تعريف الحجاب لغة وشرعا

الحجاب

الحجاب

إن الله عز وجل خلق العباد، ولم يتركهم هملا، فشرع لهم أحكاما، وأبان لهم طريق الرشاد، وجعل في محکم تشریعه مقاصد عظيمة، تكفل لهم إن حفظوها قيام مصالح الدنيا والدين معا. فجعل و ضبط العِرض وحفظه أحد تلك المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية، وأقام عليها جملة كبيرة من الأحكام، أناطها بالرجل والمرأة معا، كلا حسب ما هيأه الله له؛ ففتح أبواب التعفف، وسد أبواب الفساد والتبذل، وكان مما شرعه في هذا الباب، أحكاما تختص بلباس الرجال، وأحكاما تختص بلباس النساء، وحد لهما حدودا وأوصافا مخصوصة؛ تعظيما لحرمات الله، وصيانة لأعراض العباد، وحفظا لدينهم وعفتهم، وحماية للمجتمع من مسالك التبذل والرذيلة.

فأمر الحجاب مما شاع الاختلاف في أمره في هذا الزمن، وكثر إثارة الشبهات حول مشروعيته من قبل أهل الأهواء والبدع.

تعريف الحجاب لغة:

حجب: الحجاب : الستر. حجب الشيء يحجبه حجبا وحجابا وحجبه : ستره . وقد احتجب وتحجب إذا اكتن من وراء حجاب. وامرأة محجوبة : قد سترت بستر. والحاجب : البواب، صفة غالبة، وجمعه حجبة وحجاب....وحجبه : أي منعه عن الدخول. 

والحجاب : اسم ما احتجب به ، وكل ما حال بين شيئين : حجاب ، والجمع حجب لا غير. وقوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} (1) معناه (2) : ومن بيننا وبينك حاجز في النحلة والدين ؛ وهو مثل قوله تعالى : {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} (3) إلا أن معنى هذا : أنا لا نوافقك في مذهب. واحتجب الملك عن الناس ، وملك محجب....وكل شيء منع شيئا ، فقد حجبه كما تحجب الإخوة الأم عن فريضتها (4)، فإن الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس . والحاجبان : العظمان اللذان فوق العينين بلحمهما وشعرهما ، صفة غالبة ، والجمع حواجب ؛ وقيل : الحاجب الشعر النابت على العظم ، سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس". (5)

وفي حديث الصلاة: "حِين تَوارَتْ بالحجاب" (6) الحِجَاب ها هنا : الأُفُقُ يُريد حِين غَابت الشمس في الأُفق واسْتَتَرَتْ به. ومنه قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (7) وفيه: "إنّ اللّه يَغْفر للعبد مَا لم يَقَع الحِجاب قيل يا رسول اللّه وما الحجاب ؟ قال : أن تَمُوت النَّفْسُ وهي : مُشركة" (8) كأنها حُجبت بالموت عن الإيمان.ومنه حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه: "من اطَّلَع الحجاب وَاقع ما وَرَاءه" أي إذا مات الإنسان واقَعَ ما ورَاء الحجابَيْن : حجاب الجنَّة وحجاب النَّار لأنَّهُما قد خَفِيا. وقيل اطَلاعُ الحجاب : مدُّ الرأس لأنّ المُطالع يَمُدّ رأسه يَنْظر من وراء الحجاب وهو السِّتْر. وفيه : قالت بَنُو قُصَيّ : "فِينَا الحِجابة" يعْنُون حجابة الكعبة وهي سِدَانَتُهَا وتَوَلّي حِفْظها وهمُ الذين بأيديهم مِفْتَاحُها. (9)


قال صاحب المصباح: "حجبه حجبا- من باب قتل-: منعه. ومنه قيل للستر: حجاب لأنه يمنع المشاهدة. وقيل للبواب: حاجب، لأنه يمنع من الدخول. والأصل في الحجاب: جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حاجب، أى: بين الإنسان ومراده والمعصية حجاب بين العبد وربه، وجمع حجاب حجب، مثل كتاب كتب". (10)


إقرأ أيضاً: الحجاب وحدود عورة المرأة


خلاصة معنى الحجاب في اللغة

الحجاب مصدر يدور معناه لغة: على السِّتر والحيلولة والمنع. (11) ؛ قال ابن فارس: "الحاء والجيم والباء: أصلٌ واحد، وهو المنع". (12) ؛ الحجب: "في اللغة المنع". (13) ؛ الحجاب في اللغة: "الستر، والحجاب أيضا: ما احتجبت به المرأة". (14)

