجاء والإرادة من البواعث على العمل، والمحبة هي أصل كل عمل. يقول ابن تيمية : (الحب أصل كل عمل من حق و باطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها). (١١) فثبت أن تحقيق المحبة يكون بالخوف والرجاء، والإرادة مع العلم. وأما الحياء من الله تعالى فهو داخل في معنى الخوف.

فبان إذن أن أعمال القلوب الأخرى داخلة في شروط لا إله إلا الله، والشروط السبعة دالة عليها؛ إما تضمنا أو استلزاما، فلا وجه للقدح في هذا الحصر، والتهوين من شأنه بل هو  حصر استقرائي تام.

وذلك باعتبار الإجمال لا باعتبار التفصيل، لأن الحصر التام هو الشامل الذي لا يقبل الزيادة أو النقص، فهذه الشروط باعتبار الإجمال حاصرة لشروط لا إله إلا الله أما باعتبار الأفراد والأنواع فهي ليست بحاصرة، وهذا ظاهر فيما تقدم ؛ لكن بعض المعاصرين أنکر صحة هذا الحصر في كونها سبعة بما زاده البعض عليها (١٢)، وحاصل الدفع أنه لم يفرق بين الإجمال والتفصيل.

ومن هنا يمكن القول بأن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله (أول من اصطلح على شروط لا إله إلا الله بهذا الإحصاء والترتيب) له منهجان في عد هذه الشروط: منهج إجمالي نص فيه على أن هذه الشروط سبعة كما في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (١١٤،١١٥)، ومنهج تفصيلي، حيث زاد  شرطا ثامنا على الشروط السبعة وهو الكفر بما يعبد من دون الله كما في قرة عيون الموحدين (٥٣).

بل قال عند عدّها: (لا إله إلا الله قد قيدت في الكتاب والسنة بقيود ثقال منها) ثم ذكرها مما يبين أنه يريد التفصيل بدليل كلمة (من) الدالة على التبعيض. 

كما نجده في نص آخر في قرة عيون الموحدين (٣٢) يقول: (فلا يسلم من الشرك إلا من حقق توحيده وأتى بما تقتضيه كلمة الإخلاص من العلم واليقين، والصدق والإخلاص، والمحبة والقبول والإنقياد، وغير ذلك مما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة)؛ فقوله: (وغير ذلك مما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة) دليل على أنه يشير إلى التفصيل القاضي بأن هذه الشروط تزيد على السبعة.

 ومهما يكن من أمر فإن الحصرين لا يتنافيان؛ فلا داعي للضرب على هذا الوتر الحساس في التهوين من هذا الحصر كما هو صنيع بعض المعاصرين ، هداهم الله.

المصادر والمراجع

(١) رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله - آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي (٣٣،٣٤)
(٢) التضمن والالتزام من أنواع الدلالات اللفظية، وأهل العلم يقسمون الدلالات اللفظية إلى ثلاثة أقسام؛ لأن اللفظ إما أن يدل على تمام ما وضع له أو لا. والأول المطابقة كدلالة البيت على المجموع المركب من السقف والجدار والأس. والثاني: إما أن يكون على جزء مسماه أولا، والأول دلالة التضمن؛ كدلالة البيت على الجدار فقط. والثاني أن يكون خارجا عن مسماه وهي دلالة الالتزام كدلالة الأسد على الشجاعة. انظر: الإبهاج للسبكي (١-٢٠٥)
(٣) طريق الهجرتين (٣٨٩)
(٤) مجموع الفتاوى (٤-٣٣)؛ وانظر: مدارج السالكين (١-٤٤٤)
(٥) سورة فاطر، الآية: ٢٨
(٦) طريق الهجرتين (٤٢٣،٤٢٤)
(٧) مدارج السالكين (١-٥١٥)
(٨) انظر: مجموع الفتاوى (٤-٣٣)
(٩) مدارج السالكين (١-١٣٦)
(١٠) انظر: الجواب الكافي (٣٨١)
(١١) قاعدة في المحبة (١١٣)؛ وانظر: الجواب الكافي (٣٣١،٣٣٨)
(١٢) قواعد و مسائل في توحيد الإلهية للشيخ عبد العزيز الريس (١٧٥)
(١٤) رفع الاشتباه (٣٢،٣٦)

أحدث أقدم