المرأة
تبين فيما سبق مشروعية الحجاب، وأنه أمر شرعه الله على نساء المسلمين، فكان من الأهمية بمكان ذكر أدلة الحجاب وضوابطه وصفته؛ حتى تتعبد المرأة ربها حسبما أمرها به من التزام شريعته، والتزام أوامره في الحجاب.
والأصل في هذه الضوابط يقوم على وجوب ستر عورة المرأة عن أعين الرجال الأجانب، وعلى هذا فإنه يلزم بيان معنى العورة، وما هي حدودها قبل الشروع في ذكر الضوابط؛ إذ قد اختلف في حد عورة المرأة عند العلماء في المذاهب الفقهية الأربعة: الأحمدية و الشافعية و المالكية و الحنفية، ومن المعلوم أنه إذا استقام الأصل وتقرر؛ استقامت الفروع وتقررت بيسر وسهولة ووضوح.
تعريف أصل العورة
تعريف أصل العورة
يدور أصل إطلاق العورة في اللغة على النقص والخلل (1)، ولما كان صاحب النقص يكره أن يرى وينكشف نقصه، دخل في معنى (العورة) كل ما يشترك في كراهة رؤيته عقلا أو شرعا أو عُرفا (2)؛ ففي العُرْفِ: لا يُحِبُّ الناسُ أن تُرى بيوتُهم مِن الداخلِ إلا بإذنِهم؛ فقال اللهُ على لسانِ المنافِقِين: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}[الأحزاب: 13].
وقد اتخذ بعض من لا يفهم لغة العرب ولا مصطلحات الشرع مصطلح العورة مدخلا للتقليل من حجاب المرأة وسترها لوجهها والسخرية به؛ لاشتراك لفظ العورة بين السوءتين والوجه؛ وهذا كحال من لا يفرق بين إطلاقات مصطلح (المس)؛ فلا يفرق بين مس المصحف: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ۷۹]، وبين جماع الزوجين: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣]. (3)
وأطلقت (العورة) في الشرع على معان تعبدية، كعورة الصلاة؛ فيقولون: «المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها»؛ لأن الشارع يكره كشفها في الصلاة، ولو كانت المرأة وحدها ببيتها، ولما كان الله يكره أن يكشف الرجال والنساء مواضع معينة من أبدانهم؛ سُميت عورة، ولما كانت المرأة العفيفة تكره أن ينظر إلى شيء من جسمها رجل غير زوجها غريزة وشهوة؛ سمي المنظور إليه عورة . (4)
فقد يكون العضو الواحد في حال عورة، وفي حال ليس بعورة؛ كوجه الأمة، ووجه الحرة، ووجه الشابة، ووجه العجوز، بل يختلف بحسب الناظر؛ إن كان ذكرا طفلا لم يصبح ما ينظر له عورة، وإن كان بالغا أصبح عورة؛ لهذا قال الله :{ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: ۳۱]. (5)
حدود عورة المرأة
وتحرير محل النزاع كما يلي:
اتفق العلماء على وجوب ستر عورتها عن أعين الرجال الأجانب من رأسها حتى أخمص قدميها سوى الوجه والكفين.
واختلفوا في حكم الوجه والكفين عند الأجنبي على قولين:
القول الأول: أن وجه المرأة وكفيها عورة عند الأجنبي کسائر بدنها.
وبه قال أبو بكر الجصاص الحنفي (توفي: ۳۷۰ هجري) (6)، واللخمي المالكي (توفي: ٤٧٨ هجري) (7)، وابن قدامة الحنبلي (توفي: ٦٢٠ هجري) (8)، وابن حجر الهيثمي الشافعي (توفي: ٩٧٣ هجري) (9)، وغيرهم.
القول الثاني: أن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة عند الأجنبي خلاقا لسائر بدنها.
وبه قال عبد الوهاب المالكي (توفي: ٤۲۲ هجري) (10)، وابن الكاساني الحنفي (توفي: ٥٨٧ هجري) (11)، أبو البقاء الأميري الشافعي (توفي: ۸۰۸ هجري) (12)، وغيرهم.
إقرأ أيضاً: أدلة الحجاب من القرآن والسنة
تغطية الوجه والكفين
إقرأ أيضاً: أدلة الحجاب من القرآن والسنة
تغطية الوجه والكفين
غير أن أصحاب القولين اتفقوا على وجوب تغطية الوجه والكفين عند خوف الفتنة.
قال الإمام الشافعي الجويني (توفي: ٤٧٨ هجري): "والنظر إلى الوجه والكفين يحرم عند خوف الفتنة إجماعا". (12)
قال الإمام الشافعي الجويني (توفي: ٤٧٨ هجري): "والنظر إلى الوجه والكفين يحرم عند خوف الفتنة إجماعا". (12)
قال الإمام المالكي ابن څويز مداد: "إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة؛ فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها".(13).
قال الحصکفي الحنفي (ت ١٠٨٨): "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة". (14).
قال شيخي زاده الحنفي (توفي ۱۰۷۸ هجري): "وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد".(15)
المصادر والمراجع
(1) النجم الوهاج: (۱۹۰/ ۲ ).
(۲) الحجاب في الشرع والفطرة: (۱۲).
(3) الحجاب في الشرع والفطرة: (64).
(4) مجموع الفتاوی: ( ۲۲ -۱۱۶).
(5) الحجاب في الشرع والفطرة: (63- 64).
(6) أحكام القرآن للجصاص: (۲۶۰/۹).
(7) ينظر : التبصرة: (۳۷۰/ ۱ ).
(8) ينظر : المغني: (۱۰۱/ ۷ )
(9) ينظر : تحفة المحتاج: (۱۹۳/ ۷ ).
(6) ينظر : الإشراف على نكت مسائل الخلاف: (۲۹۲/ 1 ).
(7) ينظر : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: (۱۲۳/۵ ).
(8) ينظر: النجم الوهاج: (۱۹۲/ ۲ ).
(12) نهاية المطلب في دراية المذهب: ( ۳۱/ ۱۲) .
(13) ينظر: تفسير القرطبي: ( ۲۱۶/ ۱۲ ).
(14) الدر المختار : (۵۸).
(15) مجمع الأنهر: (۸۱/ ۱ ).
(13) ينظر: تفسير القرطبي: ( ۲۱۶/ ۱۲ ).
(14) الدر المختار : (۵۸).
(15) مجمع الأنهر: (۸۱/ ۱ ).