من معاني لفظ الحجاب


قد تعددت استعمالات لفظ الحجاب في اللغة العربية على معاني عدة، فمن ذلك:
  • ما حال بين شيئين : فكل ما حال بين شيئين فهو حجاب. ومنه حجاب الجوف: وهي جلدة تحجب ما بين الفؤاد وسائر الجوف. (15)
  • المنع والستر: يقال: احتجب فلان: إذا اكتن من وراء الحجاب فستره ومنع رؤيته. وامرأة محجوبة: إذا شترت بستر. وحجبته عن كذا، أي: منعته. وكل شيء منع شيئا فقد حجبه. (16)

  • ما أشرف على شيء : فالحجاب: ما أشرف من الجبل. والحجبة: رأس الورك؛ شُّبه بذلك؛ لإشرافه على الخاصرتين. (17)
  • حرف الشيء وحافته : فحاجب كل شيء: حرفه. (18) (19)

استعمال الفقهاء لهذا اللفظ

لا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن معناه اللغوي الذي هو الستر والحيلولة. (20)

لابد أن أعرف ببعض المصطلحات والمسميات في الحجاب، ذلك أن حجاب المرأة بصورة مجملة كان معروفا قبل الإسلام، وله أسماء وأنواع منها: الجلباب، الخمار، المقنعة، الاعتجاز، النقاب، البرقع، والقفازان وغيرها.


بعض المصطلحات والمسميات


  • الجلباب : هو الرِّداء أو الملاءة أو المِلحَفة، يعنى: الشئ الواسع الذي يشمل جميع البدن أو أكثره، وهي تشبه العبادة عندنا. (21)
  • النقاب : القناع على مارن الأنف، والجمع نقب. وقد تنقبت المرأة، وانتقبت. والنقاب على وجوه؛ قال الفراء: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فتلك الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النقاب، فإن كان على طرف الأنف فهو اللفام. (22)
  • الخمار : ما تغطى به المرأة رأسها، ووجهها، وعنقها وجيبها، وسمي: الغدفة، مادة: "غدف" أصل صحيح، يدل على سِتْر وتغطية، يقال: أغدفت المرأة قناعها: أي أرسلته على وجهها. (23)
  • الاعتجار : هو لف المرأة الخمار على رأسها، وردُّها طرفه على وجهها. (24)
  • البرقع : البرقوع لغة البرقعُ، قال الليث: جمع البرقع البراقع، قال: وتلبسها الدواب وتلبسها نساء الأعراب وفيه خرقان للعينين. (25)


تعريف الحجاب شرعا


ورد عدة تعريفات شرعية للحجاب على النحو الآتي:
قيل: "كل ما يستر المطلوب". (26)
وقيل: "الحجاب الشرعي هو أن تحجب المرأة كل بدنها عن الرجال: الرأس والوجه والصدر والرجل واليد". (27)
وقيل: "هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره". (28)
وقيل: "الحجاب الشرعي هو أن تستر المرأة جميع جسمها عن الرجال غير المحارم بلباس غير شفاف وغير ضيق". (29)
وقيل: "أنه ستر للمرأة جميعها عن غير المحارم". (30)

وخلاصة الأمر: فحجاب المرأة شرعا: "هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها -إلا ما استثنى-، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت". (31) وما تتستر خلفه كالجدار ونحوه.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي فهو يستر المرأة ويمنع من النظر إليها.

