شروط الحجاب الشرعي مع الأدلة
إن استتار المرأة بحجابها أو بجلبابها إنما يكون وفق الضوابط الشرعية الآتية:
أولا: أن الحجاب الشرعي يكون ساترا لجميع بدنها إلا ما استثني
والمقصود أن يكون الحجاب الشرعي ساترا مستوعبا لجميع بدنها إلا ما استثني، بدلالة قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: ۰۹]. ففي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب وإظهار الستر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع أهل الريب فيهن". (2)
قال القرطبي المالكي (ت ۹۷۱ھ) في بيان معنى الجلابيب - على الصحيح أنها: "الثوب الذي يستر البدن". (4)
وأما ما استثني فهو ما أشارت إليه آية النور في قوله تعالى : {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ...}آية 31 من سورة النور،
والشاهد قوله عز في علاه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: ما ظهر بغير قصد منهن من رداءهن ولباسهن، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليهن في ذلك؛ لأن هذا لا يمكنهن إخفاؤه، وإلى هذا أشار ابن كثير (ت 4٧٧٤ هجري) في تفسيره (5).
وقد جاء تفصيل ذلك فيما سبق عند الحديث على حد عورة المرأة، وتحرير محل النزاع في هذه المسألة.
والمقصود أن يكون الحجاب صفيفا حصيفا، أي: كثيفا ساترا (6)، فلا يصفها لوناً بأن يكون شفافا شاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها، أو مخرما يظهر بعض ما أمرت بستره من خلاله، كما يجب ألا يصفها حجما بألا يكون ضيقا ملتصقا؛ لأن الستر لا يحصل بذلك (7)، وقد وردت على ذلك الأدلة، فمن ذلك:
قوله ﷺ: "صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات (8)، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدنن ريحها..." الحديث (9)،
وهذا وعيد عظيم، يجب الحذر مما دل عليه.
ووجه الدلالة في الحديث: أنه جعل عموم اللباس إن كان هذا وصفه من رقة أو ضيق كمن لم تلبس؛ فهي عارية حقيقة إذ لا تسترها تلك الثياب، وإن بدت كاسية صورة واسما؛ وكذا الحال في حجاب المرأة وجلبابها، فإن أظهر شيء من عورة بدنها أو زينتها كانت كمن لم تتحجب؛ لأن الستر لا يحصل بهذين الوصفين.
ثالثا: ألا يكون الحجاب الشرعي مطيبا
فلا يكون الحجاب مبخرا أو معطرا؛ بدلالة قوله ﷺ : "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ" (10)، وقولُه ﷺ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ" (11)، ووجه الدلالة على المنع من الخروج بلباس أو جلباب مطيب ظاهر الوضوح في كلا الحديثين.
وقال ﷺ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ" (12)، فالواجب على المرأة المسلمة إن خرجت للحاجة أن تخرج بالضوابط الشرعية متستِّرةً محتشمةً وتَفِلةً غيرَ متطيِّبةٍ. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ" (13)، ومعنى «تفلاتٍ» أي: «تاركاتٍ للطِّيب» (14).
وقد وردت أدلة غير ذلك لم تذكر ههنا اختصارا، وكلها ترجع إلى الدلالة نفسها.
لعموم قوله ﷺ: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال". (15)
لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالمرأة ولا العكس. قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل، ولعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة" (16)، فالواجب على المرأة أن تلبس لباسها الخاص والرجل كذلك لباسه الخاص، فلا تتجلبب بما يشبه لباس الرجال أو يختص بهم كالبشت وغيره.
والمقصود أن تتجنب ما اختصت به النساء غير المسلمات، أو النساء المشتهرات بالفسوق والعصيان، مما اختصين به من وصف خاص في لبسهن بما يشبه الجلباب ونحوه، وإن كان الغالب في هذا هو مخالفة لبسهن لشروط الحجاب أصلا؛ وذلك لعموم قوله ﷺ: "من تشبه بقوم فهو منهم" (17).
سادسا: ألا يكون الحجاب الشرعي زينة في نفسه
لا يكون الحجاب مشتملا على نوع من أنواع الزينة بأن يكون مطرزاً أو ملونا بألوان لافتة أو غير ذلك مما هو في عداد الزينة مما يلفت النظر وينجذب إليه؛ لأن هذا خلاف المقصود من الستر.
والله قد نھی عن عموم إبداء الزينة فقال جل شأنه: :{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور : ۳۱]، وقال عز في علاه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33]، ومن ذلك إظهار الزينة والمحاسن سواء كان في الثوب نفسه أو بما هو خارج عنه من حلي وغيره .
سابعا: ألا يكون اللباس لباس شهرة
والمراد ألا يكون الحجاب الشرعي مما يقصد به الاشتهار بين الناس، فتلبس العباءة بتصميم لافت تشتهر به، لا يعرف إلا بها تريد أن تشتهر به. وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك، قال : "من لبس ثوب شهرة في الدنيا؛ ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا". (18) (19)
الخلاصة: أن صفات الحجاب الشرعي يجب أن يكون ساتراً للبدن ، لا يكون رقيق ولا يكون مخرق يستر البدن كله؛ لأن المرأة عورة وفتنة كما قال ﷺ: "المرأة عورة" ، وقال ﷺ: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
المصادر والمراجع
(2) أحكام القرآن للجصاص: (484/ 3).
(3) أحكام القرآن للكيا الهراسي: (۳۰۰/ 4 ).
(4) تفسير القرطبي: ( ۲۶۳/ ۱۶ ).
(5) ينظر : تفسير ابن كثير: (41/ 6 ).
(4) تفسير القرطبي: ( ۲۶۳/ ۱۶ ).
(5) ينظر : تفسير ابن كثير: (41/ 6 ).
(6) ينظر : لسان العرب: (ح ص ف).
(7) ينظر : المجموع شرح المهذب: (۳/ ۱۷۱).
(7) ينظر : المجموع شرح المهذب: (۳/ ۱۷۱).
(8) أي: تلبس الثياب الرقيقة التي تشف وتصف البشرة، أو الضيقة التي تصف أعضاءها أو تلصق بالجلد. ينظر: المنتقی شرح الموطأ: (۲۲۶ / ۷ ). الإفصاح عن معاني الصحاح: (۱۱۹/۸ ).
(9) أخرجه مسلم: (۲۱۲۸).
(10) أخرجه بهذا اللفظ ابن حبَّان (٤٤٢٤) وابن خزيمة (١٦٨١)، وهو عند أبي داود (٤١٧٣)، والترمذي (٢٧٨٦)، والنسائي (٥١٢٦)، مِن حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٧٠١).
(11) أخرجه مسلم في «الصلاة» (٤٤٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(12) أخرجه ابن ماجه في «الفتن» باب فتنة النساء (٤٠٠٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٧٠٣).
(13) أخرجه أحمد (٩٦٤٥)، وابن حبَّان (٢٢١٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «التعليقات الحسان» (٢٢١١).
(14) «النهاية» لابن الأثير (١/ ١٩١).
(9) أخرجه مسلم: (۲۱۲۸).
(10) أخرجه بهذا اللفظ ابن حبَّان (٤٤٢٤) وابن خزيمة (١٦٨١)، وهو عند أبي داود (٤١٧٣)، والترمذي (٢٧٨٦)، والنسائي (٥١٢٦)، مِن حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٧٠١).
(11) أخرجه مسلم في «الصلاة» (٤٤٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(12) أخرجه ابن ماجه في «الفتن» باب فتنة النساء (٤٠٠٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٧٠٣).
(13) أخرجه أحمد (٩٦٤٥)، وابن حبَّان (٢٢١٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «التعليقات الحسان» (٢٢١١).
(14) «النهاية» لابن الأثير (١/ ١٩١).
(15) صحيح الجامع: (۵۶۳۳)، وصححه الألباني.
(16) صحيح الترغيب والترهيب: (۲۰۰۹)، قال الألباني: «صحيح على شرط مسلم» .
(17) صحيح الجامع: (614۹)، وصححه الألباني.
(16) صحيح الترغيب والترهيب: (۲۰۰۹)، قال الألباني: «صحيح على شرط مسلم» .
(17) صحيح الجامع: (614۹)، وصححه الألباني.
(18) أخرجه ابن ماجه: (۲۹۲۲)، وحسنه الألباني .
(19) أحكام الحجاب، ضوابط الحجاب، ص 59