المصادر والمراجع
(1) سورة فصلت، الآية: ٥.
(2) وقوله: ( وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ) يقولون: ومن بيننا وبينك يا محمد ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت, فيرى بعضنا بعضا, وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين, لأن دينهم كان عبادة الأوثان, ودين محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عبادة الله وحده لا شريك له, فذلك هو الحجاب الذي زعموا أنه بينهم وبين نبيّ الله, وذلك هو خلاف بعضهم بعضا في الدين". تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن) 1، تفسير سورة فصلت ، ص: ٨٥
(3) سورة فصلت، الآية: ٥.
(4) حجب نقصان: وهو حجب عن نصيب أكثر إلى نصيب أقل. وهو لخمسة من الورثة: الزوجين، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب، والإخوة لأم.
(5) لسان العرب، لابن منظور، فصل الحاء، باب الباء، ١ / ٢٩٨
(6) حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب". صحيح البخاري » كتاب مواقيت الصلاة » باب وقت المغرب (536)؛ صحيح مسلم كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ بَابُ بَيَانِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ حديث رقم 1052سنن الترمذي، باب ما جاء في وقت المغرب، 164؛ سنن أبي داود » كتاب الصلاة » باب في وقت المغرب ، 417: إذا غاب حاجبها؛ سنن ابن ماجه » كتاب الصلاة » أبواب مواقيت الصلاة » باب وقت صلاة المغرب 688؛ مسند أحمد » أول مسند المدنيين رضي الله عنهم أجمعين » بقية حديث ابن الأكوع في المضاف من الأصل 16097؛ سنن الدارمي » كتاب الصلاة » باب وقت المغرب 1209؛ السنن الكبرى » كتاب الصلاة » جماع أبواب المواقيت » باب وقت المغرب 1652؛ المعجم الكبير » باب السين » من اسمه سلمة » سلمة بن عمرو بن الأكوع » ما أسند سلمة بن الأكوع » يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة عن سلمة 6289.(7) قال الله تعالى: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}سورة ص ، الآية:32؛ قوله تعالى: ( حتى توارت بالحجاب ) أي : توارت الشمس بالحجاب استترت بما يحجبها عن الأبصار ، يقال : الحاجب جبل دون قاف بمسيرة سنة ، والشمس تغرب من ورائه. تفسير البغوي، معالم التنزيل - ج 2الثالث والعشرون ، ص: ٨٩
(8) وأخرجه البخاري في ترجمة ثابت بن ثوبان برقم (٦٤٢)، أخرجه أحمد (٥-١٧٤)، والبزار في مسنده (٤٠٥٦)، وصححه ابن حبان (٦٢٦)، والحاكم في المستدرك (٤/٢٨٤)؛ درجة الحديث: إسناده ضعيف : تخريج مشكاة المصابيح (2300).
(9) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة: "حجب"
(10) المصباح المنير، مادة "حجب"، ١ / ١٢١
(11) حراسة الفضيلة لبكر بن عبد الله أبو زيد، ص ٢٦
(12) مقاييس اللغة: (ح ج ب)
(13) التعريفات للجرجاني
(14) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح.
(15) تهذيب اللغة: (ح ج ب، ٤ /۹۷). المحكم والمحيط الأعظم: (۹۳/۳). مقاييس اللغة: (ح ج ب)
(16) تهذيب اللغة: (ح ج ب، ۹۸ / ٤ ). الصحاح: (ح ج ب، ۱۰۷ / ۱ ). مقاییس اللغة: (ح ج ب).
(17) تهذيب اللغة: (ح ج ب، ٤ /۹۷). مقاییس اللغة: (ح ج ب). الصحاح: (ح ج ب، ۱۰۸/١)
(18) المحكم والمحيط الأعظم: (۹۳/۳ ). القاموس المحيط : (۷۲).
(19) أحكام الحجاب دراسة فقهية موازنة، ص 7.
(20) فتح القدير 6 / 463، ونشر دار إحياء التراث، وقليوبي 3 / 16، وروضة الطالبين 8 / 54، وكشاف القناع 1 / 491 - 492، وشرح غريب المهذب لابن بطال 2 / 27.
(21) تفسير القرآن الكريم - ابن عثيمين- سورة الأحزاب 486
(22) لسان العرب، مادة "نقب"، ١ / ٥٥٣
(23) حراسة الفضيلة لبكر بن عبد الله أبو زيد، ص ٣٠
(24) تفسير القرآن الكريم  ١٠ / ٢١٢
(25) لسان العرب، لابن منظور، مادة برقع، ٨ / ٩
(26) التعريفات للجرجاني، ٨٧
(27) بيان صفة الحجاب الشرعي، ابن باز
(28) مسائل وفتاوى لباس الزوجة الصالحة، ابن عثيمين، 192
(29) أحكام وفتاوى المرأة المسلمة، صالح الفوزان، 214
(30) الموسوعة الفقهية، حرف النون، نقاب
(31) حراسة الفضيلة لبكر بن عبد الله أبو زيد، ص ٢٦

أحدث أقدم